سوء التغذية.. تهديد يتربص بأطفال الحديدة

نحو 45% من وفيات أطفال اليمن سببها سوء التغذية الحاد

سوء التغذية.. تهديد يتربص بأطفال الحديدة

نحو 45% من وفيات أطفال اليمن سببها سوء التغذية الحاد

بعد معاناة مع سوء التغذية الحاد، رحلت الرضيعة “شهد” عن عالمنا، وكان بمقدروها العيش، وهناك قصصا مأساوية لأطفال يعانون، وربما قد يكون مصيرهم متشابه إذا لم يتلقوا الرعاية اللازمة.

ويُعدّ سوء التغذية أحد أكبر أسباب وفيات الأطفال دون سن الخامسة في اليمن، لا سيما في المناطق الريفية، وبحسب منظمة اليونيسيف، أكثر من 45% من وفيات الأطفال سببها سوء التغذية.

ووفق بيانات منظمة الصحة العالمية لعام 2021، فإن هناك لاحتمال وفاة 61.9 طفلاً في اليمن، دون سنة الخامسة من كل ألف طفل مولود في البلاد.

تقول والدة شهد لمنصة ريف اليمن: “كنتُ أبذل قصارى جهدي لإنقاذ فلذة كبدي”، وتضيف وهي تحاول كبت دموعها: “لم أترك مستشفى في الحديدة إلا وذهبت إليه، لكن للأسف لم أتمكن من إنقاذها بسبب سوء حالتها الصحية”.

تهديد يتربص بالأطفال

رحيل شهد يعكس مأساة كثير من الأطفال اليمنيين الذين يفتقرون إلى الرعاية الطبية الأساسية بسبب الحرب التي تدخل عامها العاشر، ومعها تتلاشى آمال كثير من الأسر في العيش الكريم، وتصطدم بواقع مرير.

وبسبب سوء التغذية كذلك، تعاني الطفلة ميسون من التقزم، وتقول والدة ميسون: “ابنتي البالغة عامين تبدو كأنها ما زالت في الأشهر الأولى من عمرها، نحن نحاول جاهدين توفير المغذّيات لها، ولكنها لا تزال تعاني”.

تتجرع الأم وابنتها الألم الدائم، فلا يمكن لأم ميسون النوم بشكل جيد، بسبب قلقها على ابنتها وتقول: “أستيقظ باكرًا كل يوم، أشعر بالقلق والخوف على ميسون، وأتساءل يوميا هل ستنمو بشكل صحيح؟ هل ستكون قادرة على مواجهة التحديات؟”.

الصراعات المستمرة تجعل الأم تشعر بالعجز واليأس، “نحن نعيش في ظروف صعبة جدًا، ولا يوجد لدينا الكثير لنقدمه لميسون، أريد فقط أن تكون ابنتي بخير، ولكن الظروف تجعل من الصعب تحقيق ذلك”، تقول والدتها.

ومع استمرار الصراع وتعقيداته المتعددة، يجد الأطفال أنفسهم محاصرين بدوامة الفقر والجوع، بعيدًا عن الأمان والاستقرار الذي يحق لهم الاستمتاع به.

وبينما تتزايد حالات النزوح وتفاقم الأوضاع الاقتصادية، يبقى الوضع الغذائي للأطفال الريفيين في اليمن تحديًا يتطلب تدخلًا عاجلاً وفعّالًا لتخفيف معاناتهم وحمايتهم من آثار الجوع الناجمة عنه.

يروي والد وفاء أحمد (35 عامًا) من مِيدي محافظة حجة بألم بالغ قصة ابنته ذات الأربعة أعوام، التي تعاني من التقزم بسبب سوء التغذية.

ويقول لمنصة ريف اليمن: “ولدت وفاء بين أحضان الحرب وظلم الظروف، فكانت معركتها الأولى للبقاء في عالم تجتاحه المعاناة والفقر، لم يكن لدينا الوسائل الكافية لتأمين الغذاء السليم والرعاية الطبية الأساسية لها، فتدهورت حالتها الصحية بسرعة”.

ويشير والد وفاء إلى نقص التغذية الذي تعاني منه ابنته، بسبب عدم تناولها الكميات الكافية من الطعام الصحي، ويقول: “كانت تبدو هشة وضعيفة، ولم يكن لديها القوة للعب مع أقرانها. كانت تبدو متعبة دائمًا وكأنها تكافح من أجل كل نَفَس تستنشقه”.

وبسبب انعدام الرعاية الصحية الأساسية، لم يتمكن والد وفاء من تشخيص حالتها في الوقت المناسب أو توفير العلاج اللازم، مما أدى إلى تفاقم حالتها وتقزمها.

يقول والد وفاء: “كانت لحظة صدمة عندما أخبرني الطبيب أن وفاء يجب أن تكون أطول من هذا بكثير. شعرت بالذنب والعجز، فكنتُ أعلم أنه كان بإمكاننا تفادي هذا لو كنا قد حصلنا على المساعدة الطبية في الوقت المناسب”.

سوء التغذية.. تهديد يتربص بأطفال الحديدة
طفلة تتعالج من سوء التغذية في بيت الفقية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (يونيسف)

أرقام مقلقة

المسؤول الإعلامي لمنظمة اليونيسيف مكتب اليمن، كمال الوزِّيزة، قال لمنصة ريف اليمن: “إن أحدث المسوحات العنقودية متعددة المؤشرات (MICS) التي أجرتها المنظمة والجهاز المركزي للإحصاء في اليمن التي صدرت في نوفمبر 2023، وجدت أن مستويات الهزال بين الأطفال دون سن الخامسة تبلغ 16.9% بينما بلغت مستويات التقزّم عند الأطفال نسبة 48.6%”.

وأكد الوزّيزة أن هذه الأرقام مثيرة للقلق، كما أن ضعف الأطفال، خاصة في المناطق الريفية حيث الخدمات ضعيفة، يتفاقم بسبب تفشي مرض الحصبة وسوء الصرف الصحي ونقص المياه النظيفة.

وأضاف: “يُعد سوء التغذية أحد أكبر أسباب وفيات الأطفال دون سن الخامسة، خاصة في المناطق الريفية في اليمن، حيث يسهم في أكثر من 45% من وفيات الأطفال، فالطفل الذي يعاني من سوء التغذية يكون أكثر عرضة لخطر الوفاة بثماني مرات مقارنة بنظيره الذي يتمتع بتغذية جيدة”.

ويفيد الوزيزة قائلا: “ومن المحتمل أن يعاني الطفل المصاب بسوء التغذية (التقزم) من عواقب جسدية أو معرفية سلبية مدى الحياة حتى بعد أفضل علاج. يمنع سوء التغذية في سن مبكرة الطفل من الوصول إلى كامل إمكانات نموه وتطوره”.

وللحد من ذلك، قال مسؤول إعلام مكتب اليونيسيف كمال الوزيزة: “إن استراتيجية الاستجابة المقترحة تشمل اختيار المحافظات والمديريات وتحديد أولوياتها باستخدام خرائط حرمان الأطفال المركبة لتوسيع نطاق التدخلات القطاعية في المناطق المحرومة للغاية، وكذلك الحفاظ على الحد الأدنى من حزمة الخدمات في المواقع الأقل ضعفًا”.

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تلبي زيادة التنبؤات والمشتريات والتجهيز للأغذية العلاجية الجاهزة للاستخدام الطلب المتزايد للأطفال الذين يعانون من الهزال الشديد والمعرضين لخطر الموت.

ويضيف: “نظرًا للدور القيادي الذي تلعبه اليونيسيف، سيتم أيضًا توسيع نطاق القيادة والتنسيق القويين للاستجابة الإنسانية في القطاع الذي تقوده اليونيسيف. ويمكن تحقيق الاستهداف والاستجابة بفعالية ومرونة، بناءً على الاحتياجات الناشئة بالاستخدام الفعال لقاعدة بيانات التغذية لمراقبة، ورصد المزيد من التدهور في الوضع”.

ماهو سوء التغذية

اختصاصية التغذية نعمة العزي بدورها قالت: “إن سوء التغذية الحاد مشكلة تتسبب في نقص العناصر الغذائية الأساسية التي تحتاجها أجساد الأطفال للنمو السليم والتطور العقلي، وبسبب نقص هذه العناصر، يواجه الأطفال تحديات تؤثر بشكل كبير على صحتهم ونموهم”.

وتضيف لمنصة ريف اليمن: “تؤدي سوء التغذية إلى تدهور في الصحة العامة، وقد يتعرض الأطفال المتضررين لمضاعفات صحية خطيرة مثل ضعف المناعة والأمراض المعدية وتأخر النمو والتطور”.

وعبّرت عن أسفها؛ لأن الأطفال في الريف اليمني لا يستطيعون الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية والعلاج المناسب؛ إذ تضطر كثير من العائلات إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن توجيه الموارد المحدودة نحو الغذاء بدلاً من العناية الطبية.

أما رئيسة المؤسسة العربية لحقوق الإنسان رجاء المصعبي، فقد قالت: “إن اليمن شهدت أزمة غذائية خانقة تتفاقم يوماً بعد يوم، والضحايا الأبرياء الذين يدفعون الثمن الأكبر هم أطفال الريف.

تعتبر هذه الأزمة نتيجة لعدة عوامل، من بينها الحرب المستمرة، والتدهور الاقتصادي، وتغيرات المناخ، وتدهور البنية التحتية”. وتضيف المصعبي : “أزمة الغذاء في اليمن تُعرّض حياة الأطفال في الريف للخطر وتعرقل فرص نموهم وتطورهم الطبيعي”.

وشدّدت رئيسة المؤسسة العربية لحقوق الإنسان على ضرورة وقف الحرب لإيجاد حلول فعّالة، فلا يمكن التوصّل إلى حلول دائمة ما لم تتوقف الصراعات؛ لأنها سببت أضرارًا هائلة لليمن وسكانه، لذا من الضروري توحيد الجهود لمواجهة هذا التحدي.

ودعت إلى تحويل المساعدات إلى مشاريع مدرة للدخل لضمان استفادة الجميع وتحقيق التنمية المستدامة، وهذا سيقلل من العبء على الدولة ويمنح الأفراد القدرة على توفير متطلباتهم الأساسية لضمان حياة آمنة لهم ولأطفالهم في الريف اليمني”.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :