يتذكر المواطن زيد محمود (40 عاما) مأساة وفاة زوجته أثناء محاولة إسعافها على أظهرهم عبر طريق جبلية، في قرية اللصبة التابعة لمديرية المضاربة بمحافظة لحج، التي لا توجد فيها أي خدمة صحية.
ويعيش سكان القرية التي تحيط بها جبال وعرة، من دون خدمات صحية أو تعليمية، ويقطنها 150 نسمة تقريبا، ويقطع طلابها مسافة 5 كيلو متر مشيا على الأقدام يوميا للوصول إلى أقرب مدرسة، لكنهم يتوقفون بعد سنوات قليلة عن التعليم، نتيجة المعاناة.
ويقول محمود لمنصة ريف اليمن: “في ساعة متأخرة من عام 2018، تعرضت زوجتي لمرض شديد، لا يوجد لدينا أي مركز أو وحدات صحية، سواء بالقرية أم بالقرب منها، ولا توجد وسيلة مواصلات، فاضطررنا لحملها على الأكتاف، لإسعافها”.
ويضيف بحسرة: “عند وصولنا إلى أعلى الجبل، فارقت زوجتي الحياة، ولم نستطع تقديم أي شيء لها، ماتت بيد أيدينا ونحن ننظر لها، إنها حقا حسرة لن أنساها حتى أغادر هذه الدينا”.
مرضى قرية الْلصَبَةِ لحج
ليس وحده زيد مَن يتذكر رفيقة دربه التي فارقته أثناء عملية إنقاذها حملا على الأكتاف، فهناك كثير من سكان القرية الذين يعانون قساوة الطبيعة الجبلية أثناء نقل مرضاهم نحو أقرب مركز صحي.
ومن أجل نقل المرضى إلى المستوصف الأقرب للقرية، يقطع السكان زهاء عشرة كيلو بداية بالطريق الجبلية سيرا على الأقدام، وعلى أكتافهم المرضى، ثم الانتظار للسيارات العابرة لإيصالهم نحو المستوصف.
وبحسب الأمم المتحدة، أدى العنف المستشري وتدهور الوضع الاقتصادي والتفشي المتكرر للأمراض إلى انهيار النظام الصحي في البلد.
وفي شتى أنحاء اليمن حاليًّا، تعمل 46% من إجمالي المرافق الصحية جزئيًّا، أو قد تكون خارجة عن الخدمة كليًّا، بسبب نقص الموظفين والموارد المالية والكهرباء والأدوية والإمدادات والمعدات، وفقا لذات المصدر.
حلم الحصول على حبة بندول أو إبرة مهدئة في القرية، غير ممكن، فمحمود المشولي (80 عاما) يرى أن قريته في عزلة عن بقية مناطق المحافظة.
ويرى أن سبب ذلك موقعها الجغرافي، فهي متاخمة لمديرية الشمايتين في تعز، لكنها تتبع إداريا مديرية المضاربة التابعة لمحافظة لحج، وهذا ما جعل كل سلطة تتكل على الأخرى في توفير الخدمات.
ويقول المشولي لمنصة ريف اليمن: “قريتنا تفتقر لأي دعم من قبل كل السلطات في تعز أو لحج، وحُرمت المنطقة حتى من دعم المنظمات، وهو ما جعل السكان محرومين من أبسط الحقوق: التعليم، الصحة، المياه، الطريق التي تعد شريان الحياة”.
ويتابع حديثه قائلا: “كثير من مرضانا يعانون، أحيانا نضطر أن نتصل بسيارة أجرة للوصول لأسفل جبل فج حرحر المحيط بالقرية، حيث يُنقل المرضى على الأكتاف لعدم وجود طريق، ومن ثم يُنقلون إلى المستشفيات عبر السيارة التي يتم التواصل بها، مقابل 50 ألف ريال (الدولار 1650ريال)”.
وعندما تكون الحالات المرضية بسيطة، يتصلون بأحد الممرضين من إحدى المناطق المجاورة، وعندما يأتي للقرية تُعرض الحالات عليه، وهو بدوره يقوم بتسجيل العلاجات المطلوبة، بحسب المشولي.
مساهمة السكان
تلك المعاناة الكبيرة، دفعت فاعل خير للمساهمة في شق طريق يربط القرية بمناطق الشمايتين والوازعية، ونتيجة لتوفر الطريق، شهدت المنطقة شراء أول سيارة ودراجة نارية لخدمة سكان القرية.
وقال سكان لمنصة ريف اليمن: “اشترينا دراجة نارية لأنه يصعب على السيارة الوصول لبعض المناطق لعدم وجود طريق سالك أمامها، الدراجة النارية تنقل أغراض السكان من السوق إلى أسفل الجبل، ومن ثم يقوم السكان بنقلها عبر أكتافهم إلى المنازل”.
ويقول حميد محمود وهو أحد سكان القرية: “السلطة المحلية في لحج والمضاربة على علم بمعاناة القرية التي حُرمت من الحصول على الخدمات الصحية، ولكنها غير مكترثة بما يحصل لـ150 أسرة تعاني أشد المعاناة”.
ولا تتوفر إحصائية دقيقة بعدد الذين فقدوا حياتهم، إلا أن محمودا أكد أنّ سكان المنطقة فقدوا أكثر من حالة مرضية بسبب تأخر إسعافها، حيث تُنقل حملا على الأكتاف، لمسافة كبيرة، يفقد معها المريض حياته.
وناشد محمود السلطة المحلية والمنظمات المهتمة بالقطاع الصحي توفير وحدة صحية لخدمة السكان، وتوفير اللقاحات الخاصة بالحصبة والشلل وغيرها، لإنقاذ أطفال المنطقة من الأمراض التي قد تصيبهم مستقبلا، حيث لا تتوفر أي لقاحات للمنطقة.
وبحسب منظمة اليونيسيف، تفتقر المجتمعات الريفية في اليمن إلى الخدمات الصحية الأساسية. وغالباً ما يتحمل عبء ذلك الأطفال والنساء المعرضون للإصابة بالأمراض، وتشير النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية في اليمن 2024 إلى أن 17.8 مليون فرد في اليمن سيحتاجون إلى المساعدة الصحية، بحسب المنظمة.