يشكو سكان المناطق الريفية بمحافظة تعز، من انتشار الكلاب الضالة وبعضها مسعورة، التي باتت تشكل خطرًا كبيرًا على حياتهم وحياة أطفالهم، وسط غياب تام لدور السلطات.
وتوفي 15 شخصاً وتم تسجيل 2,911 حالة عض للكلاب في تعز، خلال السنوات الماضية، في الفترة ما بين 2018 وحتى يونيو 2023، بحسب إحصائية وحدة داء الكلب في المستشفى السويدي للأمومة والطفولة بمدينة تعز.
وقال مساعد رئيس قسم وحدة داء الكلب في المستشفى السويدي في تعز الدكتور عبده يحيى في تصريح صحفي: “إن العام الماضي 2023 سجل 547 حالة إصابة، بالإضافة إلى حالتي وفاة ناجمة عن عضات الكلاب الضالة، منها 60% من الأرياف”.
وداء الكلب مرض فيروسي يصيب الدماغ بشكل عام؛ إذ يمرّ الفيروس عبر العصب حتى يصل الدماغ، مما يسبب شللًا للجهاز العصبي، ومن ثم الاختناق وموت المصاب في حال عدم تلقي الإسعافات الأولية واللقاحات اللازمة.
الطفل حسين فهمي واحد من بين ضحايا الكلاب الضالة، ولا تزال علامات عضّة الكلب تظهر على وجهه بعد مرور عام من تعرضه لعضة أحد الكلاب الضالة في قريته الواقعة بمنطقة البَرَّيهة بريف محافظة تعز.
وعاشت أم حسين تجربة قاسية في السفر من القرية إلى المدينة، وتقول لمنصة ريف اليمن: “تعرض ابني للإصابة في نهار رمضان، واستغرقت مدة السفر ساعة ونصف، وعند وصولنا إلى المستشفى لم يكن هناك المصل المخصص لداء الكلاب”.
وتضيف: “اضطررت إلى شراء المصل من الصيدلية المجاورة للمستشفى بمبلغ 12 ألف ريال، وبعد استخدام الإبرة، حُوّلنا إلى مستشفى آخر للمجارحة؛ لأن ذلك المستشفى لا يقدم خدمة الجارحة”.
انتشار الكلاب الضالة
لم يكن حسين هو الضحية الوحيدة، فقد تعرض الطفل محمد نائف لعضات من الكلب نفسه، بمنطقة البَرَّيهة بريف تعز، وقد تفاقمت حالته الصحية وأصبح يشعر بهلوسة وحمى، وصدرت منه تصرفات غريبة، حسبما تحدث والده لمنصة ريف اليمن، مضيفًا بأنه اضطر لإسعافه واستخدام جرعة لقاح داء الكلب له.
ويروي أحد العاملين بمركز صحي بريف تعز وصول طفل مهشم الوجه نتيجة تعرضه لعضات من كلاب ضالة في إحدى القرى الريفية.
ويضيف: “الحادثة مخيفة، وانتشار الكلاب الضالة بات مخيفا على الأطفال ويهدد حياتهم في المناطق الريفية النائية بالمحافظة”.
ويقول مسؤول الإعلام بمكتب الصحة بتعز تيسير السامعي: “الخطورة في تعز تتمثل في انتشار الكلاب التي تشكل خطرا على المواطن، وعلى الأطفال على وجه التحديد”، ويشير إلى أن عضة الكلب إذا تُركت دون تلقيح بالمصل الخاص مباشرة قد تؤدي إلى الوفاة.
وأضاف لمنصة ريف اليمن “أن مسؤولية مكتب الصحة تتمثل بتوفير المصل الخاص بداء الكلب، وتوعية المجتمع بكيفية الوقاية والمعالجة السليمة لعضة الكلب”.
على مدى سنوات أدت الحرب التي تعصف بالبلاد إلى ارتفاع أسعار الأدوية وانعدام كثير منها، بما في ذلك اللقاحات الخاصة بداء الكلب؛ إذ وصل سعر لقاح داء الكلب إلى 15 ألف ريال يمني، وعادة ما يكون متوفرا في الصيدليات القريبة من المستشفى السويدي للأمومة والطفولة، حيث مقر وحدة مكافحة داء الكلب.
منسق برنامج داء الكلب بمحافظة تعز الدكتور عامر البُوصي قال: “لا يوجد دعم مخصص وآلية مباشرة للبرنامج من قبل وزارة الصحة مثل بقية البرامج التي تتعلق بالترصد الوبائي”.
ويشير إلى أن انقطاع اللقاحات من فترة لأخرى يعود إلى أنه لا يوجد دعم محدد لبرنامج المكافحة، وإنما هناك دعم محدد باللقاحات من منظمة الصحة العالمية.
وأضاف البوصي لمنصة ريف اليمن: “اللقاحات إذا ما توفرت، فهي للمدينة فقط ومن يأتي إليها من المصابين، لكنها غير متوفرة في الأرياف التي تنتشر فيها الكلاب”، ويشدد على ضرورة أن تكون هناك وحدات مكافحة أو على الأقل لقاحات يمكن الوصول إليها بشكل سريع في الأرياف.
أعراض داء الكلب
ويقول البوصي: “أعراض داء الكلب تبدأ بالظهور بمجرد وصول الفيروس للجهاز العصبي المركزي، مما يؤدي إلى إصابة الدماغ بالمرض، ثم الوفاة إذا لم يحصل المصاب على الإسعافات الأولية واللقاح”.
ويضيف: “الأعراض التي تظهر على المصاب هي الشعور بالضيق، والصداع والحمى التي تتزايد لتتحوّل إلى ألم حاد، وحركات عنيفة، وتهيج لاإرادي، والاكتئاب ورهاب الماء، وينتاب المريض في النهاية نوبات من الخمول والتصرفات الغريبة، مما يؤدي إلى غيبوبة، وعادة ما يصاب المريض بقصور في التنفس يسبب له الوفاة”.
وعن طرق العلاج الأولية، يقول الدكتور البوصي: “بعد تعرض أي شخص لعضة كلب أو أي حيوان آخر، يجب غسل موضع العضة بالماء والصابون والمحاليل المطهرة لمدة ربع ساعة، فهذه الطريقة تطرد الفيروسات بما يصل إلى 80% من العلاج الرئيسي للعضة”.
ويشير “ويفضل عدم ربط الجرح وتركه مكشوفا للتخلص من كمية الفيروسات بالسوائل الخارجة من الجرح، ولا يُخاط الجرح ما لم يكن هناك تدخل جراحي مقرر من قبل مختص بطريقة سليمة”.
وتابع: “أحيانا يُراقب الكلب لمدة عشر أيام، لمعرفة ما إذا كان يأكل ويشرب بشكل طبيعي، عند ذلك تكون الأمور مطمئنة”.
غياب التوعية
يرجع السبب الرئيسي وراء انتشار الكلاب الضالة في كثير من المناطق الريفية بمحافظة تعز إلى غياب العمليات الدورية من السلطات المعنية للحد من انتشار الكلاب، مقارنة بما كان يحصل في السابق من إدارات صحة البيئة وصندوق النظافة.
وفي ظل الانتشار المخيف للكلاب الضالة بريف محافظة تعز، يقول مدير إدارة مشروع النظافة والتحسين بالمحافظة ناجي شعبان: “إن هناك حملات بشكل مستمر لمكافحة الكلاب المسعورة، لكنها تستهدف المدينة فقط”.
وأكد شعبان لمنصة ريف اليمن قائلا: “صندوق النظافة دشن حملة في بداية 2024 لمدة شهر، لاستهداف الكلاب المسعورة التي انتشرت بشكل كبير”، لافتاً إلى أن الحملة تواجه عوائق كبيرة من بينها ممانعة بعض السكان.
من جانبه أكد أمير حسن، وهو ممرض بمنطقة جبل حبشي بمحافظة تعز، أنه يستقبل حالات عض لكلاب ضالة بشكل كبير، ويناشد بضرورة مكافحة الكلاب الضالة في الأرياف أو توفير لقاحات إسعافية في هذه المناطق؛ لأنها بعيدة عن المدينة التي تبعد مسافات طويلة ولها تكلفة مالية باهظة.