العيد في الريف.. فرحة مؤجلة حتى انتهاء الحرب

العيد في الريف.. فرحة مؤجلة حتى انتهاء الحرب

أدت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة بسبب الحرب، إلى مصادرة فرحة عيد الفطر، في الأرياف اليمنية، وغيّبت الطقوس التقليدية المرتبطة بهذه المناسبة الدينية.

يحاول سكان الأرياف، إحياء هذه الفرحة، والحفاظ على تقاليدها والثقافية، كالأهازيج، والرقصات الشعبية (البَرَعْ)، والاجتماعية في تبادل الزيارات وتقديم العيدية والضيافة.

لكن استمرار الحرب عمّق معاناة السكان، وباتت هذه الطقوس على شفا الاندثار، ومعها اختفت البهجة، لا سيما مع فقدان سكان المُدن الحضرية القدرة على السفر إلى الأرياف، كما كانوا يعتادون.

تشكو “أمل عامر” من تداعيات الحرب وانقطاع الطرقات التي حالت بينها وبين مظاهر الاحتفال المعتادة في قريتها الواقعة بريف محافظة تعز، كحال معظم اليمنيين الذين فقدوا بهجة العيد جراء استمرار الحرب المستمرة منذ أكثر من تسع سنوات.

مأساة الحرب

تقول أمل وهي ربة أسرة، وتسكن حالياً في صنعاء: “كنا قبل حلول عيد الفطر نستعد للسفر بشراء الملابس والأحذية والهدايا، ونسافر القرية ونقضي أيام الفرح هناك، لكن ذلك أصبح من الماضي، فالحرب قضت على مظاهر الفرحة بالمدن والأرياف”.

وتضيف لمنصة ريف اليمن “نعاني من مشكلة مضاعفة بسبب قطع الطرق الرئيسية، حيث احتاج للسفر داخل محافظة تعز نفس الوقت الذي اسافر به من صنعاء إلى تعز (260 كيلو) حوالي 6 ساعات في طريق وعرة من الحوبان إلى شارع جمال، وكانت قبل الحرب 15 دقيقة”.

وحل عيد الفطر المبارك هذا العام، بالتزامن مع دخول الحرب في اليمن عامها العاشر، التي أثقلت كواهل المواطنين وغيّبت كثيرا من الطقوس التقليدية المتعارف عليها بين اليمنيين، لا سيما في المناطق الريفية.

من جانبه المواطن مراد عباد، الذي ينحدر من قرية “الشعوب” بريف يريم بمحافظة إب: “سرقت الحرب فرحتنا، وكثير من الطقوس التي كان يمارسها السكان اختفت بشكل لافت مقارنة بالسنوات الماضية”.

ويضيف لمنصة لريف اليمن: “كانت قريتنا تستقبل في كل عام أبناءها الذين يقطنون صنعاء وغيرها من المدن، والذين ينجذبون للقرية حبا لأجوائها الهادئة، وهواها العليل، خصوصا في موسم الأمطار”.

وتابع: “حاليا غابت تلك الطقوس، ولم يعد أحد يسافر للأرياف نتيجة الأوضاع والتكاليف، بل إن الأغلب لم يعد يخرج من منزله للتزاور، أو الحدائق والمتنزهات، فحالة الناس صعبة للغاية”.

الحنين للقرية

ويتذكر عباد بحسرة، أجواء الأعياد خلال السنوات الماضية، فيقول: “كنا نخرج للصلاة بعيدا عن القرية، ونتزاور ونعيش أجواء الفرحة بشكل جماعي، ومن أبرز العادات الريفية يجتمع السكان صباحا ويحيون الرقص الشعبي، وكذلك تنظيم السهرات والغناء الى وقت متأخر من الليل، خصوصا إذا صادف العيد أعراس”.

“معظم تلك العادات أصبحت اليوم من الماضي، نتيجة عوامل متعددة أبرزها الحرب، ولجوء الشباب لمغادرة القرى بحثا عن العمل، وكذلك طفرة وسائل والتواصل الاجتماعي، حيث يقضون فيها أغلب أوقاتهم” حسبما تحدث عباد.

يواصل بالقول “تلك المشاعر الجميلة لم تعد ممكنة منذ اندلاع الحرب، وما صاحبها من تدهور اقتصادي، وانعدام الدخل، أصبحنا نسعى لشراء ملابس الأطفال فقط، والسفر إلى القرية غير ممكن”.

وينتظر الأطفال العيد بشغف ولهفة فهو موسم السعادة بالنسبة إليهم، ففيه يشترون ملابس جديدة تختلف عن أي ملابس أخرى، لكن الأمهات في الريف لهن معاييرهن الخاصة في شراء ملابس الأطفال في الألوان والنوع والحجم، ربما لطبيعة القرية وظروفها.

ويقول جمال الأكوع وهو شاب من قرية “الرحبة” بمديرية بني الحارث -صنعاء: “كانت الأمهات في القرية بما في ذلك أمي يتعمّدن خلال العيد شراء ملابس ذات الألوان الداكنة، فهن يضعن في الحسبان النظافة، وصمود الملابس أكبر فترة ممكنة قبل تنظيفها”.

وبين لمنصة ريف اليمن: “كما تضع الأمهات في الحسبان حجم البنطلون ليكون طويل قليلا حتى لا يقصر سريعا، وحتى يبقى للعيد القادم”.

ولفت “تحرص الأمهات في الريف على شراء الملابس القوية مثل الجنز وغيره والتي تقاوم التلف”، ويوضح أن ذلك كان حرصا من الأمهات نتيجة الأوضاع الاقتصادية للأسرة.

فرحة مؤجلة

اليوم ونتيجة الحرب والتدهور الاقتصادي لم يعد شراء الملابس خصوصا للشباب (12 سنة وأكثر) في أولويات الأسر اليمنية في المدن والريف، وتصدر توفير المواد الغذائية الأساسية أولوية الآباء والأمهات.

وأجبر غلاء الملابس وما قابله من انعدام للدخل، أولياء الأمور للعزوف عن الشراء، وتقول أمل عامر: “إن شراء الملابس الجديدة اقتصر هذا العام على طفلها محمد (8 أعوام)”.

وتوضّح: “هناك غلاء جنوني في الأسعار، تكلفة قميص وبنطلون مع أحذية وملابس داخليه لطفل بعمر 8 سنوات بنحو 35-40 ألف ريال يمني (الدولار 530 ريال)، وفي مقابل ذلك ضعف أو انعدام الدخل، هذا جعلنا نؤجل شراء الملابس واقتصر الأمر على الطفل”.

وسرقت الحرب الفرحة من وجوه الناس، خاصةً الأطفال الذين حُرموا من أشياء كثيرة، نتيجة عجز آبائهم عن توفيرها لهم، بسبب تدهور أوضاعهم المعيشية، وقالت أمل “أن الأطفال محرومون من العيدية التي كانوا يحصلون عليها”.

وتلجأ الأسر لشراء ملابس من الحراج (مستعملة)، أو من البسطات المنتشرة في شوارع المدن، نتيجة لأسعارها المناسبة، وإن كانت ذات جودة منخفضة، وهو أفضل من أن يبقى الأطفال من دون ملابس.

ويقول فواز الشرعبي – مالك محل ملابس بصنعاء –  “إن القدرة الشرائية للناس هذا العام انخفضت بشكل أكبر من العام الماضي، ومعظم البضائع التي استوردتها مكدسة في المحل”.

ويضيف لمنصة ريف اليمن: “لم نلحظ هذا العام دخول الأسر الريفية للأسواق في صنعاء، ولم نتوقع أن يكون العزوف بهذا الشكل، وأكاد أجزم أنه وصل إلى 70% مقارنة بالعام الماضي”.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 80% من سكان اليمن البالغ عددهم 32 مليوناً بحاجة إلى المساعدات، في حين تعاني المنظمات الإغاثية من نقص في تمويل عملياتها الإنسانية، ما يؤثر سلباً على حياة الكثير من الفقراء في البلد، لا سيما سكان المناطق الريفية الذين يشكلون 70% من السكان.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: