أبين.. الحياة تعود لأراضي بعد سنوات من التوقف

توقّفت الزراعة بمنطقة زراعية تقدر مساحتها بـ 85 ألف فدان

أبين.. الحياة تعود لأراضي بعد سنوات من التوقف

توقّفت الزراعة بمنطقة زراعية تقدر مساحتها بـ 85 ألف فدان

بعد توقّفٍ استمرّ أكثر من ثماني سنوات بسبب الحرب وتداعياتها، عاد المواطن مقبل جابر (35 عاما) للعمل في النشاط الزراعي، بمنطقة دلتا بمحافظة أبين جنوب اليمن، ومعه عاد المئات من المزارعين لاستغلال أراضيهم، وتأمين الغذاء لأسرهم.

وبسبب الحرب، توقّف النشاط الزراعي في المنطقة ذات المساحة الزراعية التي تقدر بـ85 ألف فدان، وأُجبر مئات المزارعين للعمل في مهن مختلفة وبعضها شاقّ، بعد أن كانوا يزرعون كثيرا من المحاصيل أبرزها: الحبوب، والخضار، والبصل، والبطيخ، وغيرها.

يقول جابر لـ”منصة ريف اليمن” : “أثقلت سنوات الحرب كواهلنا، وعشنا أتعس أيام حياتنا، نشعر بالأسى ونحن ننظر إلى أراضينا وهي خالية، وفي الوقت نفسه نحن عاجزون عن العودة إلى حراثتها بسبب القتال، رغم أنها السبيل الوحيد لتأمين لقمة عيش أطفالنا”.

ويضيف وهو يفتتح أول أيامه بالمزرعة التي تعج بالنشاط قائلا: “تعود بك الزراعة إلى تاريخ الأجداد، وهم يبذلون أوقاتهم في مزارعهم، لأجل يوم تقطف فيه ثمار زاكية من جهدك، وتتجمع الأهالي من أقطار مختلفة إلى ملاذ الأرض، حيث الخير والبركة”، على حد وصفه.

ويبدأ المزارعون الموسم في دلتا أبين من نهاية يوليو، وحتى نهاية ديسمبر، بعدد من الأهازيج الشعبية المتنوعة، والمهاجل الريفية الجميلة، ويستمرون في بذل الجهود لمدة ثلاثة أشهر، حتى يحين وقت الحصاد، الذي يكون ثمرة جهد طال انتظاره.

أبين.. الحياة تعود لأراضي بعد سنوات من التوقف
جزء من المحاصيل الزراعية في منطقة دلتا أبين الزراعية جنوب اليمن (منصة ريف اليمن)

مرحلة فارقة في أبين

المزارع ناصر الخليفي (50 عاما) أيضا يشعر بالسعادة والفرح لعودته إلى العمل بالمزرعة، بعد سنوات من شظف العيش والعوز والصراع المرير مع لقمة العيش التي كانت بعيدة المنال، نتيجة فقدان مصدر دخله المتمثل بالزراعة.

يقول الخليفي في حديثه لمنصة ريف اليمن: “هذه مرحلة فارقة. زرعتُ العام الماضي أكثر من 10 فدانات من المساحة الزراعة التي أمتلكها كمرحلة أولى، إلى أن تتوفر الإمكانيات، وحينها سأقوم بزراعة جميع الأراضي”.

وعن عمله أثناء توقف الزراعة، قال الخليفي: “لم يكن من حيلة أمامي إلا اللجوء للعمل بالأجرة، وهو عمل مرهق لرجل كبير في السن، خاض مسيرة كفاح هي الأصعب، حتى أشرقت بارقة أمل بعودة النشاط الزراعي، فأعادت له روح الحياة”.

ويقول الخبير الزراعي عبد القادر السميطي: “إن استعادة الزراعة لنشاطها في أبين انتشلت المئات من المزارعين الذين كانوا يرزحون تحت وطأة الفاقة والعوز، بعد أن اجتاحت المعارك العسكرية المدينة، وحوّلت الأراضي إلى ساحة حرب مشتعلة، انعكست سلباً على مختلف مجالات الحياة”.

تداعيات الحرب

استعرض السميطي في حديثه لمنصة ريف اليمن، ما تعرض له القطاع الزراعي بالمحافظة في الحرب، منها نهب مراكز الأبحاث الزراعية، وتدمير جهة الإرشاد الزراعي التي كان لها دور فعال في توعية المزارعين وإرشادهم في طرق المحافظة على المحصول ومحاربة الآفات واستمرارية العمل الزراعي.

ويضيف: “كذلك تعرّض مشروع تطوير المساحة الزراعية في أبين للعبث، ونُهبت معداته، وقد كانت ستسهم في تمديد المساحة المزروعة، وقلع النبات والأشجار غير المفيدة، لافتاً إلى أن آلة النهب والتمزيق تعمّدت إتلاف كمية كبيرة من البذور والأصول الوراثية، الأمر الذي أدى إلى انتكاسة كبيرة للمزارعين الذين عزفوا كلياً عن ممارسة نشاطهم الزراعي خوفاً من تعرضهم للخسارة”.

أبين.. الحياة تعود لأراضي بعد سنوات من التوقف
الخبير الزراعي “السمطي” أثناء المشاركة بعملية حصاد القمح فب محافظة أبين جنوب اليمن

وخلال هذا الموسم، رافق عودة المزارعين دخول آلة حديثة، وهي “الغربال الأوتماتيكي” الذي يعمل بالطاقة الشمسية ويصفي جميع أنواع الحبوب، من بينها الذرة الرفيعة، والذرة الشامية والدخن، والقمح، والكنب، والسمسم، والفول السوداني.

والغربال مزوّد بفرن يعمل بالغاز المنزلي، ويقوم بتحميص الفول السوداني، وحبوب البن وفقا لمعايير متعارف عليها عند المحمّصين، كما يحافظ على البذور المحلية، ويسهم في تحقيق الأمن الغذائي ويحقّق سبل العيش ببيع وشراء المنتجات الزراعية وحفظها وبيعها للمزارعين.

وقال مالك الآلة المزارع غالب بن فليس: “إن الآلة ستسهم في تسهيل إنتاج محصول الحبوب، بعد أن كان المزارع يبذل جهدا مضاعفا في استخراجها وجني المحصول السنوي، بما في ذلك الحفاظ على الحبوب من التلوث وغيرها”.

وأضاف غالب لمنصة ريف اليمن: “كانت مسألة إدخال آلة حديثة للمزارعين مسألة مهمّة للتخفيف عن المزارعين، ولتسهيل بيع وشراء المنتجات الزراعية وجميع المحاصيل، بعملية سريعة بعيدة عن التعقيدات الحاصلة، لا سيما بعد عودة الزراعة للمنطقة”.

تكاليف كبيرة

ورغم عودتهم للزراعة، يشكو كثير من المزارعين من ارتفاع غير مسبوق لأسعار الأسمدة والمبيدات المكافحة للآفات التي تغزو محاصيلهم، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وارتفاع أجور الحراثة التي وصلت إلى نحو 30 ألف ريال للساعة الواحدة.

ويقول المزارع جابر: “إن تلك التكاليف الكبيرة تثقل كاهل المزارعين، الذين يكابدون ويلات العمل تحت أشعة الشمس الحارقة، ومعها تصبح فوائدهم غير مجدية”، ويدعو الجهات ذات العلاقة إلى النظر في تلك المعاناة، والعمل على تخفيفها، من أجل استمرار القطاع الزراعي في العمل.

ويؤكد الخبير الزراعي السميطي أن تلك الصعوبات ذات تأثير كبير على قيمة المحصول، وتراجع تداوله في السوق المحلّي، لا سيما مع وجود الحبوب الخارجي الذي طغى على الأسواق المحلية، وتراجع تداول الحبوب المحلية مما يكبّد المزارعين خسائر فادحة، مشدّدا على ضرورة الاهتمام بالقطاع الزراعي ودعم المزارعين.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :