تمكّنت مبادرة تعاونية بمحافظة تعز، من تشييد “جسر” يقع على طريق رئيسية، ويربط بين ثلاث محافظات، بعد سنوات من المعاناة والخسائر المادية والبشرية التي تعرض لها سكّان تلك المناطق نتيجة الأمطار والسيول التي أودت بحياة العشرات.
ويربط جسر نخلة بين ثلاث محافظات هي: تعز، إب، والحديدة، حيث يستفيد منه أكثر من نصف مليون نسمة من سكان تلك المحافظات، بشكل مباشر وغير مباشر.
في منتصف شهر أغسطس من عام 2013، كان وادي نخلة شاهدا على مأساة إنسانية مؤسفة؛ إذ جرفت السيول موكب عرس بأكمله، ما أدى إلى وفاة 27 شخصا من أسرة واحدة، معظمهم من النساء والأطفال.
هذه الحادثة، وإن كانت هي الأكبر تكلفة من جهة الخسائر البشرية، واحدة من كثير من المآسي التي تخلفها السيول في مواسم الأمطار نتيجة لغياب الإنشاءات الضرورية من جسور وعبارات وأنفاق وتصريفات مياه ونظام إنذار مبكر في الوادي.
الدافع للمبادرة
هذه المآسي المستمرة دفعت الأهالي في المنطقة إلى إطلاق مبادرة مجتمعية لتشييد جسر “نخلة” لتجنب تكرار خسائر الأرواح والممتلكات، بحسب غسان أبو عدي أحد أهالي المنطقة، في حديثه لمنصة “ريف اليمن”.
ويعد الجسر واحد ضمن المئات من المبادرات والمشاريع الخدمية التي موّلتها ونفذتها مبادرات مجتمعية بمختلف مناطق الريف اليمني خلال سنوات الحرب، ومثلت تلك المبادرات شاهدًا على تماسك المجتمع اليمني، ومؤشرًا يبعث على التفاؤل بإمكانية تجاوزه مأزق الحرب.
يقول أبو عدي في حديثه لريف اليمن: “على الرغم من أن معاناتنا جراء غياب الجسر ليست جديدة، انتظرنا تدخل الحكومات المتعاقبة لإنجازه منذ تشييد الطريق الإسفلتي في تسعينيات القرن الماضي دون فائدة”، ويضيف: “عندما لمسنا مؤخرا قدرتنا كمجتمع على حلحلة مشاكلنا الخدمية المتعثرة من خلال النجاحات التي حققتها المبادرات المجتمعية التي انطلقت في مناطق مختلفة، تداعى الأهالي والتجار والمغتربون إلى إطلاق حملة لتشيد الجسر بمجهود ذاتي عام 2021”.
ونُفذت المرحلة الأولى من المشروع المتمثلة بالأعمال الخرسانية من قواعد وركائز ومجنحات، والتكلفة النهائية بحسب التصاميم الهندسية وجداول الكميات والإنشائية، 460 مليون ريال، ما يعادل 855 ألف دولار أمريكي، بحسب المدير التنفيذي للمشروع المهندس أحمد القحطاني.
تفاصيل الجسر
بحسب المهندس القحطاني، يبلغ الطول الإجمالي للجسر 194 مترا، بعرض 10.76م، وارتفاع فتحة الجسر لمرور الماء 5.5م، وبعرض 13م، مؤكدا أن التصاميم راعت المعايير الهندسية المتعارف عليها عالميا، بما في ذلك إضافة “البرنجات الأفقية” التي تعمل على امتصاص الصدمات الناتجة عن الأثقال والقوى الأفقية الناتجة من حركة المركبات فوق الجسر وقوى الزلازل، كما تضمنت أعمال التنفيذ وجود جدران حماية وموجهة للسيل وجدران مانعة، ورصف أرضية السائلة بالكتل الصخرية مع الخرسانة بطول 30 مترا وعرض 13 مترا.
بالنسبة للتحديات يؤكد القحطاني “الإمكانيات المادية من العوائق التي واجهتنا، لإعتمادنا بالمشروع على تمويل المواطنين والتجار والمغتربين، واقتصرت مشاركة السلطات المحلية على مبلغ 100 مليون ريال يمني، سُلم نصفها، والنصف الأخر ما زلنا ننتظر ونأمل تسلّمه بأقرب وقت”.
ويضيف: “حاليا نقوم بالأعمال في قاع السائلة وقبل حلول موسم الأمطار القادم، ونأمل أن ننتهي من صبّ الجيردرات والسطح وبلاطات مقتربات الجسر قبل موسم الأمطار القادم”، متمنيا من جميع أبناء المناطق المستفيدة من هذا المشروع أن يبادروا بالمساهمات السخية قبل حلول موسم الأمطار.
نتيجة لشحّة الإمكانيات، كان العمل بالمشروع قد توقف لعدة أشهر، ثم عاود استئنافه من جديد مطلع شهر يناير الماضي، بفضل حملة تبرعات أطلقها الطفل المبدع في مجال الإعلام وصناعة المحتوى محمد فواز العامر (12 عامًا)، وتمكنت الحملة من جمع مبلغ يزيد عن 100 ألف ريال سعودي في يومين.
يتحدث الطفل العامر لمنصة “ريف اليمن” عن تفاعل الناس مع الحملة قائلاَ: “المشروع بالنسبة للأهالي يعد حلما طال انتظاره وكان قاب قوسين من التعثر، وبدأ الناس يشعرون بخيبة الأمل، فقررت استثمار مساحة تواصلي مع جمهوري على منصات التواصل الاجتماعي لخدمة المشروع”.
ويضيف: “دعوت الناس للتبرع بمنشورات ومواد إعلامية تظهر أهمية إنشاء الجسر وتبرز الجهود التي بذلت، وسرعان ما هبّ الجميع من محبي الخير، وجمعنا مئة وخمسة آلاف وسبعمائة ريال سعودي”.
إنقاذ المشروع
يعود الفضل لحملة التبرعات التي أطلقها بإنقاذ المشروع ودفع عجلته إلى الأمام، للطفل “العامر” والذي يعد نموذج يعكس الروح الإيجابية التي يتميز بها الموهوبين والناشطين المجتمعيين اليمنيين، الذين سخّروا قدراتهم، لخدمة المبادرات المجتمعية التي تشكلت في مناطقهم النائية، وكان لهم دور كبير في إنجاحها وإظهارها لتكون مصدر إلهام.
الصحفي والناشط المجتمعي، محمد زياد، أشاد بالمبادرة، وأكد في حديثه لمنصة ريف اليمن أن “المبادرات المجتمعية التي شهدتها مناطق الريف اليمني في سنوات الحرب، تمكّنت من خلق حراك قائم على الشعور بالمسؤولية المجتمعية لدى المواطنين ومنطلق من حاجاتهم الخدمية الماسة”.
وقال أيضا: “إن المشاركة بالمبادرات واجب الجميع سواء الجانب الرسمي أم المجتمع من تجار وناشطين ومؤثرين، وعليهم أن يتجاوزا الخلافات التي يفرزها الصراع والحرب، ويلتفوا حول ذلك الحراك ويدعموه ماديا ومعنويا، ويذللوا الصعوبات أمامه، ويرفعوا مستوى الوعي الشعبي بأهمية المشاركة الإيجابية فيه، ويوصلوا الصورة الإيجابية التي ترسمها الجهود الجبارة للأهالي للعالم”.
ويختم حديثه بالإشارة إلى أن “الخروج من مأزق الحرب وإعادة دفع عجلة التنمية لن يتحقق إلا بتظافر كل الجهود ابتداءً بوعي الفرد مرورا بدور المجتمع وانتهاءً بواجب الدولة ومسؤوليتها تجاه التنمية الشاملة بمختلف الجوانب وعلى المستويات كافة”.