ما هو العطيف في اليمن

ما هو العطيف في اليمن

“العطيف” وفق التداولُ الشفاهي، في الثقافةِ الشعبيةِ اليمنية، هو اسم يطلق على الفأسِ الذي تُقطعُ به أغصانُ الشجر؛ فهو: «أصغرُ الفؤوسِ وأحدُّها، يُتخذ لِقَطْعِ الأشجار الصغيرة، وفروعِ الأشجارِ الكبيرة في التشذيب والاحتطاب ونحوهما. ويُتخذ العَطِيْف سلاحًا أيضًا. وجمعُه: عِطْوَف على وزن فعْوَل صيغة الجمع اليمنية للأسماء التي على وزن فعيل».

لا تظهرُ علاقةٌ دلاليةٌ محكيةٌ مباشرةٌ، بين تسميةِ (العَطِيْف)، وبين وظيفته؛ كَوْنَ وظيفته هي قَطْعُ الشيء، بينما دلالةُ اسمه أكثرُ ارتباطًا بسياقاتِ المحكيةِ الدالةِ على عَطْفِ الشيء، وثنيه. أمّا العلاقةُ غيرُ المباشرةِ، فتظهر – بما لها من واقعيةٍ عمليةٍ – متشكِّلةً من الخيوطِ الدلاليةِ، التي تربط اسم (العَطِيْف) بوظيفته، والتي تتضمّنها حالُ (العَطِيْف) الحركيةُ لحظةَ العملِ به؛ حيثُ تُوَّجهُ ضرباتُه المتواليةُ إلى فرعِ الشجرةِ المراد قطعُه، فيبدأ بفقدانِ استقامتهِ مع الضرباتِ الأولى، ثم يميلُ بمستوىً متناسبٍ مع مقدارِ الأثرِ الذي تتْرُكُهُ عليهِ كل ضربة، ويتزايدُ ميْلُهُ، حتى ينحني، إلى أن يصير انحناؤه انعطافًا، حتى ينقطع عن أصلهِ في الشجرة، بآخرِ ضربةٍ من الضربات التالية.

لقد كان لوظيفةِ (العطيف) ـ الرئيسةِ والثانويةِ ـ دورٌ فاعلٌ، في تسْمِيَّتِهِ بهذه التسمية. وهو ما يقتضي التَّطَرُّقَ إلى ماهيةِ هاتينِ الوظيفتين، فالأولى منهما مُطردةٌ في العمل بـ (العطيف) على قطْعِ الأغصانِ، من شجرةِ السدر الخضراء غذاءً للأغنام؛ فُيلازم – بذلك- الرعاةَ ذكورًا وإناثًا، ويغلب أن يكون الرجلُ هو مَنْ يتولّى العملَ به؛ كونهُ قادرًا على إنجازِ هذا العملِ بما فيهِ من مشقةٍ، إذ لا مناصَ من الصعودِ إلى منتصفِ شجرةِ السدرِ وأجزائها العليا، للظفرِ بكومةٍ خضراءَ، مِن الأغصان الشائكة.

أمّا المرأةُ فقلّما تضطلعُ بهذا العمل، لكنها – في كل الأحوال – لا تتخلّى عن (العَطيْف)؛ فهي تستخدمهُ في تَجْزِئةِ الكُتَلِ الشوكيّة للأغصانِ المتساقطةِ من أعلى شجرةِ السدرِ، حيث يكونُ هناك الرجل ـ غالبًا ما يكون واحدًا من أقاربها ـ منهمكًا في العملِ بـ(بِعَطِيفه) على قطع الفروع، وإسقاطِها إلى ساحةِ الرعي، في محيط الشجرة.

أمّا وظيفةُ (العَطِيْف) الثانوية، فكامنةٌ في توظيفهِ سلاحًا لصاحبه، ويتضحُ أنّ وظيفته – هذه – مرتبطةٌ بِمَنْ يَسْتَخْدِمُهُ في وظيفتهِ الرئيسة – قطْع أغصان السدر – فالرعاةُ هم مَنْ يَتَّسِقُ معهم التّسَلُّحِ به، وبوضعيتهِ تلك التي يكون فيها على أكتافهم، بما تمنحُهُ لديهم مِن المكانةِ ذاتها، التي يحظى بها أيُّ نوعٍ آخر من السلاحِ لدى صاحبه.

حدادةُ العَطِيْف وصناعته

يُصْنعُ (العَطيْف) من قطعةٍ حديديةٍ، على يدِ حدَّادٍ ماهرٍ، يضعُها على النارِ المُعَدّةِ لهذا الأمر، حتى تبدأ في فقدانِ صلابتِها وتلينُ نسبيًّا، حيث تكون قد احْمرّتْ من شدّة الحرارة، حينها يقومُ شخصان بالضربِ عليها بِزُبْرَتِيْ حديدٍ، وبتناوبٍ متسارعٍ فيما بينهما، حتى يَتَشَكَّل منها ما يُشْبِهُ مثلثًا صغيرًا غيرَ متساوي الأضلاع، ينتهي ضلعُهُ الأسفلُ بحَدٍّ رفيعٍ، وتستوي على رأسهِ حَلَقةٌ حديديةٌ سميكة، تَصْطَلِح عليها المحكيةُ اليمنيةُ بـ (الصُّمَة)، فـ «الصُّمة ـ بضم ففتح خفيف آخره علامةُ تأنيث . هي: الحلقة الحديدية التي تُثَبَّتُ فيها الذراعُ الخشبيةُ للمعول، [والفأس].  والصُّمَة كلمةٌ ثنائيةٌ لأن الضمة والفتحة على حرفيها الأصليين خفيفتان، أما التاء المربوطة فعلامة تأنيث، فهي مثل: حُمَة وضُبَة.. إلخ ولا بدّ من تقديرِ حرفٍ ثالثٍ لها محذوفٍ من آخرها، وقد قدّرتُهُ5 واوًا لمكانِ الضمة في أوله».

وتُمَثِّلُ حدادةُ «العِطْوَف»، واحدةً من أهمّ الحرفِ التقليديةِ في اليمن، التي لم ينلْ منها الزمنُ، ولا طفراتُ التقدم والحداثة؛ لارتباطها بخصائصِ البيئةِ اليمنيةِ الريفيّةِ القائمةِ – بشكلٍ رئيسٍ – على الزراعةِ والرعي.

“عصا العطيف” التي يتم تثبيتُها في حلقةِ (العَطِيْف) الحديدية، بـ (العَلْجْ)، وعلى مصطلحِ عمليةِ تثبيتها بـ (التَعْلِيْج)؛ فالعَلْجُ “هو: اليد أو الذراعُ الخشبيةُ لأية أداةٍ من الأدواتِ الحديديةِ كالمِعولِ والفأسِ والمجرفةِ والزبرة” وعصا (العَطِيْف) ـ هذه ـ إلى استحسانِ أن تكون طويلةً نسبيًا، يُفضّلُ أن تكون من شجرةٍ خاصةٍ بهذا النوع من العصي؛ لما لها من مِيزاتٍ متناسبةٍ مع خصائص العملِ بـ (العطيف)، حيث يمرّ تجهيزُ العصا وتثبيتُها، بخطواتٍ عدة.

تبدأ بقطع الغصنِ وتشذيبهِ على هيئة عصا، ثم تمريرُ هذه العصا في نارٍ مشتعلةٍ، تمريرًا محسوبًا، وبما لا يؤدي إلى اشتعالها. ثم تُتركُ أيّامًا، بعدها يأتي نَزْعُ لحاها، ومِنْ ثمّ تثبيتُها في تلك الحلقةِ الحديدية، مِنْ طرفِها الذي كان يربطُها بأصلِها في الشجرة؛ فهو الأكثرُ سماكةً من طرفِها الآخرِ المتناسبِ مع أن يكون مقبضًا ليدِ صاحبه. وفي عمليةِ التثبيتِ – هذه – لابدّ مِنْ دَقِّ بضعةِ مسامير صغيرة مِن الأعلى، ما بين رأس العصا والحلقة الحديدية؛ ليكتملَ إعدادُ (العَطِيْف) وإدخالُهُ طَوْرَ الجاهزيةِ للعمل.

فَتْق العَطِيْف

إنّ محافظةَ (العَطيْف) على صلاحيتهِ وجاهزيتهِ مرتبطةٌ بالحفاظِ على سلامةِ حدِّهِ من الأثلام، الناتجةِ عن أحوالِ استخدامه، سيما تلك الأحوال التي تترتبُ عليها أضرارٌ وأثلامٌ مباشرةٌ، والتي عادةً ما تكونُ نتيجةً للضربِ بحدّهِ فروعًا قاسيةً أو جذوعًا يابسةً متقادمةً، أو أن يقع الضربُ به على حجرٍ بشكلٍ مفاجئٍ أو عبثي.

وتُحَدِّدُ الأثلامُ ومستوياتُها الطريقةَ المناسبةَ لإصلاحها؛ ففي حالِ كانت الأثلامُ صغيرةً، فإنّ الطريقةَ المناسبةَ لإصلاحِها هي الطريقةُ العادية، والتي يقوم فيها الشخصُ نفسه بتجديدِ حدِّ (عَطِيْفه)، إمّا باستخدامِ أداة (المَبْرِد) الخاصةِ بذلك، وإمّا باستخدامِ حجرٍ أملس يؤدي الغايةَ ذاتها، وإنْ في مستوىً أدنى من استخدامِ (المبرد).

أمّا في حالِ كانت الأثلامُ كبيرةً، ومستواها بالغًا في التأثيرِ على صلاحيةِ (العَطِيْف)، فإنّ الطريقةَ الثانيةَ هي الأنسب، والتي يتولّى فيها الحَدَّادُ تجديدَ الحدِّ المُثَلَّم. وقد اصْطَلَحَتْ المحكيةُ اليمنيةُ على هذه الطريقةِ، بعمليةِ (الفَتْق)، وهي عمليةٌ مرتبطةٌ بالأسلحةِ الحادّةِ والأدواتِ الحديدية؛ سواءٌ بِطَرْقِها أو تجديدِ حدَّها بالطَّرْقِ عند الحَدّاد، «يُقال: فَتَقَ فلان السيف أو الخنجر أو الفأس عند الحداد يفتقه فَتْقًا فهو مَفْتُوق، أي: حدَّهُ وأرهفه بالطَّرق».

العطيف في المقولات الشفهية

يتردّد (العَطِيْف) في عددٍ من المقولاتِ الشفاهيةِ الشعبيةِ المتداولةِ في اليمن وتنطوي هذه المقولاتُ على دلالاتٍ متعددةٍ، منها: التحذيرية، والتهديدية، مثلا «هِدْ بْسَيْفَكْ، وْلَا بْعَطِيْفَكْ» وتعني هذه المقولةُ التحذيرية: إنّ تهديدَكَ بـ (سَيْفَك) أهونُ مِنْ تهديدِكَ بـ (عَطِيْفَك)، وأيضاً «شِقَعْ لكْ بعلج العطيف» و«شِقَعْ لَكْ بالصمة»  التحذيرُ من التهديد بـ (العطيف)، في المقولةِ السابقةِ خاصًا بوضعيةٍ معينةٍ من وضعياته لحظةَ التهديد به، وهي الوضعيةُ التي يكون فيها حدّه باتجاه الشخص المُهَدَّد. أما في غير هذه الوضعية، فهناك مساحةٌ ممكنةٌ للتهديد به، ضمن مقاماتِ الكلامِ وسياقاتهِ الاجتماعية، وهو ما استقامت عليه إحالاتُ هاتين الجملتين، اللتين تظهر فيهما خصائصُ المحكيةِ اليمنية، كاستخدامِ (الشين المكسورة) للدلالةِ على المستقبل، في (شِقَعْ)، بمعنى: (سوف يقع).

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: