يشعر المزارع محمد ناجي (٦٦ عاما) بالارتياح هذه الأيام بعد حصاده تعب موسمه الزراعي بمحصول وفير يؤمن احتياجاته الغذائية لمدة ستة أشهر، على غرار الآلاف من المزارعين الذين ينشغلون بموسم الحصاد في المناطق الريفية والتي تمثل الزراعة أكبر مصدر دخل سكانها.
ويبدأ موسم الحصاد في شهر أكتوبر، حيث يتسابق المزارعون في المناطق الريفية في جني الحبوب المتنوعة (الذرة البيضاء، والذرة الشامية، والقمح) من الوديان، والحقول بعد مرور أكثر من ستة أشهر من العمل تحت أشعة الشمس الحارقة، لتأمين الغذاء لأفراد عائلاتهم، في ظل ظروف صعبة جراء الحرب وتداعياتها المختلفة وتأثير التغيرات المناخية.
ويعتمد غالبية السكان في هذه المناطق على الزراعة بدرجة أساسية، إذ يشكل العاملون فيها الشريحة الأوسع في البلاد بالنظر إلى أن هذا القطاع يحتل المرتبة الأولى في استيعاب العمالة بنسبة ٥٤ في المائة، ويعد أحد أهم دعائم ومرتكزات الاقتصاد الوطني؛ مع مساهمته بحوالي (13.7%) من إجمالي الناتج المحلي، بحسب بيانات المركز الوطني للمعلومات وهو أعلى هيئة معلومات رسمية.
أيام الخير
يسمّي المزارعون موسم الحصاد ب”أيام الخير” والذي يختم عملهم الشاق في مزارعهم طوال الموسم الزراعي الذي يبدأ في أبريل، وبعد ستة أشهر من التعب والصبر، يأتي وقت جني المحصول أملاً في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء حتى عودة الموسم الزراعي في العام القادم.
تمر مرحلة الحصاد بحسب المزارع ناجي وهو من مديرية السياني بمحافظة إب، بعدة مراحل تبدأ “مع نضوج الثمار يتم جمعها ووضعها داخل أكياس، ونقلها من المزروعة إلى سطح المنزل تمهيدا لتصفية الحبوب منها، ومن ثم العودة بها إلى سطح المنزل كي يتم تجفيفها ووضعها بعد ذلك داخل مخازن مخصصة” وتنتهي بمرحلة “الطحن وصناعة الغذاء”.
وبفرحة غامرة يتحدث لـ” منصة ريف اليمن” عن حصاد هذا العام “لقد كان هذا الموسم أفضل من الأعوام الماضية، حيث جنيت محصولا أكبر يوفر احتياجات الغذاء لأسرتي لمدة ستة أشهر”.
ويتابع قائلا :”جنيت نحو 400 كيلوغراماً من الذرة البيضاء وثمنها في السوق المحلية ١٥٠ ألف ريال يمني (٣٠٠ دولار)، و200 كيلوغراماً من الذرة الشامية وسعرها في السوق ١٠٠ ألف ريال يمني (٢٠٠ دولار) بحسب سعر الصرف بالعاصمة صنعاء، بالإضافة إلى البقوليات”.
وعلى غرار ناجي، تمكنت فاطمة غالب( 60 سنةً) من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب المتنوعة لمدة عام كامل، حسبما قالت لـ” منصة ريف اليمن“.
تقوم فاطمة وهي من منطقة جبلة بمحافظة إب، بدور المسؤول عن توفير احتياجات أسرتها بعد وفاة زوجها، وذلك من خلال العمل في مزارعها طوال الموسم الشاق الذي لا يذهب مشقته إلا تحقيق محصول وفير وقد تحقق لها ذلك هذا العام “جهدنا أتى ثماره والحمد لله”، تضيف المرأة.
تحديات زراعية
وتختلف مكاسب المزارعين من منطقة لأخرى تبعا لعدة عوامل منها تأثير التغيرات المناخية التي أدت إلى جفاف في بعض المناطق كما يروي ذلك المزارع حمود غانم من محافظة إب على الرغم من أنها معروفة بطبيعتها الخضراء و من أكثر المحافظات استقبالا للأمطار.
يعتمد المزارع حمود غانم( 58 سنةً)، على الزراعة في تأمين الغذاء لأفراد عائلته فهو يمتلك مزرعة تبلغ مساحتها مايقارب 500متر مربع تقع في منطقة جبلة في محافظة إب( وسط اليمن).
يقول غانم لـ “منصة ريف اليمن“، “تراجعت كميات المحاصيل الزراعية خلال السنوات الماضية خاصةً في الموسم الزراعي ٢٠٢٢ إثر موجة الجفاف الشديد التي بدورها أدت إلى تراجع محصوله إلى أقل من النصف، وهي حسب قوله لم تكفي أسرته سوى لنحو أربعة أشهر فقط”.
وبجانب تغيرات المناخ، توجد تحديات أخرى لا تزال تمثل تحديا للمزارعين منها الأزمات المتتالية في المشتقات النفطية، وارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات الزراعية وجميع هذه العوامل أثرت على الإنتاج ودخل سكان الريف.
ووفقاً لوزارة الزراعة والري التابعة للحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء، فإن “إجمالي أضرار وخسائر القطاع الزراعي المباشرة في اليمن منذ بداية الحرب إلى أيلول/ سبتمبر 2022، بلغت قرابة 7.5 مليارات دولار، في حين تجاوزت كلفة الأضرار والخسائر غير المباشرة في هذا القطاع 103 مليارات دولار”.
ويلخص الخبير الاقتصادي اليمني رشيد الحداد، التحديات أمام المزارعين في “ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي نتيجة ارتفاع أسعار الوقود وكذلك الأسمدة والمبيدات المختلفة، بالإضافة انتشار الآفات الزراعية وغياب التوعية الإرشادية، وتراجع منسوب الأمطار الموسمية نتيجة التغيرات المناخية”.
ويؤكد في حديثه لمنصة “ريف اليمن” أن “المزارع بحاجة ماسة إلى دعم معنوي من خلال التشجيع والتحفيز ودعم مادي يتمثل بالقروض البيضاء والبذور ومدخلات الإنتاج الحديثة التي تقلل تكلفة الإنتاج بما يسهم في رفع معدل الإنتاجية بأقل كلفة”.
وتابع “المزارع اليمني يحتاج توجيه وإرشاد ويحتاج الوضع خلق خطط زراعية قصيرة المدى تواكب المتغيرات بما يكفل التوظيف الأمثل لمواسم الأمطار”، وينهي حديثه بالتأكيد أن اليمن بأمس الحاجة إلى استراتيجية وطنية مدروسة لرفع معدلات الإنتاج الوطني من الحبوب المتنوعة لتحقيق الاكتفاء على المستوى المتوسط”.