تحولت شجرة السيسبان (السول) إلى كابوس على المزارعين في اودية تهامة غربي اليمن، حيث من الصعوبة التخلص منها رغم أنها تستنزف المياه وتعد عائق كبير أمام استصلاح الأراضي وزراعتها، وينظر لها المزارعين أنها آفة تستهدف النباتات وتغتصب الأراضي الخصبة.
يشتكي المزارع احمد البكري (55 عاماً) بمديرية التحيتا محافظة الحديدة من عدم قدرته على إصلاح أرضة لإعادة زراعتها بعد أن أجبرته الحرب خلال السنوات الماضية على التوقف عن الزراعة، مما جعل شجرة السيسبان تنشر بكافة آراضيه التي كانت تزرع كثير من المحاصيل.
وقال في حديث لمنصة “ريف اليمن”، “انتشار شجرةالسيسبان في مساحة تقدر بـ 10 معاد (المعاد = 4,400 متر مربع أو 100 لبنة صنعاني) من الأراضي التي أزرعها والبالغة 15 معاد تقريبا، وعدم قدرته على استعادتها كما كانت قبل نزوحه من المنطقة بسبب الاشتباكات التي اندلعت فيها خلال 2018 بشكل مكثف”.
وقال البكري، أنه يحتاج لبذل لكثير من الجهد والمال والمعدات الزراعية الحديثة لاجتثاث شجرة السيسبان واستعادة الأراضي الزراعية كما كانت في السابق، وقدر تكلفة إعادة إصلاحها من جديد بمبلغ 40 مليون ريال يمني (الدولار 530) وهو ما يعجز عنه كغيره من المزارعين.
يواجه المزارع التهامي سلسلة من التحديات الطبيعية منها والاقتصادية في سبيل توفير احتياجاته الاساسية ومتطلبات الحياة الضرورية في بلد يعيش ثلثي سكانه (21 مليون نسمة) بحاجة إلى مساعدات إنسانية وفق تقديرات أممية، بسبب الحرب المستمرة في البلاد للعام التاسع على التوالي.
شجرة السيسبان
وتنتمي شجرة السيسبان (السول) الى فصيلة الكاسيا وتصنف ضمن الاشجار الشوكية المقاومة للتصحر والجفاف حيث تم استيرادها إلى اليمن من قبل وزارة الزراعة بهدف الحفاظ على الأراضي الزراعية من الرمال المتحركة “التصحر” عام 1994، حيث أن موطنها الأساسي أمريكا الجنوبية وتحديداً المكسيك.
وتتواجد شجرة السيسبان كثيفة الأشواك في الأودية أو الأراضي المتصحّرة، وهي مخضرة طوال العام، وهذا يكشف عن مدى قدرتها هذه الشجرة على العيش في البيئة الجافة والصحراء، ورغم أن جلبها كان مكافحة زحف الرمال نحو الأراضي الزراعية، إلا أن جذورها تنمو بمعدل كبير ومتعمق للوصول للماء في أعماق التربة، خصوصاً إن كان منسوب الماء الجوفي قريباً، وبسبب تكيفها مع ظروف الجفاف انتشرت بكثرة.
وتمثل شجرة السيسبان او كما يطلق عليها المزارعون في الساحل التهامي بالشجرة “الخبيثة” تهديدا للأراضي الزراعية الخصبة والمراعي والوديان فيما تعاني الحيوانات كالأغنام وغيرها من اشواكها الجارحة التي تتسبب في إعاقة الحيوان المصاب لفترات طويلة، ومثلت شجرة السيسبان المنتشرة على طول الشريط الساحلي والوديان التهامية عائقا يعجز المزارع التهامي على حل مشكلاتها المتزايدة يوما بعد يوم.
واجتاحت شجرة السيسبان مناطق زراعية واسعة في مختلف المحافظات اليمنية وأبرزها: – أبين وحضرموت، والحديدة، وحجة، وتعز، نتيجة لتكاثرها وسرعة انتشارها وصعوبة اجتثاثها، ونتيجة لغياب دور السلطات في البلاد انتشرت بشكل كبير في الساحل التهامي وغيرها فيما عجز المزارعون عن مكافحتها.
ويرى مختصون سبب تكاثر شجرة السيسبان الى تدفق السيول عبر الوديان التهامية والثروة الحيوانية والطيور الناقلة لبذورها من مناطق زرعت فيها لمكافحة التصحر الى مناطق لم تكن مستهدفة اضافة الى قوة الشجرة على التأقلم مع البيئات المختلفة ومقاومتها للجفاف ونموها في درجات حرارة مرتفعة وصعوبة اجتثاثها من قبل المزارعين بإمكانياتهم وادواتهم التقليدية.
وارجع الناشط البيئي شوقي البحري “السبب في انتشار شجرة السول خلال السنوات الماضية، الى الأزمات غلاء المعيشة، ومنها غلاء المشتقات النفطية وانعدامها لأشهر طويلة، وعدم قدرة المزارعين على توفير الأدوات الزراعية الحديثة القادرة على اجتثاث الشجرة والاستفادة من احطابها”.
ورغم الإجماع حول اضرار شجرة السيسبان على الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية الى ان المزارعة “فاتنة محمد” تجني منها فوائد، وقالت انها توفر لها كمية كبيرة من الحطب، وتستخدم ثمرتها بعد طحنها بكميات قليلة للمواشي، وتستخرج منها علاج الأغنام من مرض “الجرب” الذي تصاب به.
وتعمل “فاتنة” مع مجموعة من النساء المزارعات في مناطق تهامة على تحطيب كميات كبيره من شجرة السيسبان وتحويلها الى فحم ومن ثم بيعها، ويعد هذا أحد أهم مصادر الدخل لها مع كثير من الاسر الفقيرة. على حد قولها.
تهديد للمياه الجوفية
تتبع شجرة السيسبان فصيلة البقوليات حيث يتراوح طول اغصانها الشوكية الممتد بشكل أفقي ما يزيد عن 10 أمتار فيما يصل جذورها مايزيد عن 40 متر تحت الارض ما يجعلها تشكل خطرا على المياه الجوفية وخاصة تلك التي منسوبها قريب لسطح الأرض، وهذا خطر أكبر بالنسبة لليمنيين.
ووفقا لتقرير الأمم المتحدة حول تنمية الموارد المائية لعام 2022م فإن اليمن واحدة من أكثر الدول التي تعاني من ندرة المياه الجوفية في العالم في إشارة الى ان نضوب المياه الجوفية يشكل أبرز التهديدات للأمن المائي والغذائي في اليمن.
وفي كثير من المناطق اليمنية يتم استخراج المياه بطرق عشوائية غير قانونية مما يؤدي الى استنزاف المياه الجوفية اضعاف نسبة التغذية الامر الذي يجعل اليمن في حال الاستمرار بهذي الوتيرة عرضة للجفاف خلال عقدين فقط وفقا للتقارير المحلية والدولية.
وقال المهندس الجيولوجي والمهتم بالمياه الجوفية في اليمن محمد الوصابي “ان الوضع مزري في اليمن نتيجة لعدة عوامل منها شجرة السول بسبب جذورها الممتدة الى المياه الجوفية في المناطق المحاذية للجبال بشكل خاصة”.
وأضاف في حديث لمنصة “ريف اليمن”، “أن المياه السطحية في المناطق المحاذية للجبال كمتوسط من 30 الى 45 متر ما يعني ان الشجرة قادرة على امتصاص كميات كبيرة من المياه متجاوزة الطبقة الحماية “المياه المالحة” التي تتواجد في بعض المناطق المحاذية للجبال على عمق 13 الى 15 متر”.
تهميش ممنهج
وتعاني مناطق تهامة في اليمن من التهميش من قبل السلطات الرسمية ولم تلقى اهتمام كافي رغم أنها إحدى اهم الموارد في اليمن، ويعد ميناء الحديدة الاستراتيجي أهم المنافذ البحرية التي تدخل إيرادات هائلة، لكن المحافظة ومزارعيها لا يستفيدون من تلك الإيرادات لتنمية مناطقهم ومساعدتهم.
وقال مسؤول حكومي في الهيئة العامة لتطوير تهامة (حكومية)، “إن الساحل الغربي يعاني من التهميش الممنهج من قبل الحكومات المتعاقبة رغم أهميتها حيث تنتج مايزيد عن 25% من الإنتاج المحلي سنوياً، بالإضافة إلا انها مورد اقتصادي مهم حتى مع استمرار الحرب”.
وفيما يخص شجرة السيسبان يرى المسؤول -الذي طلب عدم ذكر اسمه – “انها واحدة من المشاكل التي تواجه المزارع التهامي وربما تشكل خطورة على الأراضي، لكن المشكلة الأكبر ربما غياب المعدات الزراعية وارتفاع أسعار المشتقات النفطية وقلة الآبار الارتوازية التي تساعد في زيادة الإنتاج اضافة الى الاسعار المتدنية للمنتجات المحلية بسبب المستوردة”.
وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة في محافظة الحديدة 251.098 هكتار تتوزع في زراعة الحبوب والخضروات والفواكه والبقوليات والاعلاف فيما تبقى اضعاف المساحة عرضة للتصحر وشجرة السول وغيرها.
وتمثل تهامة بشكل عام المخزن الغذائي لليمن اذ تشير الاحصائيات الصادرة عن وزارة الزراعة، ان عدد الماعز أكثر من 730 ألف راسا فيما تزيد عن مليون راسا من الأغنام فيما تعد تهامة شريان الحياة بالنسبة للمواطن اليمني على مر التاريخ القديم.