يواجه النازحون في مخيم “السمياء” بمنطقة الوادي جنوب مدينة مأرب (شمال شرقي اليمن) موجة صقيع غير مسبوقة، ناتجة عن المناخ الصحراوي شديد البرودة؛ حيث تتراجع درجة الحرارة إلى ما دون الصفر؛ في وقت يفتقر سكان المخيم لوسائل تدفئة تقيهم الصقيع.
المخيم الذي تقطنه “1740” أسرة نازحة من محافظات “الحديدة وعمران والجوف” يقع في منطقة مفتوحة خالية من المباني العمرانية، ما يجعل البرد أشد قسوة، خصوصا على الأطفال والنساء، وهم الفئة الأكثر تعرضا للأمراض الناتجة عن موجات الصقيع.
وتعجز المساكن المؤقتة التي يقطنها النازحون عن مواجهة الظروف الجوية القاسية التي يفرضها الشتاء، ما يجعل الأطفال والمسنين والمرضى عرضة لمضاعفات صحية خطيرة جراء البرد القارس، تصل أحيانا إلى الوفاة.
ومنذ منتصف نوفمبر الماضي تشهد محافظة مأرب موجة برد شديدة ازدادت شدتها خلال النصف الأخير من شهر ديسمبر 2024، وما زالت مستمرة الى اليوم، الأمر الذي ضاعف معاناة الأسر النازحة، خصوصا تلك التي تقع في مديرية الوادي (ريف محافظة مأرب).
مواضيع مقترحة
تعز.. برد الشتاء يعمق مآسي نازحي مخيم الرحبة
الإنترنت في الريف: خدمة متقطعة أو خارج التغطية
قصة هائل في ذمار: نازح متشرد ينجح بتحقيق ثروة زراعية
وسائل تدفئة بدائية خطرة
لمواجهة ذلك، لجأت الكثير من الأسر في المخيم إلى وسائل تدفئة بدائية وغير آمنة؛ الأمر الذي ضاعف الخطر على السكان؛ حيث يعتمدون على إشعال النيران بالقرب من الخيام لمواجهة البرد، وهو ما يتسبب في اندلاع حرائق وحالات اختناق في المخيم.
يؤكد “مبارك بيحان” مسؤول مخيم “السمياء” أن النازحين في المخيم لا يمتلكون أي وسائل لمقاومة شدة الصقيع سوى الوسائل البدائية -رغم خطورتها- مثل التدفئة من خلال إحراق الخشب والتي تؤدي أحيانا الى اشتعال النيران في الخيام.
وفي حديثه لـ”منصة ريف اليمن” تمنى بيحان الحصول على وسائل تدفئة مضمونة السلامة تعمل بواسطة الكهرباء، لكن هذا حلم بعيد المنال على أسرة تبحث عن قوتها اليومي بشق الأنفس.
من جانبه يؤكد “محمد” (36عاما)، وهو نازح من محافظة الحديدة، أن الأسر النازحة في المخيم تعاني من البرد وشدته، ومن غياب التدخلات المعهودة من المنظمات والمؤسسات الفاعلة في المخيمات.
يقول محمد لمنصة ريف اليمن: “مع دخول فصل الشتاء كانت المنظمات والمؤسسات تقدم البطانيات، والجاكتات الثقيلة للأطفال، ووسائل التدفئة لكل أسرة، لكن هذا العام لا يوجد تدخلات”، وأضاف:” نطالب السلطة المحلية والمنظمات والمؤسسات الخيرية بالنزول إلى المخيم، والاطلاع على احتياجات الأسر النازحة، وإنقاذ حياتها من البرد القارس”.
احتياجات أساسية للنازحين
الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب (حكومية) دعت نهاية ديسمبر 2024 “شركاء العمل الإنساني” إلى تلبية احتياجات الشتاء للأسر النازحة في 208 مخيمات -منها مخيم “السمياء”- وتزويد الأسر بالاحتياجات الأساسية لحمايتها من موجات البرد القارس والصقيع، ومراعاة الأطفال والمسنين.
وأظهر تقرير أصدرته الوحدة التنفيذية (ديسمبر 2024) الاحتياجات الشتوية الضرورية للأسر النازحة في كافة المخيمات بالمحافظة. واستعرض التقرير حجم احتياج المأوى والمواد غير الغذائية للنازحين، بواقع 64 ألفاً و899 مأوى، و64 ألفاً و725 حقيبة شتوية، و64 ألفاً و725 أسرة بحاجة لملابس شتوية، و28 ألفاً و500 دفاية، و7,430 إعادة تأهيل مأوى، و17 ألفاً و355 إصلاحاً وصيانة مأوى.
ونبّه تقرير الاحتياجات الشتوية بأن “الوضع الإنساني في المخيمات يتفاقم نتيجة التأخر الكبير في الاستجابة الإنسانية الشتوية وتراجع المساعدات بشكل ملحوظ، على الرغم من تزايد الاحتياجات”. كما أشار إلى أن التأخر في الاستجابة الإنسانية خلال الأعوام السابقة أدى إلى خسائر بشرية مؤسفة، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفاً، مما يعكس حجم المخاطر التي يتعرض لها النازحون خلال فصل الشتاء.
استجابة غير كافية في مأرب
ورغم المناشدات والدعوات التي تطلقها الوحدة التنفيذية إلا أن تدخل المنظمات الإنسانية خلال الشتاء الماضي كانت “خجولة” بحسب وصف الأسر النازحة في مخيم “السمياء”. كما يقول مدير الوحدة التنفيذية “سيف مثنى” لمنصة ريف اليمن.
وأكد مثنى أن تدخلات المنظمات المحلية والدولية لتلبية احتياجات الأسر في مخيمات النزوح خلال فصل الشتاء الحالي ما تزال دون المستوى المأمول والمتوقع منها، مشددا على ضرورة تلبية الاحتياجات الأساسية لتلك الأسر.
وأشار خلال حديثه لـ “منصة ريف اليمن” إلى تقرير الاحتياجات الشتوية للنازحين، وقيام إدارة الوحدة بتقديمه للمنظمات العاملة في المحافظة، موضحا أن “هناك استجابة لمسناها من عدد من المنظمات لكنها غير كافية”. وجدد دعوته لشركاء العمل الإنساني للتدخل السريع لتلبية احتياجات الأسر النازحة خلال فصل الشتاء في جانب المأوى والغذاء والحقيبة الشتوية.
من جانبه أكد “علي المرقب”، مسؤول الإيواء بالوحدة التنفيذية في مأرب، أن الاستجابة لاحتياجات النازحين خلال فصل الشتاء ما تزال “ضعيفة” خصوصا في جانب الإيواء. وقال المرقب لـ”منصة ريف اليمن” إن “هناك استجابة جيدة من مركز الملك سلمان، حيث قدم حقائب شتوية، لكن بالمجمل الاستجابة إلى الآن ما تزال ضعيفة ولا تلبي 10% من احتياجات النازحين”.
يذكر أن العام 2023 شهد وفاة سبعة أطفال في مخيمات “المعاشير” و”الرملة” و”الخسف”. وبحسب الوحدة التنفيذية فإن الأطفال الذين كانوا يعانون من سوء التغذية والإسهال ضاعف البرد من معاناتهم، وقضى على مناعتهم ما أدى لوفاتهم.