يعيش سكان قرى عزلة النجادة، بمديرية صبر الموادم جنوب مدينة تعز، في ظلّ ظروف حياتية قاسية بسبب غياب الخدمات الأساسية ومقوّمات الحياة، وعلى رأسها الطريق التي تربطهم بالمدينة، والتي تُعتبر شريان الحياة للمنطقة الجبلية، ومنذ سنوات أعلن بدء مشاريع إصلاح الطريق لكنها توقفت.
الطريق التي تمر بالتضاريس الجبلية الوعرة أصبحت تُعرف بـ”طريق الموت”، وذلك لخطورتها وكثرة الحوادث التي شهدتها، ويجد سكان العزلة البالغ عددهم نحو 15 ألف نسمة بحسب التعداد السكاني لعام 2004م، أنفسهم مضطرين لاستخدام هذه الطريق المتهالكة، التي لا تسلكها سوى المركبات ذات الدفع الرباعي في رحلات شاقة محفوفة بالمخاطر.
قرى النجادة والطرقُ متهالكة
يروي باسم سعيد عون، أحد سائقي المركبات، معاناته اليومية لمنصة ريف اليمن بالقول: “الطريق وعرة جدا، نستغرق ثلاث ساعات متواصلة فيها، وفي موسم الأمطار يزداد الأمر سوء بسبب انجراف التربة ما يجعل المركبات أكثر عرضة للسقوط في المنحدرات”.
مواضيع ذات صلة
ذمار: طُرق “عُتمة” شريان الحياة المقطوع
رصف الطرقات.. مبادرات ريفية لإنقاذ الحياة
طريق الشُعوب في إب: شريان حياة 17 قرية تهددها السيول
يضيف عون: “كثير من الحوادث وقعت في هذا الطريق، وأدّت إلى وفاة سائقين ومواطنين، بينما أصيب آخرون بإعاقات دائمة، والإصلاحات المستمرة التي تتطلّبها المركبات بسبب وعورة الطريق تزيد من خساراتنا، ومع تدهور الوضع الاقتصادي، اضطر بعض السائقين لترك المهنة؛ لأنها لم تعد توفر لهم متطلبات الحياة، لم يتبقَ سوى ثلاثة سائقين يخدمون المنطقة، وأنا أحدهم”.
في محاولة للتخفيف من معاناة السكان، أطلق الأهالي عدّة مبادرات مجتمعية لإصلاح الطريق. كانت آخرها عام 2022، فقد تمكّنوا من مسح الطريق ودفن الحفريات، إلا أن الأمطار الغزيرة سرعان ما جرفت تلك الإصلاحات، مما زاد الوضع سوءًا.
ورغم التحديات، لم يستسلم الأهالي، بل أطلقوا مبادرة جديدة بدعم من أحد المتبرعين، وتمكنوا من رصف نقيل في منطقة النقيلة، التي كانت تُعدّ من أخطر المناطق، إلا أن بقية الطريق لا تزال بحالتها المتهالكة، مما يجعل الحاجة لتدخل عاجل من السلطات أو المنظمات الإنسانية أمرًا لا يحتمل التأخير.
يقول عون: “من منصة ريف اليمن، نوجه مناشدة عاجلة للسلطة المحلية والمنظمات الدولية للتدخل الفوري لإصلاح الطريق واستكمال المشروع، حياة الآلاف على المحك، ونحتاج إلى حلول دائمة تضمن سلامة أرواح المواطنين وتخفف من معاناتهم اليومية”.
![قرى النجادة في تعز](https://reefyemen.net/wp-content/uploads/2024/12/22.jpg)
من جهته أكد رئيس اللجنة المجتمعية للمبادرة في عزلة النجادة، التربوي محمد منصور، أن العزلة تُعاني من التهميش وغياب العدالة في توزيع المشاريع التنموية والخدمية، مشيرًا إلى أن أوضاع سكان العزلة تزداد سوءًا بسبب وعورة الطريق التي تمثل شريان الحياة الوحيد لهم.
وقال منصور لمنصة ريف اليمن: “عزلة النجادة مغيبة تمامًا عن خارطة المشاريع في مديرية صبر الموادم بسبب ما وصفها بمراكز النفوذ والفساد”، ويذكر أن كثيرا من المواطنين فقدوا حياتهم بسبب وعورة الطريق في ظل غياب أي تحرك جاد لإصلاحها.
وعود بلا تنفيذ
كما أشار إلى أن اللجنة المجتمعية قامت بمتابعة الجهات الرسمية والمنظمات وفاعلي الخير، لكن الردود اقتصرت على وعود لم تُنفذ. وأضاف: “تابعنا السلطات المحلية في المديرية والمجلس المحلي ورفعنا القضية إلى محافظ المحافظة، إلا أن المذكرات التي أرسلناها بقيت في الأدراج، كما خاطبنا الصندوق الاجتماعي للتنمية، لكن لم نحصل على أي استجابة”.
وعورة الطريق لم تحرم الأهالي من الخدمات الصحية والتعليمية فقط، بل كانت سببًا في عدم استفادة العزلة من مشاريع المنظمات التنموية المستدامة التي تتطلب طرقًا صالحة للوصول، ويؤكد منصور أن معظم المدارس في العزلة بُنيت بجهود أبناء المنطقة.
ودعا السلطة المحلية ومنظمات المجتمع المدني للالتفات إلى معاناة سكان العزلة، والعمل على توزيع المشاريع التنموية بشكل عادل بين مختلف القرى والعزل في المديرية، واختتم قائلاً: “نحن بحاجة إلى تدخل جاد وسريع لإنقاذ حياة السكان وتخفيف معاناتهم اليومية. الطريق ليس فقط وسيلة نقل، بل شريان حياة يؤثر على كل جانب من جوانب الحياة في العزلة”.
وبحسب المواطنين، فقد اعتُمدت موازنات لإصلاح الطريق عدة مرات منذ عام 2009، إلا أن المشروع لم ير النور حتى الآن، مشيرين إلى أن البنك الدولي قام مؤخرًا بوضع حجر الأساس لمشروع رصف الطريق، وبدأ العمل به لفترة قصيرة، لكن المقاول انسحب دون تحقيق أي تقدم يُذكر، مما زاد من إحباط السكان.
وأكد الأهالي الذين تحدثوا لمنصة ريف اليمن أن الطريق تمثل مشكلة رئيسية تؤثر على كل جوانب حياتهم، فوعورتها تتسبب في زيادة التكاليف وأعطال المركبات وعرقلة الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية، وطالبوا مكتب الأشغال العامة والبنك الدولي تنفيذ الوعود وإعادة النظر في الأمر واستكمال العمل لمصلحة المواطنين.
![قرى النجادة في تعز](https://reefyemen.net/wp-content/uploads/2024/12/21.jpg)
ووصف الصحفي فهمي الصبري الحياة بالعزلة بالبدائية، وقال لمنصة ريف اليمن: “نحن في عزلة النجادة نعيش حياة بدائية أشبه بما عاشه اليمنيون في التسعينيات، وتفتقر بشكل كبير إلى خدمات الرعاية الصحية، لا توجد مرافق صحية كافية، والوحدة الصحية المتوفرة حديثًا تقدم خدمات إسعافية فقط ولا تلقى أي دعم حكومي أو غير حكومي”.
مناشدات السكان
ويلفت النظر إلى أن الحالات الحرجة غالبًا ما تفقد حياتها في الطريق قبل الوصول إلى مركز المدينة بسبب بُعد المسافة ووعورة الطريق، مناشدا السلطة المحلية، ومنظمات المجتمع المدني، والصحفيين لتسليط الضوء على هذا الواقع المؤلم والعمل على تقديم حلول جذرية”.
ويعاني التعليم في العزلة من نقص الكوادر التدريسية المؤهلة وغياب الكتاب المدرسي، وقال الصبري: “يعاني طلاب العزلة من ازدحام الفصول الدراسية، ومعظم المدارس تعتمد على جهود تطوعية من الشباب الذين لم يتلقوا أي دعم، فالمدارس في الأرياف ما زالت بعيدة عن الحداثة”، واستغرب النظرة الدونية تجاه الخدمات الريفية، حيث تعيش المدارس في حالة من الإهمال، وتعكس ذلك الحالة العامة للأرياف التي تفتقر لعدد من الخدمات الأساسية، لافتا أن تكلفة نقل الخدمات الأساسية إلى العزلة مرتفعة للغاية.
ومؤخرا اضطر السائقون إلى رفع تعرفة أسعار النقل بسبب تزايد أعطال المركبات الناجمة عن الطريق، وارتفاع أسعار الوقود، بسبب انهيار العملة الوطنية، مما زاد من الأعباء على السكان الذين يعيشون ظروفًا اقتصادية قاسية.
وتعكس أحاديث المواطنين في المديرية حالة من الإحباط واليأس، ورغم ذلك لا يزالون على أمل أن تجد مناشداتهم صدى لدى الجهات المعنية، ويعولون على تنفيذ وعود إصلاح الطريق التي تمثل شريان الحياة وتوفير الخدمات الأساسية، بعد سنوات من التهميش والتعثر في المشاريع.