ابتهج الشاب أسامة نصر (29 عاما) لحصوله على تأشيرة عمل بأحد المكاتب الهندسية في السعودية، لكن فشل بذلك بسبب صعوبة استخراج جواز السفر، وفوات الفرصة التي حصل عليها.
أسامة خريج كلية الهندسة المعمارية بجامعة إب، تبخر حلمه بالعمل ومساندة أسرته بتوفير احتياجات المعيشية، لأن حصوله على جواز السفر يحتاج وقت طويل، كحال معظم اليمنيين الذين فقدوا كثيرا من الفرص نتيجة الصعوبات ذاتها.
ويتكبد السكان في الريف معاناة في الحصول على الوثائق الثبوتية، حتى قبل الحرب لعدم توفر مكاتب قريبة، لكن ومع اندلاع الحرب تضاعفت بسبب حالة الانقسام السياسي، وفرض مدن محدودة لإصدار الجوازات.
وفي ديسمبر/ كانون أول 2018 أصدرت الحكومة الشرعية قراراً يقضي بحصر استخراج جواز سفر من ست محافظات يمنية، في الوقت الذي تسببت الحرب بقطع الطرق الرئيسة وصعوبة التنقل.
حرمان من جواز السفر
وخسر المئات من الشباب في اليمن خلال السنوات الماضية فرص كثيرة بفعل معوقات استخراج جواز السفر، وبالإضافة إلى التكاليف الباهظة التي قد تصل إلى أكثر من 150 ألف ريال يمني (الدولار 530 ريال).
وقال أسامة: “العام الماضي حصلت على فرصة عمل في السعودية، واشترطوا الالتحاق بالوظيفة خلال شهر، اقترضت المال وسافرت إلى مدينة تعز لاستخراج جواز السفر، لكن كانت متوقفة”.
ويضيف: “ومن أجل عدم تفويت الفرصة سافرت إلى عدن، ولكن بسبب الازدحام الشديد مكثتُ قرابة أسبوع كامل، ما كلفني أكثر من 200 ألف ريال يمني”.
ويتابع أسامة لمنصة ريف اليمن: “ليس لدي المال لاستخراج وثيقة عن طريق السماسرة، انتظرت خروج الجواز لكنه تأخر لنحو ثلاثة أشهر حتى خسرت الفرصة”.
“عبد الله علي” هو الآخر خسر فرصة سفر للمشاركة بدورة تدريبية، بسبب صعوبة استخراج وثيقة سفر. وما يزال ينتظر للحصول على جواز السفر منذ أشهر، لكنه لم يتمكن من الحصول عليه.
وقال لمنصة ريف اليمن “إن سبب هذا التأخر يعود إلى إجراءات إدارية تفرض أولويات لطباعة الجوازات لان الدفاتر غير متوفرة، وهذه كارثة حكومية منذ سنوات”.
ولفت “الإنسان اليمني أصبح محروما من كل شيء في ظل الحرب وتداعياتها السلبية على مختلف مجالات الحياة، الجميع يدفعون ضريبة باهضة ولا أحد يكترث”.
مشقة التنقل
انتصار أمين (36 عاما) أم لخمسة أطفال ويعمل زوجها في المملكة العربية السعودية خاضت تجربة سفر قاسية إلى مدينة تعز لاستخراج جواز سفر، مطلع يناير/ كانون الثاني من العام الجاري 2024.
تقول انتصار لمنصة ريف اليمن: “سافرتُ مع شقيقي الأكبر من قريتنا الواقعة بريف إب إلى منطقة الحوبان ومن ثم بدأنا مشقة سفر طويلة عبر طريق جبلية متهالكة ووعرة وكانت تقلنا سيارة قديمة، التي استمرت أكثر من ست ساعات بسبب إغلاق الطريق الرئيسي (سابقاً كانت 15 دقيقة)”.
من جانبه، أراد وهيب محمد (28 عاما) تجنّب مشقة السفر، وفضّل استخراج الجواز عبر السماسرة عن بعد، رغم التكلفة الكبيرة، وقال لمنصة ريف اليمن: “أحد السماسرة العاملين في مصلحة الهجرة والجوازات بمدينة عدن جنوب اليمن طلب مني 1500 ريال سعودي”.
وتحول استخراج الجواز إلى “سوق للسماسرة” خلال السنوات الماضية. وقال وهيب “تستطيع بالفلوس استخراج جواز السفر بأيام، وهذا ما حدث معي خلال أسبوع وصلني الجواز، في الوقت الذي كان يعلن مكتب الجوازات عدم توفر الدفاتر”.
وتبلغ الرسوم الرسمية لاستخراج الجواز في اليمن سبعة ألف ريال يمني، ما يعادل نحو 5 دولار بسعر الصرف في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
حلول بنوافذ إلكترونية
يقول المحامي الحقوقي ياسر المليكي: “إن تكبد المواطنين للسفر وللمعاناة من أجل الحصول على جواز سفر أمر غير مقبول، فلا يُعقل أن مواطنا في مدن كصعدة أو حجة أو الجوف يسافر إلى مأرب أو تعز ليحصل على جواز السفر، بينما بالإمكان الحصول عليه عبر نوافذ إلكترونية”.
وأضاف لمنصة ريف اليمن “كل المواطنين في اليمن لهم الحق في استخراج الوثائق المدنية، وهذا مكفول قانونا للنساء والرجال، ويجب على المؤسسات الحكومية تيسير إجراءات الحصول على هذه الوثائق من دون معاناة أو حرمان”.
وتساءل: “بدلاً من أن يتكفل سماسرة أو وكالات سفر باستخراج جوازات سفر مقابل مبالغ مالية باهظة تُثقل كاهل اليمنيين الذين يعيشون أوضاعاً معيشية قاسية، لماذا لا يكون هذا الأمر متاح للمواطنين عبر نافذة إلكترونية؟!”.
وشدد المليكي، على ضرورة ربط كل الوثائق الرسمية الشخصية عبر وزارة الداخلية، ومَن يمتلك هذه الوثائق يرسلها إلكترونيا عبر الوزارة التي يبقى عليها القيام بالتحقق من صحتها عبر مقارنتها مع إرشيفها، ويُستخرج جواز السفر وفقاً لها.
وتابع: “من المعيب أن الوزارة لا تنفذ قراراتها بشأن استخراج النساء لوثائق السفر دون محرم، لكنها تستخرجه عبر سماسرة بأموال باهظة على المواطنين”.
حملة أشتي جواز
دفعت قصص هذه المعاناة التي يتعرّض لها المواطنون والمواطنات في الحصول على جواز السفر، ناشطين يمنيين ومنصات صحافية، وإذاعات مجتمعية، نحو إطلاق حملات إلكترونية، للمطالبة بتسهيل الحصول على جوازات سفر.
وبحسب القائمين على الحملة التي أطلقت تحت وسم #أشتي_جواز، تهدف للضغط على أطراف الصراع من أجل تسهيل عملية حصول اليمنيين على جوازات السفر بسرعة، وتوفير بنية تحتية وتقنية عالية، وتقليل التكاليف المالية نتيجة السفر والتنقل، وإنهاء سوق السمسرة في الجوازات.
وبدأت الحملة في كثير من الأنشطة لنشر الوعي حول أهمية الحصول على جواز سفر، عبر إطلاق حملات إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر تقارير صحافية في منصات ومواقع إخبارية للتعريف بالمعاناة التي يتعرّض لها اليمنيون.
يقول منسق الحملة أحمد البعداني: “تشهد الحملة تفاعلا كبيرا في الوقت الحالي، ولدينا خطة للتواصل مع الحكومة لإيجاد حلول لهذه المشكلة؛ والتي تقول إنها تمثل اليمن بشكل كامل، لكنها لا تراعي مصلحة ما يقارب 70% من السكان”.
ولخّص في حديثه لمنصة “ريف اليمن” أهداف الحملة، بالقول “نطالب بتدشين بوابة إلكترونية يُطلب منها الجوازات لإنهاء سوق السمسرة، وإعادة اعتماد الجوازات الصادرة من كل المحافظات اليمنية”.
ويضيف: “أتمنى أن يقف رئيس الحكومة أمام مصلحة الجوازات في عدن ليسأل طالبي خدمة الحصول على جواز عن المعاناة التي يواجهونها من أجل الحصول على الجواز من مختلف محافظات اليمن”.