لم تكن عائلة الشاب محمد خنبش (23 سنةً) تتوقع فقدانه بسنٍ مبكر لكن إصراره على السباحة في الحاجز المائي في منطقة بني مطر غرب العاصمة صنعاء، أفقده حياته على غرار عشرات اليمنيين الذين فقدوا الحياة نتيجة تعرضهم للغرق في السدود والبرك المائية في اليمن.
منذ بداية موسم هطول الأمطار في اليمن في أبريل/ نيسان الماضي وامتلاء السدود والحواجز المائية، في البلاد توفي عشرات اليمنيين غالبيتهم من الأطفال في حوادث متفرقة في العديد من المناطق الريفية بمختلف المحافظات اليمنية وسط مناشدات مستمرة من قبل السكان إلى الجهات المختصة للقيام بدورها في حماية المواطنين.
وكانت مصلحة الدفاع المدني بصنعاء قد دعت أولياء الأمور الى تحمل المسؤولية والانتباه لأبنائهم وعدم السماح لهم بالذهاب الى السدود والحواجز المائية لما يشكل ذلك من خطورة على حياتهم.
حوادث غرق مستمرة
لا توجد إحصائية دقيقة بعدد حالات الغرق بسبب تداعيات الحرب، والانقسام السياسي الحاصل في البلاد، لكن معد التقرير رصدت منمن خلال وسائل الإعلام عدد الضحايا خلال أسبوعين، منذ بداية مايو/ أيار الماضي، أكثر من 20 حالة وفاة غالبتهم من الأطفال نتيجة تعرضهم للغرق في السدود والبرك المائية.
ووفق رصدنا لحوادث الغرق “البعض منهم أثناء ممارسة السباحة، وبعضهم أثناء جلب المياه، وبعضهم خلال زيارته إلى تلك الأماكن بغرض السياحة فيها، وتركزت وفيات حوادث الغرق في أربع محافظات هي: صنعاء، وإب، والمحويت، وحجة”.
وفي مطلع مايو/ آيار الماضي توفي الشاب “طه” عندما كان يحاول السباحة في إحدى الحواجز المائية، وقال مصدر مقرب من عائلته لـ “منصة ريف اليمن”، “ظهر الأربعاء، العاشر من مايو/ أيار الماضي خرج للسباحة في الحاجز المائي في القرية وهو غير متمكن من السباحة بشكل جيد فتعرض للغرق وحاول البعض ممن كان المكان إنقاذ حياته لكن بلا فائدة”.
وأضاف: “معظم من كانوا جوار الحاجز المائي من سكان القرية لا يجيدون السباحة بالإضافة إلى غياب فرق الدفاع المدني وصعوبة وصولهم إلى مكان الحادثة بسبب بعد المسافة بين المنطقة والعاصمة صنعاء”.
وسبق حادثة غرق الشاب “طه” وفاة طفلان شقيقان، غرقا في بركة ماء مكشوفة في مديرية الشاهل وسط محافظة حجة (شمالي غرب اليمن)، “الطفلين هما أيوب أمين جهلان 8 سنوات، وتقي أمين جهلان 6 سنوات، توفيا غرقاً، في التاسع من مايو /أيار الماضي في بركة مياه، في عزلة الأمرور بمديرية الشاهل، أثناء محاولتهما السباحة.
وتشهد غالبية المحافظات اليمنية منذ اواخر مارس/ آذار الماضي أمطار، ومعها امتلأت الحواجز والسدود المائية، وهو ما تسبب بتسجيل عدد من حالات الوفاة غرقا في تلك السدود والحواجز المائية.
غرق أسر كاملة
في الأول من يونيو/ حزيران الماضي توفي 7 أشخاص من أسرة واحدة، بينهم أطفال ونساء، إثر سقوط سيارتهم في سد مائي في مديرية جبلة، جنوب غرب محافظة إب (وسط اليمن).
يروي (محمد صادق) وهو أحد سكان المنطقة تفاصيل الكارثة التي هزت الشارع اليمني “بعد سقوط سيارة المواطن مالك الشاقي هرع الأهالي إلى جوار الحاجز المائي، وحاولوا إنقاذ الضحايا الذين كانوا على متن السيارة”.
وأضاف في حديث لمنصة “ريف اليمن”، “لحظات انتشال الجثث من أصعب اللحظات التي عشتها في حياتي، يا لها من لحظة عصيبة عندما كانت أحد النساء تصرخ بصوت مرتفع “يا وجع قلبي عليكم “، لا صوت يعلو فوق أصوات الأنين، لقد كانت فاجعة بكل المقاييس ما تزال تداعياتها تنغص حياة الأهالي حتى اللحظة”.
وتابع: “يقع الحاجز المائي في منطقة مزدحمة بالسكان، ويفتقر إلى كافة معايير السلامة، ويعتبر خطراً كبيراً على المواطنين ومع ذلك يتجاهله الجميع جهات الحكومية ومواطنين”.
وناشد السلطات الحكومية في المحافظة بسرعة التدخل وإقامة سياج حديدي وبناءً سور على السد للحفاظ على ارواح المواطنين.
حادثة غرق عائلة “الشاقي” تأتي بعد أيام من تعرض أسرة كاملة للغرق في شلال بني مطر بمحافظة صنعاء في 27 مايو/ أيار إثر فقدان سائقها السيطرة عليها، وسقطت من أعلى منحدر يقودهم إلى بحيرة الشلال.
وأسفر الحادث عن وفاة خمسة أشخاص من أسرة واحدة بينهم ونجاة شخص سادس بعد تمكنه من القفز من السيارة قبل وصولها إلى بحيرة الشلال.
وخلال السنوات الماضية سنوات تعرض القطاع السياحي في اليمن للدمار بسبب الحرب، في الوقت الذي تحولت السدود المائية متنفس للسكان رغم عدم توفر أدنى وسائل الحماية للحفاظ على سلامة الزائرين نتيجة غياب دور السلطات المعنية في مراقبتها والعناية بها على نحو مستمر.
الوعي والمناخ
ورأت الصحافية أشجان بجاش “أن حوادث الغرق تعود إلى عدة أسباب تقف وراء تكرار هذه الحوادث، يأتي في أبرزها غياب الوعي والإرشاد، إضافة إلى ارتفاع منسوب المياه في السدود وغياب فرق الانقاذ التابعة للدفاع المدني، وعدم وجود أماكن ترفيه بديلة”.
وأضافت لمنصة “ريف اليمن”، “غالباً ما يزيد منسوب المياه في السدود والحواجز المائية في مواسم الأمطار التي يصادف هطولها أجواء الصيف الحارة، ما يدفع بالأطفال والشباب إلى السباحة في تلك المواقع هروباً من حر الصيف، دون الالتفات إلى التحذيرات بمنع السباحة في تلك الأماكن ما يجعلهم عرضة للموت”.
وأشارت “أن السلطات لا تقوم بواجبها في توفير فرق الانقاذ والتوعية في تلك المناطق”.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، أعلنت عن وفاة وإصابة وفقدان أكثر من 70 يمنيا جراء سيول الأمطار في عموم البلاد خلال أبريل الماضي.
وأفاد تقرير أممي حديث، أن قرابة 15 ألف شخص في 12 محافظة يمنية تضرروا جراء الظروف المناخية القاسية، بما فيها الأمطار والفيضانات، خلال الثلث الأول من العام الجاري.
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في تقرير أصدره في مايو 2023، إن “الظروف الجوية القاسية، بما فيها الأمطار الغزيرة والفيضانات الناجمة عنها أثرت على 2,102 أسر تتألف من 14,714 فرداً في 62 مديرية تتبع 12 محافظة، وذلك خلال الفترة بين يناير وأبريل 2023”.