يكتسب البُن اليمني شهرة عالمية واسعة بمذاقه الفريد، ونكهته المميزة، حيث يُعتبر من أجود الأنواع في العالم، إذ يمتلك تاريخاً عريقاً يعود لعقود طويلة، وكانت مدينة المخا الساحلية مركزاً حيوياً لتصدير البن إلى مختلف البلدان.
وتحرص العديد من الشركات العالمية على إطلاق اسم “موكا المخاء” على البن الذي تسوقه، وقد سجلت اليمن حضوراً متميزاً على المستوى العالمي منذ أوائل القرن السادس الميلادي، من خلال محصول البن، إذ كانت المصدر الأول للبن عبر ميناء المخا.
وعلى الرغم من هذه المكانة إلا أن هذا المنتج الحيوي واجه في السنوات الأخيرة، تحديات جسيمة نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية، والبيئية مع التغيرات المناخية، مما أدى إلى تراجع إنتاجه وتدهور مساحات زراعته.
زراعة البن في اليمن
تتركز زراعة البن في مناطق عديدة في اليمن، حيث يُزرع بصورة رئيسية على ارتفاع يتراوح بين 700 و2200 متر فوق سطح البحر، في سلسلة الجبال الغربية المطلة على تهامة، إلى جانب المناطق الجبلية والوديان ذات الطقس البارد التي تشمل: حراز، وبني مطر، والحيمتين في صنعاء، وبني حماد في تعز، ويافع جنوب اليمن، وبرع في الحديدة، وفي مناطق متعددة من محافظة إب، وفي السنوات الماضية، تمت زراعة البن في محافظات يمنية أخرى مثل ريمة، وحجة، وذمار، والمحويت.
ويستخدم المزارعون اليمنيون أساليب تقليدية في زراعة البن، حيث يعتمدون على الأسمدة العضوية والطرق الطبيعية لمكافحة الآفات، ويعملون بعناية فائقة لضمان النمو الأمثل وإنتاج كرز القهوة بجودة عالية.
ويُعتبر البن من المحاصيل النقدية، وتُقدّر المساحة الزراعية المخصصة لزراعته حالياً في اليمن بنحو 34,497 هكتار، ويعمل في هذا المجال قرابة المليون شخص.
ويتم تصدير البن اليمني إلى العديد من دول العالم، ويبلغ سعر “الكيلوغرام” الواحد من الدرجة الأولى نحو 35 دولاراً، بينما يصل سعره في السوق الخارجية إلى 300 دولار أمريكي وهناك أنواع يتم بيعها في الأسواق الدولية بأسعار عالية.
وفق تصريحات حكومية تعود الى 2014 فإن البلاد كانت تقوم بإنتاج 25 ألف طن من البن، وكانت تطمح لزيادة ذلك خلال خمس سنوات الى 50 ألف طن.
الأصناف
هناك عدة أنواع من البن اليمني تُزرع في مناطق مختلفة من البلاد، تشمل: العديني، الدوائري، التفاحي، البرعي، الحمادي، المطري، الحيمي، اليافعي، الحرازي، خولاني، موكا، الإسماعيلي، الريمي، الوصابي، الأنسي، الصبري، والصعدي، مما يعكس غنى التراث الزراعي والثقافي للبن اليمني الذي يتواجد في جميع أقطار العالم.
طرق الجني
تتسم طرق جني البن في اليمن بالتقاليد العريقة، حيث يعتمد المزارعون على جني الثمار على مراحل، وتُجمع الثمار عند وصولها إلى مرحلة نضج معينة، وعادةً ما يبدأ الجني عندما يصبح لونها أحمر فاتح أو بنفسجي، ويُولي المزارعون اهتماماً كبيراً لجمع الثمار في الوقت المناسب وفصلها عن تلك التي تُجمع لاحقاً لضمان جودة عالية، كما يُعزل الثمار المتساقطة لتفادي تأثير الرطوبة على جودة البن.
عملية تجفيف البن
تُعتبر عملية تجفيف البن من أكثر المراحل تعقيداً في تحضير المحصول للتسويق، وتتطلب دقة وحرصاً كبيرين، إذ تُعرض الثمار بعد تجميعها لأشعة الشمس في أماكن جافة لمدة تتراوح بين أسبوع وثلاثة أسابيع، وقد تحدث أخطاء أثناء التجفيف، مثل تجفيف كميات كبيرة في مساحات ضيقة، مما يؤدي إلى تخمر بعض الثمار وتقليل جودتها.
تقشير الثمار وفرز النواة
تمثل عملية تقشير الثمار المرحلة النهائية قبل التسويق، حيث تُفصل القشرة عن النواة، وتُعتبر النواة الجزء الأساسي الذي يتم تسويقه، بينما تُسوق القشرة بشكل منفصل وتُستخدم في المشروبات المحلية. قبل التقشير، تُنقع الثمار في الماء لمدة تتراوح بين ساعتين وثماني ساعات لتسهيل العملية.
تتضمن مرحلة الفرز اختيار النوى الجيدة لضمان جودة المنتج وسعره المناسب، ويتم جمع النواة المتجانسة من حيث الحجم والكثافة استعداداً لعملية التحميص، حيث تتم هذه العملية يدوياً غالباً من قبل عائلة المزارع، لاسيما في المناطق النائية.
التحميص
تُعد عملية التحميص من المراحل الحساسة، حيث تؤثر بشكل كبير على الجودة والنكهة، تُجرى عند درجات حرارة تتراوح بين 180 إلى 240 درجة مئوية، لمدة لا تتجاوز عشرين دقيقة.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت عملية التحميص تقتصر في الغالي على محلات بيع البهارات في المدن الكبرى، التي تمتلك معدات حديثة لضمان نتائج دقيقة.
مما سبق نجد أن تضاريس محافظة الضالع تجمع بين الجبال الوعرة والسهول الخصبة، مما يجعلها بيئة ملائمة للزراعة واستغلال الموارد الطبيعية، ويدعم هذا التنوع في التضاريس الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين، ويعزز من قدرة المحافظة على الإنتاج الزراعي.
مواضيع ذات صلة
تحديات زراعة البن في اليمن
تواجه زراعة البن في اليمن مجموعة من المعوقات التي تؤثر سلباً على إنتاجيتها وجودتها، وتشمل هذه التحديات عوامل مناخية واقتصادية واجتماعية. فيما يلي أبرز هذه المعوقات:
1. التحديات المناخية والبيئية:
- التغيرات المناخية: تؤثر شح المياه والجفاف على استقرار الإنتاج.
- عدم استقرار الهطول المطري: أمطار غير مضمونة أو منتظمة تعوق إنتاج المحاصيل.
- سوء توزيع الأمطار: الأمطار الغزيرة في فترات قصيرة تؤدي إلى انجراف التربة.
- شح المياه: انخفاض معدلات الأمطار السنوية يؤثر سلباً على نمو المحاصيل.
- تغيرات درجات الحرارة: درجات الحرارة المنخفضة والصقيع في الشتاء وارتفاعها في الصيف تؤثر على إنتاجية أشجار البن.
2. التحديات الاقتصادية والاجتماعية:
- تداعيات الحرب: النزاعات ترفع أسعار المبيدات وتكاليف الشحن.
- ارتفاع تكاليف الإنتاج: تشمل تكاليف المدخلات الزراعية وغياب الدعم الحكومي.
- صغر حجم الحيازات الزراعية: يؤثر على الجدوى الاقتصادية ويزيد من تكلفة الإنتاج.
- منافسة البن المستورد: المنافسة الشديدة من بلدان أخرى تنتج البن تؤثر سلباً على السوق المحلية.
3. التحديات الزراعية والفنية:
- ضعف جودة التربة: عمق التربة غير الكافي وجود الأحجار يعيقان احتفاظ التربة بالمياه.
- ضعف التحضير وإعداد التربة: استخدام وسائل تقليدية في إعداد التربة يؤثر على قدرتها.
- انتشار الأمراض والآفات: تعاني المحاصيل من الأمراض التي تقلل من جودتها وإنتاجيتها.
- نقص الدعم الفني: عدم فاعلية جهاز البحث العلمي والإرشاد الزراعي.
- عدم توفر التقنيات الحديثة: الاعتماد على أساليب تقليدية يحد من إمكانية تحسين الإنتاج.
4. التحديات الهيكلية والبنية التحتية:
- نقص البنية التحتية: نقص في البنية التحتية الزراعية يعيق عمليات الزراعة والتسويق.
- غياب القنوات التسويقية الفعالة: صعوبات في تسويق المحاصيل بسبب نقص القنوات.
5. الأمن الغذائي والسياسي:
- الأمن الغذائي والسياسي: النزاعات وعدم الاستقرار السياسي يؤثران على الإنتاج الزراعي.
- سيطرة محصول القات: التركيز على زراعة القات يؤثر على المساحات المزروعة بالبن، وهذا يعتبر من أبرز التحديات التي تواجههات زراعة البن، لأنه يستنزف أكثر من 90 % من المياه في البلاد.
وتتطلب معالجة هذه المعوقات تكامل الجهود الحكومية والمجتمعية، بالإضافة إلى تعزيز البحث العلمي والتطوير الزراعي لتحقيق استدامة زراعة البن في اليمن.
استعادة المكانة التاريخية
ومن أجل تشجيع المزارعين على العودة لزراعة البن والحفاظ على مكانته وشهرته التاريخية، خصص اليمنيون يوم 3 مارس/آذار من كل عام يوماً لإحياء يوم البن اليمني، وأطلقوا عليه “عيد موكا”، يتم في هذا اليوم إقامة فعاليات وأنشطة ثقافية للتوعية بأهمية البن.
وتم اختيار يوم 3 مارس لكونه بداية الموسم الزراعي لشجرة البن، حيث يبدأ المزارعون ممارسة الطقوس الزراعية بالتزامن مع هطول الأمطار الغزيرة، تعتمد زراعة البن بشكل رئيسي على مياه الأمطار الموسمية، كما أن “عيد موكا” يأتي بعد يومين من اليوم العالمي للشجرة.
وتبنت جهات رسمية عيد موكا، أبرزها مكتب الثقافة في تعز الذي نظم العديد من الفعاليات في المدينة وفي مدينة المخا. تم اعتماد عيد موكا رسمياً عام 2020 من قبل وزارة الزراعة والري في حكومة الحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء.
مبادرات لعودة زراعة البن
وفي اطار حملات استعادة مكانة البن، أطلقت جمعيات ومنظمات مجتمع مدني في اليمن مبادرات للعودة إلى زراعة البن، مثل جمعية بني سنان في بني حماد بمحافظة تعز، التي بدأت عام 2019 بتنفيذ مشروع يهدف إلى زراعة مليون شجرة بُن حتى عام 2025.
وبمحافظة حجة شمالي اليمن، تمكنت مبادرة في مايو/أيار 2024 من اقتلاع شجرة القات واستبدالها بشتلات البن، بدعم من وحدة تمويل المشاريع والمبادرات الزراعية التابعة لحكومة الحوثيين، وتهدف هذه المبادرة إلى تشجيع المزارعين على اقتلاع شجرة القات، حيث تقوم بتزويدهم بشتلات البن مجاناً.
وفي ديسمبر 2023، استبدل المزارعون في يافع بمحافظة لحج جنوبي اليمن أشجار القات بزراعة البن، حيث بادروا إلى اقتلاع شجرة القات من تلقاء أنفسهم.
وتهدف هذه الخطوة إلى المحافظة على شهرة البن اليافعي وخلق فرص عمل لمئات العاطلين، كما تسهم في القضاء على شجرة القات الضارة بالتربة والاقتصاد، مما يزيد المساحات المزروعة بالبن بشكل كبير.
المصدر: ريف اليمن + المركز الوطني للمعلومات + جمعية البن اليمني