محمية حُوف: واحة طبيعية وتنوع نباتي فريد

محمية حُوف: واحة طبيعية وتنوع نباتي فريد

تعد محمية حُوف في محافظة المهرة أقصى شرقي اليمن، أحد أبرز المحميات الطبيعية وموطن مهم للحياة البرية البرية في جزيرة العرب، وتتميز بتنوع نباتي استوائي موسمي فريد، مما يجعلها ملاذاً للعديد من الأنواع النادرة من الحيوانات والطيور.

وتُعتبر محمية حُوف واحدة من أجمل وأغنى المناطق البيئية في اليمن، وقد أعلنتها الحكومة كمحمية طبيعية رسمياً في أغسطس 2005، وينظر إليها بأنها مركز للتنوع الحيوي وواحة ضبابية في الجزيرة العربية الجافة.

وقد تم إدراج محمية حُوف في القائمة المؤقتة للتراث العالمي من قبل الأمم المتحدة في عام 2002م، ومؤخراً زاد النقاش في الأوساط المحلية الرسمية والشعبية بشأن ترشيحها ضمن قائمة “اليونسكو” للمحميات الطبيعية، والتي تعد ثاني أكبر منطقة في اليمن من حيث التغطية الشجرية، وتتميز بتنوع نباتي وحيواني كبير.

وساهمت الكثافة السكانية المنخفضة في جنوب اليمن، وتركيز السكان في المناطق الحضرية، وصعوبة الوصول إلى  محمية حُوف في الحفاظ على البيئة الطبيعية دون حدوث تغييرات جذرية أو تدهور في التنوع البيولوجي، الذي يؤثر على العديد من المناطق في شبه الجزيرة العربية واليمن بشكل عام. وفق ماذكرت اليونسكو.

  • الموقع:

تقع محمية حوف في محافظة المهرة على بعد نحو 1,400 كيلومتر من العاصمة صنعاء، تشتهر المحمية بموقعها الجغرافي الفريد الذي جمع بين جمال البحر وجمال الريف، فهي تطل على البحر العربي من جهة الجنوب، وتحدها سلطنة عمان من جهة الشرق، بينما تحدها مديرية شحن من الشمال ومديرية الغيضة من الغرب.

  • المساحة:

تبلغ مساحة مديرية حوف (1531 كيلومتر مربع)، حسب المركز الوطني، فيما تبلغ مساحة المحمية حوالي 30 ألف هكتار.

  • السكان:

يبلغ عدد سكان حوف نحو 5,143 نسمة، حسب نتائج التعداد السكاني لعام 2004، تضم المحمية ثلاث تجمعات سكانية رئيسية هي: حوف، رهن، وجاذب، إضافة إلى نحو 18 تجمعاً سكانياً آخر، حيث يعتمد السكان في هذه المنطقة على صيد الأسماك، تربية الحيوانات، والزراعة.

جانب من محمية حُوف الطبيعة في محافظة المهرة شرقي اليمن (هشام الهلالي)

المناخ والتضاريس

تنفرد محمية حوف بمناخ معتدل الحرارة ورطب، حيث يسود الضباب من منتصف يوليو حتى سبتمبر، كما تتساقط الأمطار الموسمية بكمية تتراوح بين 300 و700 ملم خلال هذه الفترة، أما في باقي أشهر السنة، فيسود المناخ الجاف شديد الحرارة.

وتتميز تضاريس محمية حوف بوجود سلسلة جبلية تصل ارتفاعاتها إلى نحو 1400 متر فوق سطح البحر، وتتخللها العديد من الوديان المنخفضة التي تتميز بالغطاء النباتي الكثيف، وتضم المحمية مناطق سهلية وساحلية تمتد على سواحل بحر العرب، مما يساهم في تنوع بيئي وحيوي.

التنوع النباتي

تعد محمية حوف الطبيعية موطناً لعدد كبير من الأنواع النباتية المتنوعة، حيث تمثل النباتات في المحمية نحو 7% من إجمالي النباتات في اليمن، التي تقدر بحوالي 3000 نوع.

ووفقاً للدراسات والإحصائيات الحكومية، تضم المحمية حوالي 250 نوعاً من النباتات، تنتمي إلى 65 عائلة و165 جنساً نباتياً.

وتشمل المحمية مجموعة واسعة من الأنواع النباتية، بما في ذلك 45 نوعاً من الأشجار، 49 نوعاً من الشجيرات، و88 نوعاً من الأعشاب العطرية.

بعض هذه النباتات لها أهمية خاصة للسكان المحليين، سواء من الناحية الغذائية أو العلاجية، مثل السدر، المشط، الحومر، اللبان، العضد، والخدش، التي يعتمد عليها سكان القرى الريفية في تلبية احتياجاتهم اليومية.


    مواضيع ذات صلة


ويعتمد سكان المحمية على الأمطار الموسمية في زراعتهم، حيث يزرعون محاصيل متنوعة مثل الذرة، الدجر، والخيار، وغيرها، إضافة إلى ذلك، تساهم بعض الأنواع النباتية في تأمين مصادر الوقود، مثل الأنواع الصبارية والسلع.

تعد المحمية أيضاً ملاذاً للنباتات النادرة، حيث تحتوي على أكثر من 65 نوعاً من النباتات البرية النادرة، من بينها 23 نوعاً مهدداً بالانقراض، حسب موقع محافظة المهرة، مما يعزز أهمية المحمية في الحفاظ على التنوع البيولوجي.

يعتمد عدد كبير من سكان حوف على تربية المواشي والزراعة والصيد لتغطية احتياجاتهم (وسائل التواصل)

التنوع الحيواني

تحتوي محمية حوف على تنوع حيواني كبير، يشمل العديد من الطيور والحيوانات البرية، سواء المستوطنة أو المهاجرة. وحسب رصد هيئة البيئة، فقد تم تسجيل حوالي 65 نوعاً من الطيور المستوطنة والمهاجرة، وتنتمي إلى 30 عائلة مختلفة، مما يجعل المحمية وجهة هامة للباحثين وعشاق الطبيعة.

ومن بين هذه الأنواع، توجد 6 طيور نادرة مهددة بالانقراض مثل طائر الحجل الصحراوي، السلوى الجبلي، الحمام البري، العقاب الأسود، والعوسق الأوروبي، وتشكل هذه الطيور جزءاً مهماً من التنوع البيولوجي في المحمية.

إضافة إلى الطيور، تعد المحمية موطناً للعديد من الحيوانات النادرة مثل النمر العربي، الذي يُعتبر الحيوان الوطني لليمن، ورغم انقراضه في معظم مناطق البلاد، إلا أن محمية حوف توفر له ملاذاً طبيعياً.

وتعتبر المحمية أيضاً مصدراً للثروة الحيوانية بالنسبة لسكان مديرية حوف، حيث يمارس الكثير منهم تربية الحيوانات مثل الإبل والأبقار والأغنام كمصدر رزق رئيسي.

وتشكل محمية حوف الطبيعية ملاذاً مثالياً للطيور النادرة والمهاجرة، مما يجعلها وجهة مفضلة لعشاق الطبيعة والمصورين ومحبي مراقبة الطيور، الذين يأتون من بلدان ومناطق مختلفة للاستمتاع بمراقبة هذا التنوع الحيواني الفريد في بيئة طبيعية لم تمسها يد التغيرات البيئية بشكل كبير.

المحمية ليست فقط موطناً للطيور والحيوانات البرية، بل تُعد أيضاً مصدراً للثروة الحيوانية بالنسبة لمواطني مديرية حوف، حيث يُمارس العديد من سكان القرى والعزل المجاورة للمحمية تربية الحيوانات كمصدر رزق رئيسي لهم، مما يساهم في دعم الاقتصاد المحلي.

أحد الزائرين الى حوف يعتلي احدى التباب المطلة في المحمية (وسائل التواصل)

البيئة البحرية

تتميز البيئة البحرية في محمية حوف بتنوع كبير في الكائنات البحرية، حيث تضم العديد من الأنواع السمكية مثل: الثمد، القرش، الديرك، الجحش، والسردين، تُصطاد هذه الأسماك بكميات كبيرة من قبل السكان المحليين، حيث يتم تجفيفها على طول الساحل واستخدامها كأعلاف للحيوانات وسماد للحقول الزراعية، ما يعكس دور الصيد كأحد الأنشطة الاقتصادية الرئيسية في المنطقة.

وتحتوي مياه بحر المهرة على أنواع متنوعة من الأسماك والقشريات مثل الربيان، الشروخ، السرطان الصخري، والقواقع البحرية، مما يزيد من التنوع البيولوجي في المنطقة.

وتعتبر مياه المهرة أيضاً موطناً لأنواع بحرية ذات أهمية إقليمية ودولية مثل الدلافين، بالإضافة إلى كونها من المواقع الرئيسية لتعشيش السلاحف البحرية، خاصة الأنواع المهددة التي تم إدراجها ضمن قوائم اتفاقية CITES لحماية الأنواع المهددة بالانقراض.

وتُعد سواحل المهرة موطناً لعدد من الشعاب المرجانية والطيور البحرية مثل النورس السويدي وحرشفة بحر قزوين، مما يعزز من أهمية المحمية كوجهة سياحية بيئية، تجذب الزوار المهتمين بمراقبة الحياة البحرية.

ويعتمد الكثير من السكان في المحمية على الثروة السمكية المتنوعة، وتشهد مواسم الصيد إقبالاً واسعاً من سكان المنطقة، حيث يسهم هذا النشاط في تحسين سبل المعيشة للمواطنين هناك.

خريف حوف

يعد فصل الخريف في محمية حوف من الفصول الأكثر تميزاً، حيث تتحول المنطقة إلى لوحة طبيعية ساحرة بفضل هطول الأمطار الموسمية، وتغمر الأمطار الأراضي الجبلية لتكتسي الخضرة، ما يخلق منظراً خلاباً يتناغم مع الضباب الرقيق الذي يلف المكان بين الحين والآخر، مما يضفي عليه رونقاً خاصاً.

وتعتبر المحمية في هذا الموسم في أوج جمالها، حيث تتجدد الحياة النباتية والحيوانية، وتصبح الوجهة المثالية لعشاق الطبيعة والمغامرة.

تتزايد زيارات السياح الى المحمية خلال فصل الخريف الذي يمتد لثلاثة أشهر (وسائل التواصل)

ويمتد فصل الخريف من 18 يونيو إلى 18 سبتمبر، وهو موسم مثالي للاستمتاع بالأجواء المعتدلة ومشاهدة التنوع البيولوجي الفريد في المنطقة، حيث تتوافر فرص كبيرة لمراقبة النباتات والحيوانات النادرة في بيئتها الطبيعية.

ينظر سكان محافظة المهرة إلى محمية حوف كأحد الكنوز البيئية والسياحية التي تتمتع بها المنطقة، ويعبرون عن تطلعاتهم لتطوير المحمية بالشكل الذي يعكس قيمتها الاقتصادية والبيئية. ويطالبون بتوفير البنية التحتية اللازمة، مثل الطرق والمسارات السياحية، لتسهيل وصول الزوار إلى المحمية واستقبالهم بطريقة لائقة.

ويشدد السكان على أهمية تعزيز جهود حماية البيئة والمحافظة على التنوع البيولوجي من خلال تنفيذ حملات توعوية وتدابير رقابية فعالة، لضمان استدامة هذه المحمية الطبيعية واستمرارها كمورد سياحي واقتصادي يعزز من رفاه المجتمع المحلي.

محمية حُوف: لمحة عن الوضع الحالي

رغم أن حوف وجهة سياحية طبيعية مميزة، لكنها تواجه تحديات كبيرة تعيق استغلال إمكاناتها، أبرزها نقص الخدمات السياحية الأساسية مثل المساكن المريحة والمطاعم وأماكن الترفيه، مما يؤثر سلباً على تجربة الزوار ويمنع المحمية من تحقيق استفادة اقتصادية كاملة.

إضافة إلى ذلك، تعاني المحمية من مشاكل بيئية ناتجة عن الصراعات المستمرة في البلاد، فأنشطة بشرية غير منظمة مثل الرعي الجائر وقطع الأشجار تشكل تهديدًا للنظام البيئي، إلى جانب التغيرات المناخية التي تزيد من صعوبة الحفاظ على التنوع البيولوجي في المحمية.

وتبذل الجهات المعنية، المحلية والدولية، جهوداً مكثفة للحفاظ على المحمية من خلال برامج للمراقبة البيئية والتوعية المجتمعية، بهدف ضمان استدامتها والحفاظ على إرثها الطبيعي.

وحسب ما ذكرته اليونسكو قبل عقدين فإن التهديدات الرئيسية التي تواجه منطقة حوف تتمثل في الزيادة السكانية السريعة في المنطقة، مشيرة إلى أن غياب فرص الدخل البديلة في هذه المنطقة يُجبر السكان المحليين على توسيع الأراضي الزراعية وزيادة أنشطة الرعي، مما يؤدي إلى ضغط إضافي على البيئة والتنوع البيولوجي، مضيفة أن هذه الأنشطة قد تؤدي إلى تدهور البيئة الطبيعية إذا لم يتم إيجاد حلول مستدامة.


المصدر: ريف اليمن + المركز الوطني للمعلومات + موقع محافظة المهرة

الكاتب

مواضيع مقترحة: