حوادث سير مأساوية تشهدها مديرية وصاب العالي في محافظة ذمار وسط اليمن، إذ أصبحت الطرق الوعرة شريان موت للمسافرين بدلًا من أن تكون شريان حياة يربط أبناء المنطقة بالعالم الخارجي؛ نتيجة الانهيارات المتكررة، وانعدام الصيانة منذ سنوات.
يروي الناشط الاجتماعي “محمد جحانة”، حادثة مأساوية شهدتها الطريق، تعرض لها الدكتور “فؤاد القاضي” وأسرته أثناء زيارتهم لجبل مطحن، حيث لقي ثمانية أشخاص مصرعهم، وأُصيب خمسة آخرون؛ بسبب تهالك الطريق وعدم صيانتها.
حصد الأرواح
يضيف جحانة خلال حديثه لمنصة ريف اليمن: “قمنا بواجبنا، وأسعفنا المصابين إلى بَعلة والمَسحل، مركز مديرية وصاب العالي، لكن المسافة الطويلة التي تقدر بأكثر من ساعة، من مكان الحادث ووعورة الطريق وقفت حاجزاً أمام محاولة إنقاذهم”.
وفي حادثة مأساوية أخرى، امتزجت دماء 34 طالبًا وطالبة بعد انقلاب سيارة تقلّهم إلى مدرسة النجد في نقذ، ما أسفر عن وفاة 11 طالبًا وإصابة 23 آخرين بإصابات حرجة في يوليو 2022. كان السائق “محمد حمود المُصنف” يقوم يوميًا بإيصال الطلاب إلى مدرستهم التي تبعد عن القرية مسافة 5 كيلومترات صعودًا بين الجبال المعلقة، لكن هذه المرة لم يصل أحد بسلام.
لا تقتصر المعاناة على المسافرين والطلاب، بل تمتد لتطال النساء الحوامل والمرضى؛ حيث تعيش النساء في جبال وصاب العالي المعلقة بين ألم المرض والمعاناة والحرمان من الخدمات الأساسية.
مواضيع مقترحة
إب: مبادرة طريق “نقيل شُضّيف” ملحمة مجتمعية تتحدى الصعوبات
قرى الخَلل جنوب تعز: مساكن تحت تهديد الصخور
رصف الطرقات.. مبادرات ريفية لإنقاذ الحياة
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الانمائي، أصبحت الحياة أكثر صعوبة في المجتمعات الريفية في اليمن بسبب تقيد الطرق الوعرة الوصول إلى الخدمات الحيوية والموارد والتعليم وفرص العمل والإمدادات الغذائية.
“سامي محمد” (25 عاما) من أبناء وصاب العالي يروي قصة والدته وأخيه عبدالله اللذين لقيا حتفهما في حادث سير أثناء توجههما إلى صنعاء للعلاج. يقول سامي: “فقد السائق السيطرة في المنعطفات الخطيرة في إحدى الطرقات، ولم ينجُ أحد من ركاب السيارة”.
معاناة دائمة
في ذات الطريق، خسر المغترب “فاضل عبدالله” زوجته وجنينها وابنهما محمد أثناء نقلهم إلى المستشفى عندما كانت زوجته تصارع ألم الولادة في القرية، وأثناء عملية إسعافها انقلبت السيارة في نقيل نقذ، ما جعله يردد بحسرة: “ليتني لم أسعفهم”.
تتفاقم معاناة سائقي السيارات -الذين يخاطرون بحياتهم يوميًا لخدمة المواطنين- باستمرار، إذ يوضح “عبدالله حيدر (33 عاما)”، سائق سيارة هايلوكس، أن الطريق بات أكثر تدهورًا؛ خاصة في منطقة طلعة الدن، التي ازدادت سوءاً بسبب الأمطار.
ويقول حيدر لمنصة ريف اليمن: ” نعاني دائمًا جراء تدهور الطرقات. رغم دفعنا لرسوم النقل، إلا أن المجلس المحلي لا يقدم أي حلول جذرية لإصلاح الطريق”.
أما “أحمد العياشي” (44 عاما)، سائق باص، فيشير إلى أن الحوادث في وصاب العالي باتت أمرًا معتادًا، قائلاً: “فقدنا زملاء كثر، واحداً تلو الآخر، الطريق خطيرة، وعندما ينزل السيل يسدّ العبّارات، كما أن تساقُط الصخور يجعل الطريق أكثر خطورة، خاصة أسفل طلعة الدن”.
“فايز النهاري”، أحد السائقين، هو الآخر يؤكد أن منطقة كبود المطناج تُعتبر الأشد خطرًا ووعورة على سائقي الباصات، حيث يتطلب العبور منها ثلاث ساعات. ولايزال النهاري وزملاؤه يتذكرون هول الصدمة الذي جرت لزميلهم “شمسان العياشي” في نفس الطريق؛ عندما توفي 6 أشخاص وأصيب 10 آخرون في هذا الطريق.
تقاعس من السلطات
رغم كل الحوادث، وقصص المعاناة في وصاب العالي والأسفل بسبب وعورة الطريق، لا تزال الجهات الرسمية عاجزة عن تقديم حلول؛ كالقيام بترميم الطريق أو إصلاح الخراب الحاصل.
وقال مدير مديرية وصاب العالي مجاهد المصنف، إنه وبحسب إدارة الحوادث، فإن عام 2023 شهد وفاة 23 شخصًا، وإصابة 47 آخرين بسبب الحوادث المرورية، مع تزايد ملحوظ في عام 2024.
من جانبه، أوضح المهندس “أنس عمران” من مكتب الأشغال العامة والطرق بمحافظة ذمار أن مشروع طريق “ذمار – الحسينية” يواجه تحديات كبيرة تعرقل استكماله، قائلا: “ليست بالسهولة المتوقعة أن يحصل مكتب الأشغال في المحافظة على الدعم المادي لإكمال تنفيذ مشروع ذمار – الحسينية الذي يمر من وصاب العالي”.
وأضاف: “نواجه عدة مشاكل أدت إلى عرقلة إكماله، ونقوم بعمليات صيانة جزئية، لكن هناك حاجة لدعم أكبر لإصلاح الطريق بالكامل، خاصة في المناطق الأكثر خطورة؛ مثل طلعة الدن التي يعاني منها الجميع، وأصبحت كمثلث برمودا بالنسبة للمارين منها”.
وأشار عمران إلى أن تحميل المركبات أكثر من طاقتها يُعد أحد الأسباب الرئيسية للحوادث، داعيًا السائقين إلى الالتزام بالقوانين المرورية. ويختتم: ” نأمل منهم مواصلة عملية الترميم والصيانة على طول هذا المشروع، لأن الحوادث أصبحت بالعشرات خلال السنوات الأخيرة 2023 و2024″.