تمكّن المئات من طلاب وطالبات ريف شَرْعب بمحافظة تعز، من مواصلة تعليمهم الجامعي، عقب إنشاء “كلية المجتمع” عام 2013، ودراسة تخصّصات مهنية وطبية، مكنتهم من الحصول على فرص للعمل، وتخفيف معاناتهم.
وأنشئت كلية المجتمع بمنطقة شَرْعب السلام الواقعة في ريف تعز الغربي، بقرار جمهوري عام 2011، وافتُتحت عام 2013. وقد بدأت الكلية أولى دفعاتها بعدد 187 طالبا وطالبة، في أربعة تخصصات هي: الإدارة والتمريض والتسويق والشبكات، في بادرة شكّلت علامة فارقة على مستوى التعليم في المنطقة.
عبير محمد، التي كانت تحلم بالدارسة الجامعية، تمكنت بفضل وجود الكلية من تحقيق حلمها ومواصلة تعليمها، وتخرجت من قسم التمريض عام 2017، على غرار كثير من الطلاب الذين تمكّنوا من مواصلة تعليمهم في الكلية والحصول على فرص عمل.
وفور تخرجها من قسم التمريض، تمكّنت عبير من الحصول على فرصة عمل بإحدى المستشفيات الريفية بالمديرية، وذلك مكّنها من مساعدة زوجها بتحمل تكاليف نفقات المنزل وتجاوز التحديات المعيشية، وهي تشعر بامتنان كبير لدور كلية المجتمع.
تقول عبير: “لولا كلية المجتمع، لحُرمت وكثير من الطالبات من مواصلة الدراسة بعد تخرجنا من الثانوية، نتيجة لعدة عوامل يأتي في مقدمتها التكاليف الباهظة للدراسة بالمدن”.
وتضيف لمنصة ريف اليمن: “عند التحاقي بالكلية كنت أمّا لطفلتين، وكان لدي مسؤوليات كثيرة تجاه أسرتي، وعلى الرغم من تشجيع زوجي لمواصلة تعلمي الجامعي، كان الانتقال إلى المدينة يكلف مبالغ مالية كبيرة، لكن وجود الكلية وفّرت علينا كل ذلك”.
منع تعليم الفتيات
بالإضافة إلى العامل الاقتصادي، تشير عبير إلى وجود عوامل أخرى تعاني منها الفتيات، وهو اكتفاء بعض الأسر بالمديرية بتعليم الفتيات إلى مرحلة الثانوية فقط، واعتبار التعليم الجامعي غير مهم لهن، والأولوية للزواج والقيام بالواجبات المنزلية، لكن وجود الكلية في المنطقة غيّر هذه النظرة وحفز أولياء الأمور للسماح لهن بمواصلة التعليم.
وشهدت الكلية إقبالا كبيرا، بحسب مدير الكنترول بالكلية، نبيل حمود، الذي أوضح أنه منذ افتتاح الكلية حتى العام 2023، استُقبل ما يقارب 3,090 طالبًا وطالبة، منهم 1908 طالبات أي ما نسبته 60%.
وعن التخصصات في الكلية أجاب حمود: “المحاسبة، الحاسوب، التسويق، التمريض، الإدارة، نظم المعلومات، تقنية المعلومات، القبالة، مساعد طبيب، وفني عمليات، لكن بعض تلك الأقسام تُفتتح لدُفع محدودة، وليس بشكل مستمر بسبب شحة الإمكانات”.
وأضاف نبيل لمنصة ريف اليمن: “إذا فتحنا هذا العام، على سبيل المثال، باب التقدم لتخصص فني عمليات، فقد نغلقه العام القادم، ونفتح مساعد طبيب، لأن الهدف هو تنويع الخريجين وليس تراكم عدد كبير في تخصص معين بالمديرية”.
مشيرا إلى أن هذه الآلية تضع بالاعتبار مساعدة الطلاب بعد تخرجهم وحصولهم على شهادة دبلوم عالي تقني، على القبول بالوظائف التي تخدم المجتمع.
موضحا أنهم فتحوا هذا العام باب التسجيل في كل من التخصصات الآتية: فني قبالة، فني مساعد طبيب، فني صيدلة، فني مختبرات، محاسبة، ويضيف: “وكنا في صدد فتح باب التسجيل في قسم الحاسوب، لكنه لم يستوف العدد المطلوب من المتقدمين هذا العام”.
تعز وتداعيات الحرب
عن تداعيات الحرب، قال عميد كلية المجتمع الدكتور أحمد الحيدري: “إن الحرب انعكست سلباً على الكلية، وكان لها تأثيرات أبرزها: الميزانية التشغيلية التي لم تكن كافية بالشكل المطلوب لتجويد العملية التعليمية والارتقاء بها؛ إذ توقفت تماما بعد الحرب”.
وأضاف قائلا: “إن ظروف الحرب حالت بين وصول كثير من الكادر التدريسي الذي كان يعمل في الكلية، فلجأت العمادة إلى التعاقد مع حاملي الشهادات والخبرات من أهالي المديرية، ويمثل حملة شهادة الدكتورة ما نسبته 20% فقط، فيما 80% هم من المعيدين”.
يضيف الحيدري: “نعتمد حاليا على نفقات رسوم التسجيل التي يدفعها الطلاب، وبسبب الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها الناس، ولذا يصعب علينا تجميع ما نسبته نصف الرسوم مؤخرا، وهي لا تفي حتى لو دُفعت مكتملة، لذا نكتفي على صرف النفقات الضرورية والماسة لاستمرار العملية التعليمية”.
وأكد عدم توفر الدعم المالي من قبل الأطراف المختلفة، سواء في صنعاء، أم عدن، وما نحصل عليه لا يكاد يمثل 5% من النفقات التشغيلية، لافتا إلى أن 30 موظفا وعاملا في الكلية ما زالوا متعاقدين ولم يُثبّتوا حتى الآن.
يتطلع الحيدري إلى صرف منحة الصندوق الكويتي التي تعرقلت بسبب أحداث 2011 وما تبعها من ظروف، والتي كانت تشمل تقديم 60 مليون دولار أمريكي لـ12 كلية من كليات المجتمع في الجمهورية اليمنية، من ضمنها هذه الكلية، وتغطي نفقات تجهيز تلك الكليات بالأثاث والمعامل الدراسية وغيرها.
وقال الحيدري إنهم حاليا على تواصل مع السلطات في عدن، لكي تحصل كلية المجتمع في شرعب على حقها، لافتاً إلى أن أملهم كبير في تعاطيهم الإيجابي.
ويختم: “نطمح أن يكون هناك دعم كاف يمكننا من تطوير البنية التحتية وتجهيز المعامل، مما يساعد في افتتاح أقسام جديدة واستيعاب أعداد كبيرة من الطلبة، ويمكن من افتتاح برنامج البكالوريوس التقني، فلدينا البنية التحتية من مبان ومرفقات، ولا ينقصنا سوى الدعم اللازم والرعاية الحكومية الفاعلة”.