في السنوات الماضية، تخلّى كثير من المزارعين اليمنيين عن تربية الأبقار بالمناطق الريفية لأسباب عدة، أبرزها التغيرات المناخية، وتوسع زراعة شجرة القات، ووصول الإنترنت والجوالات إلى الأرياف.
وتسبب وصول الإنترنت والجوالات إلى بعض المناطق الريفية بإشغال كثير من السكان على رأسهم النساء عن الاهتمام بالأبقار، والعزوف عن تربيتها، وهو ما انعكس سلبا على حياة الأسر، وفاقم من معاناتهم في بلد تعصف به الحرب منذ أكثر من ثماني سنوات.
ووفقا للأرقام الواردة في الكتاب السنوي للإحصائيات الزراعية الصادر عام 2016 عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية التابعة لجامعة الدول العربية، فإن عدد الثروة الحيوانية (الأبقار) بلغ في اليمن خلال عام 2015 [1721.900] بقرة، لكنه شهد تراجعا ملحوظا حيث بلغ خلال عام 2021 [1250.000] بقرة، وفقا لإدارة الإحصاء في وزارة الزراعة اليمنية.
ويتحسّر الزارع عصام القوسي (42 عاما) على قرار تخليه عن تربية الأبقار. ويقول لمنصة “ريف اليمن”: “بعد أن كنتُ أتناول السمن البلدي بشكل شبه يومي، أفتقد الآن لتذوقه ولو لمرة واحدة في الشهر. أستطيع القول إني فقدت البقالة المجانية من داخل المنزل”.
تراجع زراعة الأعلاف
قبل اندلاع الحرب، كانت مساحة المراعي الطبيعية في اليمن تبلغ نحو 16 مليون هكتار موزعة على مناطق بيئية شديدة التباين، وتمثل المصدر الرئيسي لغذاء الثروة الحيوانية، وتختلف طبيعة النباتات الرعوية المنتشرة وفقاً لطبيعة المناطق، بحسب المركز الوطني للمعلومات.
وأدى توسع زراعة شجرة القات إلى تراجع نسبة زراعة الأعلاف، خصوصاً بعد إقبال المزارعين على زراعته طلبا للدخل السريع، وهو ما جعل الأبقار تواجه تهديدا وجوديا بسبب نقص الأراضي الزراعية التي توفر الأعلاف والحشائش، واضحت معظم المنازل خالية من الأبقار.
ويقول القوسي إنه تخلى عن تربية الأبقار في عام 2012 نتيجة استبدال زراعة شجرة القات بزراعة الحبوب المتنوعة، مما جعل أسرته تواجه صعوبات كبيرة في توفير ما يكفي من الأعلاف لسد حاجة الماشية. ويتمنى العودة مجددا لتربية الأبقار، لكنه يرى صعوبة في ذلك، بسبب عدم توفر الغذاء والأعلاف الكافية.
ويضيف لمنصة “ريف اليمن”: “الزبادي أصبح من الأساسيات التي نشتريها بشكلٍ يومي، ونعتمد على الحليب الصناعي للأطفال، وهو ما يكلف مبالغ مالية كبيرة”.
تماماً مثل القوسي، يشعر المزارع محمد مجاهد (48 عاما) بالحسرة والندم بسبب تخلّيه عن تربية الأبقار، ويتذكر كيف كانت حياة أسرته تنعم بالحليب والحقين والسمن عندما كان يمتلك بقرة، حتى أتت شجرة القات وتسببت بخلو معظم المنازل من الأبقار حسب وصفه.
ويقول مجاهد لمنصة “ريف اليمن”: “كانت أمي تجمع السمن لمدة أسبوعين، فتحصل على نحو لترين من السمن البلدي، ثم نبيعه في الأسواق، ونتمكن من شراء بعض من احتياجاتنا الأسبوعية، ويبلغ سعر اللتر من السمن بين (3500 – 5000) ريال”.
ويضيف: “كانت البقرة سابقاً توفر لنا ما نحتاجه من اللبن والحليب في الوجبات اليومية، ولم نلجأ يوما لشراء الزبادي ومشتقاته من المحلات التجارية، أما الآن فالشراء بشكل يومي”.
النساء وتربية الأبقار
في الغالب تعد المرأة هي صاحبة الدور الرئيس في تربية الأبقار؛ إذ إن تربية الأبقار تكاد تكون مقصورةً على النساء، وهن مَن يقمن بإطعام الأبقار يومياً، وجلب الحشائش وحصد الأعلاف من محيط المزارع، ولكن ليس انعدام الحشائش وحده ما تسبب بالعزوف عن تربية الأبقار؛ إذ توجد مناطق متعددة لم تصل إليها حتى اللحظة زراعة شجرة القات، لكن شكاوى المواطنين تتوالى من عزوف النساء عن تربية المواشي برغم توفر الإمكانيات والبيئة المناسبة.
ويُرجع المزارع السبعيني مهدي الحداد سبب عزوف النساء عن تربية الأبقار إلى ما أسماه بـ”الدلع” عند بنات هذا الوقت ويقول: “هذه التصرفات ظهرت بعد وصول الإنترنت والجوالات بأوساط النساء الريفيات”.
وقال الحداد لمنصة “ريف اليمن”: “المشكلة هي اقتناع عدد كبير من الرجال بمطالب النساء بالتخلي عن تربية الأبقار، حتى وصل الأمر عند بعض أولياء الأمور إلى الاشتراط على مَن يتقدم إلى الزواج بابنته بعدم مطالبة البنت بتربية الأبقار”.
وتحتفظ البقرة بمكانتها الكبيرة في العائلة الريفية، وذلك بصفتها واحدة من أهم المقومات الرئيسية في الأسرة، حيث كان لا يخلو منزل ريفي من وجود البقرة.
وتُقدّر أحدث البيانات الصادرة عن إدارة الإحصاء والمعلومات الزراعية في وزارة الزراعة حجم الثروة الحيوانية في اليمن لعام 2021 بنحو 20.9 مليون رأس، منها مليون و250 ألف بقرة، بعد أن كان عددها خلال عام 2015 1721.900 وفقا للمنظمة العربية للتنمية الزراعية.
وعن أهمية تربية المواشي، يقول الخبير الاقتصادي رشيد الحداد: “إن تربية الحيوانات وخاصة الأبقار والأغنام يُعد جزءا رئيسيا من ثقافة المجتمع اليمني الريفي، وينظرون إليها بوصفها عادة متوارثه ترتبط بفلاحة الأرض والاعتناء بها، لذلك هي من أهم العادات التي توارثها المزارعون”.
رافد اقتصادي
ويضيف الحداد لمنصة “ريف اليمن” أن دور المواشي متعدد الجوانب، فتربيتها تسهم في منح المزارع الألبان والزبدة واللحوم، بالإضافة إلى أن بيعها صغارها مجدٍ اقتصاديا، ولذلك خففت بشكل كبير من معاناة المزارعين اليمنيين خلال السنوات الماضية.
وتساعد الثروة الحيوانية سكان الريف على توفير متطلبات المعيشة اليومية من ألبان وحقين ولحوم وغيرها، كما تُعد الثروة الحيوانية عاملا مساعدا للأسر الريفية، حيث تقوم ببيع صغارها وتوفير متطلبات أخرى كالملابس والحبوب والعلاج وغيرها.
وبحسب بيان أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو في 2020، توفر الثروة الحيوانية الدخل الرئيسي لأكثر من 3.2 مليون شخص، في جميع أنحاء اليمن، حيث تربي الأسر الأغنام والماعز والماشية، وتعتمد على استهلاك وبيع منتجاتها للبقاء على قيد الحياة.