للحصول على 20 لتر من الماء، يتعين على السيدة عائشة حسن قطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام للوصول إلى منبع المياه في قريتها الواقعة في منطقة السّبرة شرقي إب (وسط اليمن)، وهذا حال معظم السكان في ريف المحافظة الذين يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على المياه الصالحة للشرب خلال فصل الشتاء.
مع بداية فصل الشتاء في ريف محافظة إب، في أكتوبر /تشرين الأول تتضاعف معاناة السكان في الحصول على المياه الصالحة للشرب، إذ تتعرض ينابيع المياه للجفاف بالإضافة إلى انخفاض كمية تدفق المياه من العيون والينابيع المتواجدة في بعض القرى والمناطق الريفية خلال فصل الشتاء الذي يستمر لنحو ستة أشهر.
ويعاني سكان المناطق الريفية في المحافظة وبقية المحافظات اليمنية من صعوبة كبيرة في الحصول على المياه، وفق تقرير صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن اليمن تعيش أزمة خانقة في توفير المياه؛ إذ لا تغطي شبكة أنابيب المياه إلا 30% من السكان، مبينا أن أكثر من 15 مليون شخص يلجؤون إلى طرق مكلِّفة ومستهلكة للوقت في سبيل الحصول على ما يكفيهم من المياه.
مشقة البحث عن الماء في الشتاء
خلال فصل الشتاء تتضاعف معاناة السيدة عائشة البالغة من العمر 41 سنة، فهي كما الملايين من اليمنيين تعيش ظروفا معيشية قاسية، إذ لا يمكنها شراء صهاريج المياه الباهظة، لأن زوجها يعمل بالأجر اليومي وهو بالكاد يتمكن من تأمين متطلبات الحياة الضرورية لأفراد الأسرة المكونة من 10 أشخاص.
تقول السيدة عائشة لـ “منصة ريف اليمن”: “في الشتاء لا نجد ما نشرب نمكث ساعات طويلة أمام منبع المياه في سبيل الحصول على 20 لتر من الماء، أذهب في الصباح الباكر تحت رحمة البرد القارص، قريتنا جبيلة وهي شديدة البرودة في الشتاء”.
وتضيف: “توجد فقط عين واحدة للمياه في قريتنا يعتمد عليها سكان القرية ومع حلول الشتاء يقل خروج الماء منها وعلى الرغم من أنها تزداد بشكلٍ كبير خلال موسم هطول الأمطار في الصيف لكن مع الأسف تهدر في الأرض من دون أن يستفيد منها السكان بسبب عدم وجود خزانات لحفظها”.
تماماً مثل عائشة يُضاعف الشتاء معاناة عادل راجح( 50 سنةً) فهو يعاني من صعوبات كبيرة في الحصول على مياه الشراب على غرار مئات المواطنين في القرية التي يعيش فيها مع أسرته في منطقة السياني جنوب محافظة إب.
لا توجد عين مياه في القرية التي يعيش فيها راجح فهو حسب قوله لـ “منصة ريف اليمن” يسافر في الصباح الباكر إلى قرية تبعد مسافات طويلة، على أمل الحصول على المياه لافتاً إلى فترة خروج الماء من المنبع لا تتجاوز أكثر من ساعة واحدة في اليوم ومن ثم يعود إلى الانقطاع وفي حال تأخر عن الموعد فإنه سوف يُحرم من الحصول على الماء”.
تتضاعف تكاليف صهاريج المياه بشكل غير مسبوق خلال فصل الشتاء إذ تصل إلى نحو 20 ألف ريال يمني أي ما يعادل نحو 40 دولار أمريكي، في حين تتجاوز نحو 30 ألف ريال في المناطق البعيدة”، حسبما أكد راجح.
وتابع: “نحن غير قادرين على شرائها بفعل تدهور وضعنا المعيشي، أنا مثل غيري من المواطنين اعمل بالأجر اليومي وبالكاد أتمكن من شراء الاحتياجات الضرورية نمكث أسابيع من دون عمل، الأوضاع المعيشية أثقلت كاهلنا نعيش أتعس أيام حياتنا “.
وفي ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها اليمنيون يعد ثمن صهاريج المياه الذي وصل إلى أكثر من 30 ألف باهظاً جداً مقارنةً مع تدني مستوى دخل المواطنين في بلد صُنف ضمن أسوأ الأماكن في العالم للعيش، إذ تشير أحدث التقديرات إلى أن نحو 50 ألف شخص يعيشون حاليًا في ظروف تشبه المجاعة، ويشتد الجوع في المناطق المتضررة من الصراع، ويحتاج ما يقرب من 21 مليون شخص، أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان إلى مساعدات إنسانية وحماية.
تداعيات الحرب
خلال السنوات الماضية تسببت الحرب بانقطاع شبكات المياه الحكومية، في العديد من المحافظات والمدن وعلى وجه الخصوص في المناطق الريفية، حيث أدى الإهمال وارتفاع أسعار مادة الديزل إلى انقطاع شبكات المياه المتواجدة في غالبية المديريات من بينها ريف محافظة إب الذي يعاني فيها المواطنون من صعوبات جمة في الحصول على المياه الصالحة للشرب.
ولمعرفة الأسباب وراء استمرار توقف مشاريع المياه الحكومية في محافظة إب، حاول معد التقرير التواصل مع إدارة مشروع المياه في المحافظة لكن معظم المسؤولين رفضوا الإدلاء بأي معلومات كونهم غير مخولين بالحديث مع وسائل الإعلام حسب قولهم.
تجدر الإشارة إلى أن غالبية مشاريع المياه التابعة لمستثمرين في محافظة إب توقفت عقب اندلاع الحرب بعضها نتيجة لتراكم الديون لدى المواطنين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن سداد فاتورة المياه بعد أن أثقلت كاهلهم تبعات الحرب وأصبحوا غير قادرين على تأمين الغذاء لأفراد عائلاتهم.
وبالإضافة إلى ذلك أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى مضاعفة تكاليف صهاريج المياه بشكل غير مسبوق والتي بدورها انعكست سلبًا على المواطنين وتفاقم معاناتهم في الحصول على مياه الشرب خلال فصل الشتاء.
هدر للمياه
وفقًا للهيئة العامة للأرصاد الجوية اليمنية، فإن تقديرات هطول الأمطار السنوية في اليمن تصل إلى 65 مليار متر مكعب، وتحدث أعلى مستويات الهطول في بعض مناطق محافظة إب وسط اليمن، والتي تتجاوز 800 ملم/ سنوياً، تليها محافظة المحويت شمالًا والتي تتجاوز 600 ملم/ سنوياً.
على الرغم من كل تلك الكميات الكبيرة إلا أن غالبية سكان المناطق الريفية في المحافظة يعانون من صعوبات جمة في الحصول على المياه خصوصاً مياه الشرب نتيجة الإهمال المتعاقب من قبل السلطات المعنية وعدم وجود آلية في الاستفادة من مياه الأمطار وتقديم الدعم لهم في بناء سدود، وخزانات مائية لحفظ المياه.
ويعتمد سكان المناطق الريفية على مياه الأمطار بالدرجة الأساسية وكذلك العيون الطبيعة النقية المتواجدة في بعض القرى، وهي تتوفر فقط خلال فصل الصيف لكن الكثير من السكان يفتقرون إلى الإمكانيات والقدرات التي تمكنهم من بناء الخزانات والحواجز المائية والاستفادة من هذه الكميات وتخزينها إلى فصل الشتاء.
وفي ظل غياب دور السلطات المعنية والمنظمات الدولية، لجأ السكان في القرى والمناطق الريفية في محافظة إب إلى بناء خزانات مائية بهدف حفظ المياه من تلك الينابيع التي تزداد كميتها خلال موسم الأمطار بجهود ذاتية وإطلاق حملات لجمع التبرعات، إذ تمكن سكان قرية محطب بريف السياني في الحصول على تمويل من متطوعين لبناء خزان سعة 25 متر مكعب لتوفير المياه وتخفيف معاناة المواطنين.