مع بزوغ فجر كل يوم جديد، ينطلق عبدالله أحمد وشقيقته نوار، في رحلة شاقة لجلب المياه الصالحة للشرب لأسرتهما، حيث يقطعون مسافة تقدر بنحو كيلو متر، مشيا على الأقدام، وصولا الى بئر القرية التي تتوفر فيها المياه الصالحة للشرب، في دمنة خدير جنوب مدينة تعز.
ويعد سكان المناطق الريفية اليمنية الأكثر معاناة، حيث يكابدون المصاعب اليومية من أجل البقاء على قيد الحياة، أبرزها الحصول على المياه الصالحة للشرب التي تعتبر من أكبر التحديات المواجهة للسكان في ريف اليمن عامة، وريف تعز التي تعيش إحدى أسوأ أزمات المياه في البلاد، بشكل خاص.
ويقول أحمد في حديث لـ” منصة ريف اليمن”، إن البئر أنشأها فاعل خير قبل اندلاع الحرب، بهدف تغطية احتياج سكان ثلاث قرى متوسطة في منطقة خدير جنوب محافظة تعز، موضحا أنها تفتقر مضخة لرفع الماء، ويضطر السكان لاستخدام ” الدلو” في مهمة تضاعف معاناتهم ومتاعبهم، خاصة النساء والأطفال التي تقع عليهم مسؤولية جلب الماء.
ويضيف أحمد” أن سكان القرى يعتمدون على هذه البئر، ونسبة المياه فيها غير كافية، وفي حال تأخرت عن الذهاب مبكرا فيتوجب عليك الانتظار لساعات، بسبب الزحام، وأحيانا تعود من دون ماء وتضطر للشراء لتغطية الاحتياج اليومي، لا يوجد مضخة ولا خزان، حتى وإن وجد ذلك فإن كمية الماء التي في البئر لن تفي بالغرض”.
وسبق أن حذر البنك الدولي من أن توفير مياه الشرب سيكون أكبر المشاكل التي يواجهها اليمن خلال السنوات المقبلة، مؤكداً أن 18 مليون يمني يعانون عدم القدرة على الحصول على مياه الشرب المأمونة، ومقترحاً مواجهة هذه التحديات من خلال تخزين مياه الأمطار للاستفادة منها.
ويؤكد عبدالله أحمد، أن البئر لم تعد تكفي لتغطية الاحتياج، ويضطر السكان للذهاب الى آبار في مناطق بعيدة بهدف الحصول على الماء الصالح للشرب، خاصة أولئك التي يمتلكون حميرا لنقل الماء من مسافة بعيدة، لافتا إلى أن الازمة تصل ذروتها خلال فصل الشتاء، وتخف تدريجيا خلال الصيف حيث تعود المياه نسبيا للآبار، بالإضافة إلى اعتماد السكان على مياه الأمطار.
ووفقا لتقرير صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2020 فإن اليمن تعيش أزمة خانقة في توفير المياه؛ إذ لا تغطي شبكة أنابيب المياه إلا 30% من السكان، مبينا أن أكثر من 15 مليون شخص يلجؤون إلى طرق مكلِّفة ومستهلكة للوقت في سبيل الحصول على ما يكفيهم من المياه.
استغلال الأمطار
وتعد الأمطار المصدر الوحيد للمياه المتجددة في اليمن، وعلى الرغم من الكمية الكبيرة والمقدرة بـ 68 مليار متر مكعب في السنة، إلا أن ما يزيد عن 65 % من هذه الكمية تعتبر أمطاراً غير فعالة ولا يحدث منها جريان سطحي أو تغذية جوفية، بحسب وزارة المياه والبيئة.
ووفق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن المياه الجوفية في اليمن تُستنفد بمعدل ضعف معدل تجديدها، وبالوتيرة الحالية، يمكن أن تنفد المياه الجوفية في اليمن في غضون عشرين عاماً، بحسب المنظمة.
بدوه قال المواطن أنور قاسم، أن أزمة المياه مشكلة دائمة تؤرق السكان، ولا يوجد أي حلول لها، انتشر حفر الآبار بشكل عشوائي وانعدم الماء بشكل كبير، ولا يوجد رقابة على ذلك، خاصة في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد نتيجة الحرب الدائرة منذ أكثر من تسع سنوات.
ويضيف قاسم في حديث لـ”منصة ريف اليمن”، أن الأسر تكافح طويلا للحصول على مياه صالحة للشرب، وأكثر من يدفع الثمن هم النساء والأطفال، مشيرا إلى أن سعر الوايت الماء سعة 6 آلاف لتر، بلغ 20 ألف ريال (الدولار يساوي 530) في تلك المناطق كونها تقع في نطاق سيطرة حكومة الحوثيين.
وأوضح أن السكان يعتمدون خلال الشتاء على مياه الأمطار، حيث يقومون بجلبه من المنازل ذات السطوح الخرسانية، ويعملون على تخزينه واستخدامه للشرب وصناعة الطعام، في حين يستخدمون مياه البرك للتنظيف وسقى المواشي وغيرها من الاستخدامات.
مشكلة الجفاف
وبحسب البنك الدولي، فإن مما يزيد الأمر تعقيداً أن الصراع في اليمن ترك آثاراً شديدة على البنية التحتية للمياه، ناهيك عن أن التفاوت في متوسط تساقطات الأمطار السنوية، وتعرض بعض مناطق اليمن بالفعل لنوبات الجفاف، يمثلان مشكلتين أدى تغير المناخ إلى تفاقمهما.
وبحسب التقرير تعاني قرى ريفية لا حصر لها من قلة الخدمات الأساسية في شتَّى أنحاء اليمن، لكن نقص المياه الصالحة للشرب هو أكبر التحديات التي يواجهها الكثيرون في هذه المجتمعات المحلية الأكثر احتياجاً، مضيفا أن الحصول على المياه يعد عملاً روتينياً يومياً، ودائماً ما تقع المسؤولية عن جلبه تقريباً على كاهل النساء والأطفال.
وقبل حالة الاضطراب التي اجتاحت اليمن منذ بداية 2011، قدّرت المسوحات أن 4.5 مليون طفل يعيشون في منازل لا يتوفر فيها مصدر مياه محسن وأن أكثر من 5.5 مليون طفل لا تتوفر عندهم خدمات صرف صحي ملائمة، بحسب منظمة اليونيسيف.