مع هطول الأمطار الموسمية في ريف مدينة إب، أواخر آذار/ مارس الماضي، استبشر المزارع علي يحيى (55 سنةً) خيراً بموسم زراعي أفضل، فهو كما المئات من المزارعين اليمنيين يتطلع إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب المتنوعة، والتعويض عن تراجع المحاصيل الزراعية خلال السنوات الماضية.
وقال يحيى لـ “منصة ريف اليمن”: “بعد أن قضيت فترة طويلة في إصلاح الأرض وتهيئتها للزراعة، تمكنت منتصف نيسان /أبريل من غرس البذور في المزرعة التي تبلغ مساحتها (400 متر مربع)، وتقع في إحدى وديان قريتي التي أسكن فيها مع أفراد العائلة بمنطقة السياني جنوب محافظة إب الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي.
وفي بداية نيسان/ أبريل يبدأ المزارعون في ريف محافظة إب (وسط اليمن) في غرس الثمار في الوديان، والحقول والجبال، بعد إصلاح الأراضي وتجهيزها للزراعة، حيث يعد شهر نيسان هو موسم غرس البذور بمختلف المناطق الريفية إذ تعتمد غالبية المجتمعات الريفية على الزراعة بدرجة أساسية خصوصاً عقب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين بفعل استمرار الحرب المندلعة في البلاد منذ أكثر ثماني سنوات.
يشكل اليمنيون الذين يعملون في القطاع الزراعي الشريحة الأوسع في البلاد فهي المصدر الأول للدخل لنحو 73.5% من السكان، سواء بصورة مباشرة من خلال الزراعة أو غير مباشرة من الأنشطة ذات العلاقة بالخدمات والتجارة أو التصنيع، وتساهم بحوالي 80% من الدخل القومي اليمني، وتوفر فرص عمل لحوالي 54% من القوة العاملة في أنحاء البلاد.
يعلق الخبير الاقتصادي اليمني رشيد الحداد قائلاً لـ “منصة ريف اليمن”: “غالبية السكان في المناطق الريفية يعتمدون على الزراعة لذلك ينبغي الاستفادة من موسم الامطار لتحقيق أعلى معدل انتاجية، ويجب على الجهات المعنية في الدولة تقديم الدعم للمزارعين وتفعيل دور مختلف المكاتب الزراعية ومضاعفة الارشاد الزراعي في مختلف وسائل الإعلام.
ثم يضيف: “اليمن بلد زراعي بامتياز، واليمنيين بطبعهم فلاحون، والنشاط الزراعي يحتل المرتبة الأولى وعقب اندلاع الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية كان العمل في المجال الزراعي هو ملاذ الكثير من سكان المناطق الريفية”.
نيسان موسم غرس البذور
في 20 نيسان /أبريل الماضي كان المزارع أحمد ناجي (60 سنةً) على موعد مع غرس البذور في المزرعة الخاصة به والتي تبلغ مساحتها (300 متر مربع)، وتقع بوادي يطلق عليه السكان “المساعيد” إحدى وديان قريته التي يعيش فيها مع أسرته بمنطقة السياني جنوب مدينة إب وسط اليمن.
يتحدث ناجي لـ “منصة ريف اليمن” باللهجة العامية التي يستخدمها المزارعون هناك فيقول: “إذ جاء نيسان لا تخبر إنسان تلام جبل ووادي”، يعني بذلك أن شهر نيسان هو موعد زراعة الثمار في الاراضي والوديان، حيث أن المزارعين يبدوان في غرس المحاصيل المتنوعة مثل الذرة البيضاء، والذرة الشامية والبقوليات مثل، الفول، والفاصوليا، بعد إصلاح الأرض وتهيئتها للزراعة.
يشرح ناجي مراحل غرس البذور في المناطق الريفية فيقول: “يبدأ المزارعون منذ الأيام الأولى من شهر نيسان في زراعة الحبوب (الذرة البيضاء) في الأراضي التي تقع في سفوح الجبال ثم تليها الذرة الشامية في الوديان والحقول، ويمر نمو البذور عقب زراعتها بمراحل متعددة تتطلب الاعتناء والعمل حتى موسم الحصاد بعد مرور ستة أشهر، لتبدأ مرحلة حصد الثمار التي يطلق عليها المزارعون أيام الخير”.
وتتصدر زراعة الحبوب الغذائية المرتبة الأولى في قائمة المحاصيل الزراعية في اليمن بنسبة 47% من إجمالي المساحة الزراعية في اليمن وتحتل نصف المساحة الزراعية للمحاصيل المتعددة في البلاد إذ تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2017 بأن الحبوب تستحوذ على مساحة 512,666 ألف هكتار من اجمالي مساحة المحاصيل الزراعية لليمن البالغة 1,084,008 مليون هكتار.
السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي
يسعى كلٌ من يحيى وناجي ومعهم المئات من المزارعين في ريف محافظة إب إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب المتنوعة لنحو سنةٍ كاملة، إذ أن غالبية السكان يعتمدون على الزراعة في تأمين الغذاء لأفراد عائلاتهم، ولا يمتلكون مصادر دخل أخرى.
يقول ناجي لـ” منصة ريف اليمن” بأن: “إجمالي المحاصيل الزراعية التي كان يحصل عليها في السابق كافية لإطعام أسرته لسنة كاملة حتى يعود الموسم الزراعي من جديد في أن الاحتياجات الأخرى مثل السكر والزيوت فهو يشتريها مما يحصل عليه من بعض أولاده الذين يعملون بالأجر اليومي بمهن مختلفة”.
يلفت ناجي إلى تراجع كمية المحاصيل الزراعية خلال السنوات الماضية نتيجة تراجع هطول الأمطار الموسمية وذلك انعكس سلباً على المحاصيل المتنوعة التي تراجعت إلى أقل من النصف وهي بذلك لا تكفي لإطعام أسرته حتى لنحو 5 أشهر.
خلال سنوات الحرب التي تعصف بالبلاد منذ تسع سنوات شهد القطاع الزراعي تدهوراً كبيراً، إذ تقول وزارة الزراعة والري في صنعا، بأن إجمالي الخسائر الناجمة عن الحرب والحصار، الذي لحق بالقطاع الزراعي، بلغ 111 مليار و279 مليون و271 ألف دولار خلال السنوات الماضية.
ويشكو المزارعون في اليمن من ارتفاع أسعار الوقود، وغلاء الاسمدة، والمبيدات الزراعية، ومضاعفة الضرائب والجمارك الحكومية التي تفرضها السلطات المختلفة. ومؤخراً برزت مشكلة التغيرات المناخية والتي بدأت مؤشراتها بالظهور في الآونة الأخيرة وهو ما انعكس سلباً على الثمار وتفاقمت معاناة اليمنيين العاملين في الزراعة بشكلٍ غير مسبوق.