المرأة اليمنية في الريف حاضرة وبقوة الى جانب الرجل بمختلف الظروف والمراحل، وتعمل على مساعدة أسرتها بمختلف الطرق بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وتحسين الوضع المعيشي، من خلال ممارستها لأعمال شاقة أبرزها الإهتمام بالارض وتربية المواشي، إلى جانب إحضار الماء من الآبار والعيون التي قد تكون أحياناً بعيدة عن القرية.
في وقت مبكر وقبل شروق الشمس تستيقظ الريفية “نعمة حسن”، لتشعل ضوء منزلها ونار موقدها إيذانا ببدء كفاح يوم جديد ينتظرها، وتضع إبريق القهوة على النار بينما تستكمل ترتيب حجرتها وتجهيز فطور عائلتها، ومن ثم تبدأ بتجهيز اللبن في عملية رج تستمر نحو نصف ساعة.
“نعمة” في أواخر العقد الرابع من عُمرها، لديها 7من الأبناء منهم بنتان تسكن في ريف إب وسط اليمن، وهي إحدى النساء الريفيات اللاتي يعملن في الحقل الخاص بأسرتها لجلب الحشائش من الوادي الى جانب ذهابها في طريق وعرة لمسافة طويلة لجلب الماء من بئر بعيدة في الجبل.
المرأة الريفية
في حديثها مع منصة “ريف اليمن” قالت نعمة “البُكر نُصر، في إشارة الى التبكير فجرا، وتضيف” الوقت كله عمل، والمنازل التي تمتلك الأبقار يجب أن يكون الاستيقاظ فيها بشكل مبكر لحلب الأبقار واعداد الحقين وتنظيف إصطبل المواشي، وجلب الطُعم (اعلاف للابقار) والماء واعداد الغداء قبل الظهيرة”.
وعن معاناة جلب الاعلاف والحشائش للأبقار والاغنام تقول نعمة “إن تشتت مساحة الارض الزراعية بين الوديان الذي يملكها زوجها تزيد من التعب والإرهاق حيث تذهب في الصباح لجلب الحشيش من وادي خارج القرية ” وبعد العصر تذهب لجلب محصول الفاصوليا من وادي أخر”.
مشيرة، إلى أن غلاء صهاريج الماء نتيجة الحرب وتردي الوضع الاقتصادي التي تمر به البلاد دفع الأسر لجلب الماء من العيون مبينة، أنها قبل اندلاع الحرب لم تكن تذهب لإحضار الماء.
“نعمة” واحدة من آلاف النساء في أرياف اليمن بشكلٍ عام، ممن وجدن أنفسهن أمام أعمال شاقة يومية إذ باتت الكثير من الأعمال التي تحتاج الى جهد تنحصر عليهن أكثر من الرجال.
تلتقط نعمة انفاسها لتواصل الحديث حيث تقول” نكابد الحياة ونتحمل النصيب الأكبر من الحرب، وحتى ولو استقرت البلاد وصار بإمكاننا شراء صهاريج الماء سيبقى العمل في الأرض وجلب الحشائش والاعتناء بالمواشي مستمرا، وسأظل اعمل فلاحة، مشيرة إلى انها انسجمت مع بيئتها الحالية ولا ترغب في استبدلها”.
وترى الناشطة والاعلامية وداد البدوي “أن من الأسباب الذي دفعت المرأة الى مثل هذي الأعمال الشاقة هي البيئة التي تعيش فيها المرأة الريفية حيث ان البيئة تحمل النساء مسؤولية كل الأعمال الخاصة بالمنزل والحقل وجلب الماء ورعاية الأغنام كل هذي المسؤوليات غير مدفوعة الأجر اقتصاديا”.
تضيف في حديثها لمنصة “ريف اليمن”، “أن النساء في الريف تقضي كل ساعات يومها في العمل ويأتي الرجل ليحصل على الجانب الاقتصادي رغم كل ما تقوم به المرأة في الريف دورت حياتها كلها عمل ومثابرة وأعمال شاقة”، وأشارت: “أن كل هذا العمل لا يدخل ضمن الناتج القومي للبلد أو الاحصائيات الاقتصادية ولا ضمن الاجور التي يجب أن تحصل عليها النساء”.
وقالت البدوي: “النساء تحمل على رأسها ولمسافات طويلة الحجارة من أجل بناء بيت، وتحمل الدقيق والغاز، وتجلب الماء كل هذه الأعمال غير مدفوعة الأجر، كثير من النساء في الريف أرهقن على حق العلاج مقابل الاعمال التي تقدمها ومع ذلك لا تستطيع المرأة ان تكون صاحبة القرار في البيت رغم كل عملها في خدمة اقتصاد الاسرة”.
ويشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ تشير أحدث التقديرات إلى أن حوالي 50 ألف شخص يعيشون حالياً في ظروف تشبه المجاعة؛ إذ يشتدّ الفقر في المناطق المتضررة من الصراع، ويحتاج حوالي 21 مليون شخص (أي أكثر من 66 في المئة من إجمالي السكان) إلى مساعدات إنسانية وحماية وفقاً لتقدير الأمم المتحدة.
معاناة يومية
نساء عدة في أرياف اليمن تحدثن لمنصة ” ريف اليمن عن المعاناة اليومية التي يواجهنها في الحصول على الماء وعن المسافات التي يقطعنها الى الآبار، منهن “خديجة حمود” في الثلاثين من عمرها وأم لخمسة أطفال تعمل على جلب الماء من العيون خارج قريتها والتي قالت إنها سئمت من جلب الماء ووصفت ذلك بالعملية المتعبة الملقي على كاهلها ولولا أنها مهمة إجبارية تحت ضغط الحاجة لما فعلت ذلك.
وأضافت لـ”ريف اليمن”، “اصحو فجرا وأخرج أنا وجارتي مسرعات الى عين الماء لملء دباب الماء قبل أن يسبقنا نساء القرية وحينها نضطر للانتظار لساعة متأخرة حتى يجتمع الماء”.
وقالت خديجة “الكثير من النساء في الريف يعتمدن على مياه الآبار والعيون خلال فصل الصيف لطهي الطعام وسقي المواشي، إذا بات جلب الماء عمل روتني تقوم به النساء في القرية”.
ولا تزال العادات والأعراف السائدة وتقاليد المجتمع اليمني تقف وراء الكثير مما تواجهه المرأة، حيث لا تزال النظرة إلى المرأة المزارعة شيء في غاية الأهمية لدى كثير من الأسر في الريف، والمرأة التي تستطيع تربية المواشي والطباخة على الحطب بشكل تقليدي سمة جاذبة للنساء.
وقال محمد ناجي وهو شاب يسكن في الريف “من أهم المعاير التي يضعها الرجل وأهله عند اختيار الزوجة هي قدرتها على العمل في المنزل بشكل جيد ونشاطها في أعمال تربية المواشي ولا يهمهم مستوى تعليم المرأة العالي”.
وأشار، في حديث لـ منصة “ريف اليمن”، “ان المرأة التي تستطيع العمل تساعد زوجها في البيت بشكل كبير، والتعليم مهم من اجل الأطفال لكنه في الأخير لا يتجاوز أن تكون المرأة تستطيع القراءة والكتابة، يعني أكملت الثانوية العامة وذلك يكفي”.
ومع مرور تسعة أعوام من الحرب المستمرة لا تزال معاناة النساء في أرياف اليمن تزداد سوءا في ظل غياب دور الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، إذ صار العمل في القطاع الزراعي مهمه شاقة على أكتاف النساء الى جانب الاهتمام في شؤون المنزل.
مهمة المرأة اليمنية
وبحسب دراسات أُجريت سابقاً، فإن أكثر من 60% من النساء هن من يتحملن أعباء العمل في القطاع الزراعي، مقابل نسبة 40% من الرجال، وعملت الحرب على تغير في تركيبة السكان في المجتمع اليمني إذ طرأت بعض التغيرات وتبديل الأدوار إذ كانت النساء هن الطرف الأضعف في هذا التغير فبعد أن أنخرط الشباب والرجال في معسكرات القتال ألقيت مهمة شاقة على المرأة في رعاية الأسرة في بلد يعيش أسواء أزمة انسانية.
وقالت الناشطة البدوي “يمكن تحسين حياة المرأة في الريف من خلال الاهتمام بالتعليم، إلى جانب التثقيف وتوعية النساء الريفيات في شتى المجالات الصحية والاقتصادية وغيرها”.
ومن أجل التخفيف عن كاهل المرأة قالت البدوي لمنصة “ريف اليمن”، “من المهم ان يكون هناك مشاريع تنموية تصل إلى الأرياف حتى تخفف من أعباء النساء مثل المياه والتي ممكن أن تخفف من أعباء المرأة”.
وتابعت “بالإضافة إلى شق طرق يستطيع الناس استخدمها. لأن النساء تذهب الى مسافة بعيدة مشيا على الأقدام لجلب المواد الغذائية، مقترحة عمل دراسات جادة وحثيثة لساعات العمل التي تقضيها المرأة الريفية في العمل وأثرها على الاقتصاد اليمني”.