تخطت “سحر”، ذو العشرين عاما، كل العراقيل التي تواجه فتاة الريف، وتحول دون مواصلة مشوارها التعليمي بعد الثانوية العامة، وبدأت مشوارها الجامعي في كلية التربية بجامعة “إقليم سبأ” الواقعة بمحافظة مأرب شمالي اليمن.
التحقت سحر بالجامعة خلال العام 2024، وتسكن في مديرية “الوادي” شرق المدينة (35كم)، تقول “سحر” إنها وجدت دعما من عائلتها لاستكمال تعليمها، لكن التنقل من وإلى الجامعة كان تحديا أمام وصولها الى قاعات الدراسة.
التعليم الجامعي حلم لم يتحقق
وجود الحافلات المجانية لنقل الفتيات من الريف إلى الجامعة والعكس مثّل فرصة ذهبية لـ”سحر” لمواصلة تعليمها، مشيرة في حديثها لمنصة “ريف اليمن” إلى أن “وجود هذه الخدمة كان مشجعاً ومحفزاً لي، ودافعاً قوياً لعائلتي في تشجيعي على مواصلة التعليم”.
لكن انقطاع الطريق الواصل بين مأرب المدينة ومديرية حريب جنوبا حرم المئات من الطالبات هناك من التعليم؛ حيث تعذَّر وصول الحافلات إلى المديرية منذ 2020، بسبب ظروف الحرب، كما أن غياب هذه الخدمة (الباصات المجانية) عن مخيم “السويدا”، والذي يبعد عن الجامعة نحو 18كم، وغيره من المخيمات البعيدة، حرم المئات من الطالبات من مواصلة تعليمهن الجامعي.
مواضيع ذات صلة
الفتيات في ذمار: حرمان قسري من التعليم
طلاب الريف.. الكفاح خياراً إجبارياً لمواصلة التعليم
جهود مجتمعية تنجح في إحياء العملية التعليمية بريف تهامة
ويقول المركز اليمني للدراسات: “على الرغم من أن عدد الجامعات في اليمن قد ازداد تدريجياً (حيث يوجد الآن حوالي تسع جامعات عامة وثمانية عشر جامعة خاصة، يقع معظمها في العاصمة صنعاء)، فإن التحاق النساء بالتعليم الجامعي لا يزال منخفضًا للغاية. وطبقا لآخر بيانات متوفرة من العام 2011، فقد كان معدل التحاق الإناث بالتعليم العالي 6٪ فقط من إجمالي الإناث الواصلات إلى سن التعليم الجامعي”.
ورغم الأهمية الاستراتيجية لتعليم الفتاة إلا أن التحديات تضاعفت خلال السنوات الأخيرة نتيجة الحرب. تقول الدكتورة بدور الماوري إن التحديات التي تواجه الفتيات والنساء في مواصلة تعليمهن في الأرياف اليمنية كثيرة في ظل الحرب المستمرة والصراع الدائم؛ منها الوضع الاقتصادي المتردي الذي يشكل عائقا أساسيا في التعليم.
وفي حديثها لمنصة “ريف اليمن” أضافت الدكتورة بدور، وهي أستاذ دكتور تعمل نائب رئيس جامعة “إقليم سبأ” أن “توقف أغلب المعلمين والمعلمات بسبب الوضع المعيشي، وارتفاع الرسوم الدراسية، وعدم قدرة الأهل على تحمل الأعباء أدى إلى تدني مستوى التعليم، وأدى ذلك إلى تسرُّب كثير من الفتيات من الجامعات والمدارس”.
وبيّنت أيضاً أن “من التحديات التي تواجه تعليم الفتيات: البعد الجغرافي بين القرى والجامعات، وارتفاع تكاليف الدراسة في المدن، وعدم توفُّر الأمان المالي للأسر نتيجة التدهور الاقتصادي الحاصل في البلاد”.
عادات وتقاليد
ونوهت “الماوري” بأن العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية أدت إلى عدم التحاق الفتيات بالتعليم منها “التفرقة والتمييز بين الأبناء في المعاملة، وتشجيع الذكور ودعمهم، وأن الفتاة مكانها المنزل وتربية الأطفال والقيام بالأعمال المنزلية والزراعية ورعاية كبار السن، وأن تعليمها لا قيمة له”.
من جانبها ترى الطالبة “عبير محمد” (22عاماً) -تدرس مختبرات بجامعة خاصة في محافظة إب وسط اليمن- أن “المشكلة لا تقف عند حدود البُعد المكاني وصعوبة الوصول إلى الجامعة، حيث تشكّل العادات والثقافات القبلية قيوداً أخرى لحرمان الفتيات من التعليم العالي”.
وقالت في حديثها لمنصة “ريف اليمن” إن “الكثير من المجتمعات الريفية ترى أن زواج الفتاة أكثر أهمية من الدراسة التي يعتبرونها إهداراً للوقت وتضييعاً للفتاة، علاوة على مواقفها المتشددة من الاختلاط في قاعات الدراسة”.
وأضافت أن الأمر الأكثر صعوبةً يكمن مع الفتيات القادمات من الأرياف الجبلية البعيدة عن المدن؛ حيث تحتاج الفتاة إلى سكن واستقرار بالقرب من الجامعة وهو ما يضاعف الاحتياج المادي، ويثقل كاهل الأسرة.
يقول المركز اليمني للسياسات إن “الأعراف الدينية والاجتماعية والثقافية والجندرية تعزز بعضها البعض، وتؤثر سلبًا على إمكانية متابعة الإناث للدراسة في مساق التعليم العالي، مما يساهم بشكل مباشر في عدم مشاركة المرأة في أدوار خارج المنزل”.
الفتيات في مخيمات النزوح -والتي تقع معظمها في المناطق الريفية لمحافظة مأرب- يواجهن تحديات مضاعفة أمام مواصلة تعليمهن الجامعي، حيث أثَّر النزوح نفسيا على معظم الأسر النازحة.
تؤكد الدكتورة “بدور الماوري” لمنصة “ريف اليمن” أن النزوح أدى إلى آثار سلبية على نفسية الفتيات الأمر الذي أدى إلى تنامي الإحباط واليأس من التعليم لعدم توفر الاستقرار في الجانب المعيشي والصحي.
تحديات وحلول ممكنة
وعبّر الأستاذ “عبدالسلام كريشان” وكيل مدرسة “الرقل” في مخيم “السويدا” عن أسفه لتنامي ظاهرة توقف الفتيات في المخيم -وغيره من المخيمات- عن مواصلة تعليمهن بعد الثانوية، وغياب الثقافة المشجعة على الذهاب للجامعة.
وفي حديثه لمنصة “ريف اليمن” خلال عمله في المدرسة يقول كريشان: “للأسف هذه الظاهرة موجودة وملموسة في مخيم السويدا وغيره من مخيمات النزوح، ومعظم الأهالي لا يدركون أهمية مواصلة التعليم، والزواج مصير الفتاة بعد الثانوية”.
وعن الأسباب الدافعة إلى ذلك أوضح “كريشان” أن “ضعف الوعي لدى الأهالي، وأجواء المخيمات، والتردي الاقتصادي، وغياب التسهيلات والتشجيع المجتمعي أسباب تدفع الفتيات إلى عدم مواصلة تعليمهن”، موضحاً أن “هناك فتيات يواجهن التحديات، ويواصلن تعليمهن لكنهن أعداد محدودة”.
“وفضلا عن ذلك، فإن معظم الطالبات يدرسن ضمن تخصصات محدودة تحاشيا لبيئات تعليمية يكون فيها اختلاط بين الجنسين، وعلى سبيل المثال، فعندما يتعلق الأمر باختيار التخصص، تفضّل معظم العائلات أن تسجل بناتها في مجال التربية والتعليم؛ وذلك أن عملهن كمعلمات في المستقبل يرجح أن يكون بعيدا عن الاتصال بالرجال”، بحسب المركز اليمني للدراسات.
تشدد الدكتورة “بدور الماوري” على أهمية نشر الوعي المجتمعي، وتعزيز ثقافة الأسر بأهمية تعليم الفتيات وذلك بوضع برامج وخططاً للقضاء على ظاهرة التسرب في صفوف الفتيات، والدفع بهن لمواصلة تعليمهن.
وقالت لمنصة “ريف اليمن” إنه “من الضروري اتخاذ إجراءات فعالة لمعالجة هذه المعوقات من خلال تعزيز الوعي بأهمية التعليم للفتيات، وتوفير الدعم المالي، وتحسين البنية التحتية للتعليم في المناطق الريفية”.
ودعت الدكتورة “الماوري” الحكومة والسلطات المحلية في المحافظات إلى إيجاد مساكن خاصة للفتيات القادمات من الريف إلى المدن لمواصلة تعليمهن الجامعي، مؤكدة أن ذلك هو الحل الأسرع لمساعدة الفتيات.
بدوره طالب “عبد السلام كريشان” بتوفير وسائل نقل مجانية للفتيات في مخيمات النزوح تسهل نقلهن إلى الجامعة والعودة، مؤكدا أن ذلك سيشجع كل الفتيات على الذهاب إلى الجامعة.