في قصة نجاح مجتمعية، نجح أهالي عدد من مناطق ريف تهامة غرب اليمن، من إحياء العملية التعليمية بجهود شخصية، عقب تعطلها نتيجة توقف مرتبات المعلمين، وتسرب مئات الطلاب من الفصول التعليمية.
ويعيش المعلمون أسوأ حالاتهم في ظل انقطاع مرتباتهم للعام الثامن على التوالي الأمر الذي أجبر غالبيتهم للتوجه نحو البحث عن فرص عمل من أجل توفير متطلبات الحياة اليومية لأطفالهم وأسرهم.
وانعكس وضع المعلم المأساوي على العملية التعليمية برمتها، خاصة في المناطق الريفية، حيث تعجز غالبية الأسر الفقيرة عن توفير مستلزمات الدراسة لأبنائها، ناهيك عن تكاليف السفر ورسوم المدارس الخاصة في المدن المجاورة.
مبادرة من أجل التعليم
ومن منطلق المسؤولية الاجتماعية، شرع مدراء ومدرسين ووجهاء في بعض مناطق ريف تهامة (غرب اليمن) مناقشة حالة التعليم المتدهور بهدف إيجاد حلول بديلة تتناسب مع قدرة المعلم وتدفع الطلاب الى تلقي دروسهم التعليمية بشكل شبه منتظم وبأقل التكاليف، وهو الأمر الذي نجحوا فيه من إحياء العملية التعليمية.
ويقول المعلم محمد الشميري “ما إن اختلت العملية التعليمية إثر انقطاع رواتب الموظفين وتفاقمت الأزمة بشكل أكثر وضوحا عام 2018 م حتى شعر وجهاء ومدراء المدارس في ريف تهامة الممتدة من المخا بتعز (جنوب غرب اليمن) الى مدينة ميدي بمحافظة حجة شمالا، شعروا بضياع أبنائهم إما لعدم مواصلة الدراسة او للحضور في مباني مدرسية دون مدرسين.
ويضيف الشميري المنحدر من مديرية عبس، لـ”ريف اليمن”، ” لقد أدت الحرب التي تشهدها اليمن الى شل العملية التعليمية بالكامل وكون المعلم اللبنة الأساسية فقد أدى انقطاع الرواتب إلى غيابه ولم يعد بإمكان مدير المدرسة ومكتب التربية اتخاذ الإجراءات الإدارية من أجل ضبط بوصلة التعليم كما كان في السابق”.
وساهمت الحرب في حرمان عدد كبير من طلاب المدارس من تلقي التعليم في جميع محافظات الجمهورية والبحث عن عمل لتوفير احتياجات أسرهم ، حيث وصل عدد الطلاب المنقطعين عن المدارس 500 ألف طفل فيما يحتاج 1.4 مليون طفل للمساعدة، وفقا لتقرير سابق لمنظمة اليونيسيف حول التعليم في اليمن.
مسؤولية إجتماعية
وأوضح الشميري ” عملت مع عدد من الزملاء وبمشاركة وجهاء في المنطقة لسد الفجوة التي أحدثها غياب المعلمين من خلال تسجيل متطوعين يحملون شهادات جامعية، مقابل مبالغ رمزية تصل إلى 60$ دولار في الشهر لكل معلم”.
كما ساعدت المنح المقدمة من منظمة اليونيسيف الأممية والتي تهدف الى دعم العملية التعليمية الى جانب سلل غذائية شهرية يستلمها المعلم المتطوع على تحسين ظروف المعلمين وسد جزء من احتياجاته.
وقال عبدالرحمن حامد وهو أحد المدرسين المتطوعين لـ” منصة ريف اليمن”، إن مشاهدة الطلاب يتركون المدارس شيء مؤلم وخاصة في المناطق الريفية التي تعاني غالبية أسرها من الفقر المدقع وبالكاد يستطيعون تغطية احتياجاتهم الضرورية.
ويعمل حامد وهو خريج كلية التربية جامعة صنعاء – مدرسا لمادة الرياضيات لعدد من الفصول الابتدائية والإعدادية مقابل 30 ألف ريال شهريا (ما يقارب 65 $) يتم جمعها من الطلاب الميسورين وفاعلي الخير بهدف دعم العملية التعليمية.
ويتفاوت ما يدفعه الطلاب من مدرسة الى أخرى لكن اغلبها وفقا لطلاب لتقاهم مراسل منص ريف اليمن، لا تتجاوز ألف ريال يمني (نحو دولارين) بالشهر. فيما يعفون من الدفع خلال الأشهر التي يتم فيها تسليم منح اليونيسيف.
ويرى المدرس المتطوع أحمد الزبيدي أن التدريس مهنة أخلاقية وواجب ديني وانساني يجب على حاملي الشهادات الجامعية تحملها في إشارة الى أن ما يقوم به زملائه المتطوعين نابع من تلك القيم وان المبالغ التي يتقاضونها لا تسمن ولا تغني من جوع .
مشاركة الجميع
وما كان للمعلم المتقاعد يحي عيدروس أحد المعلمين في ريف تهامة بأن يرى أطفال وطلاب لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات خارج أسوار المدرسة فيما تتعالى اناشيد الصباح من القرى المجاورة دون أن يحرك ساكنا.
وقال عيدروس لـ” منصة ريف اليمن”، ” لم أستطع تحمل رؤية الأطفال يلعبون في القرية فيما يتلقى أقرانهم التعليم في القرى المجاورة وليس من الصواب العمل في الزراعة وترك أولادنا يضيعون بسبب غياب المعلمين”.
وبشغف وحب كبيرين عكف المربي عيدروس الذي شغل مديرا لعدد من المدارس والتي تخرج على يديه مئات الطلاب والطالبات، عكف على إعداد برنامج دراسي يستطيع من خلاله تقديم عدد من الحصص اليومية لجميع الطلاب تحت سقف واحد.
وساعدت خبرته المتراكمة في تقديم الدروس بشكل شبه منتظم من خلال تقليص أوقات الحصص من جهة فيما تختلف فترة الراحة بالنسبة لكل فصل.
وتكفل المربي المسن تعليم طلاب الصف الأول والثاني والثالث ابتدائي فيما عمل من خلال علاقته وخبرته في توفير معلمين متطوعين لتغطية الصفوف الابتدائية برواتب زهيدة.