على رصيف مدينة زبيد بمحافظة الحديدة، يتشبث الحاج يحيى الحمادي بمهنة صناعة كوافي الخيزران التي ورّثها عن والده قبل أربعة عقود، لكن مقاومته للحفاظ على هذا التقليد الشعبي تواجه تحديات متزايدة تدفع هذه الحرفة أكثر نحو الاندثار.
ويشتهر سكان المناطق الساحلية (حجة والحديدة ومدينة المخا في تعز) باحتراف العديد من الصناعات والمشغولات اليدوية مثل كوافي الخيزران التي ظلت تزين أسواق وشوارع المدن التهامية على مدى قرون، إلا أن تلك الحِرّف أوشكت على الاندثار في السنوات الأخيرة بسبب عدة عوامل.
وتعتبر الكوفية المصنوعة من لحاء الخيزران إحدى أهم المقتنيات في الزي التهامي حيث يرتديها السكان في كثير من المناسبات الاجتماعية والدينية حتى اليوم.
كوافي الخيزان في تهامة
يتجاوز الارتباط اليومي بين الحمادي ومهنته ما تمثله له من مصدر دخل إلى حالة العشق والشغف التي نشأ عليها طوال أربعة عقود من الزمن.
يقول لمنصة “ريف اليمن“، “إن صناعة الخيزران مهنة الآباء والأجداد ولا يمكن التخلي عنها لأنها قبل أن تكون مصدر دخلي الوحيد ، فهي إرث ثقافي وموروث شعبي يجب الحفاظ عليها”.
يقارن الحمادي بين حضور الخيزران في الحاضر والماضي والحسرة بادية عليه “لقد كانت أسواق المدن التهامية تعج بالخيزران ولا يخلو منزل في تهامة والمناطق الجبلية المطلة عليها من الكوافي بأنواعها وأشكالها المختلفة” .
تتفاوت أسعار الكوافي اعتمادا على الشكل والجودة ما بين ثلاثة آلاف ريال وخمسون ألفا بالفئة النقدية القديمة من العملة.
تتطلب صناعتها خبرة محترفين خبروا نسج وتقويم خيوط الخيزران الدقيقة حتى تكون باذخة الجمال فوق رأس من يرتديها، ولهذا فقد يستغرق صناعة كوفية واحدة من أسبوع إلى ١٢ يوما حسب جودتها، والتي أعلاها تلك التي تميل للحمرة في خيوطها.
وبجانب هذا النوع، يوجد هناك نوع آخر خاص بالرجال يستخدمونها أثناء العمل تحت الشمس الحارقة.
وللنساء نصيب من هذه الأنواع، تسمّى “الظلة” أو” الشماسية ” ويتم لبسها في الحفلات والأعراس والمناسبات الأخرى، ويتبادلها العشاق والمحبين المقبلين على الزواج من ضمن الهدايا للتعبير عن الحب والمودة.
وتتميز الظلة النسائية بأنها الأكثر حبكة وتعقيدا مقارنة بالظلة الرجالية وتعتبرها المرأة من مقتنياتها الثمينة التي تكون موضع تفاخر فيما بينهن.
ويتعدد استخدام القبعات المصنوعة من سعف النخيل أو ما يُطلق عليه ” الخوص “وفقا لجودتها وابتداءً من ارتدائها في الأعراس وانتهاء باستخدامها كقبعة تقي حرارة الشمس الحارقة أثناء الزراعة.
وترمز الظلة المزخرفة بالألوان والنقشات الحديثة في تهامة إلى الحالة الاجتماعية للمرأة، فمثلا إذا لبستها إحداهن فهذا يدل على أنها إما مخطوبة أو متزوجة، في حين ترمز في محافظات أخرى مثل حضرموت والمحويت وتعز إلى تراث ثقافي.
مخاوف الإندثار
في السنوات الأخيرة؛ تراكمت عدة عوامل في تهديد هذه الصناعة منها صعوبات استيراد أعواد الخيزران التي كان التجار يشترونها من الهند، الأمر الذي دفع الحرفيين إلى تجميع حزم من الخيزرانات الصغيرة ذات الجودة المتدنية.
ويقول الناشط في مجال التراث والثقافة محمد عيدروس، إن إنتاج كوافي الخيزران تراجع خلال الثلاثة العقود الماضية بشكل كبير مما ينذر باندثار تلك المهنة ورمزيتها بالنسبة لأبناء تهامة.
وترجع الأسباب – وفقا له – إلى ارتفاع أسعارها وانحصارها في مناطق محددة ، إضافة الى الوضع المعيشي لأبناء تهامي الأكثر فقرا في البلاد.
من جهته يرى الحمادي، الذي لا يزال متمسكا بحياكة الخيزران، أن تراجع الطلب مرتبط بغلاء المواد المستوردة من الهند أو الصين إضافة إلى العائد المادي المتدني الذي يحصل عليه مقارنة بالجهد المبذول في صناعتها.
تحافظ كثير من دول العالم على موروثها الشعبي والثقافي من خلال دعمها المتواصل لأصحاب الحرف والأيادي العاملة وتبني رؤى حكومية لتطوير وترويج منتجاتها للعالم، لكن في اليمن لا تهتم الحكومات المتعاقبة لهذا التراث ولا لأصحابه.
وفي هذا السياق، يقترح رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر على العاملين في المهنة تطوير منتجاتهم بأشكال وأحجام مختلفة و حديثة تتواكب مع المستهلك.
وأرجع السبب في اندثار كثير من الحرف اليدوية في اليمن الى غياب الجهات المختصة لحماية التراث إضافة إلى الحروب التي تشهدها البلاد منذ مطلع 2015م، حسبما كتب في صفحته على موقع فيسبوك.