عاشت الطفلة مرام (اسم مستعار) حياة الجحيم خلال الأشهر، التي قضتها في منزل زوجها، بعد أن أجبرها والدها على الزواج بعمر 15 سنةً، بغرض الحصول على الأموال، وهذا هو حال معظم الفتيات اللواتي أجبرنّ على الزواج بسن مبكر، في العديد من المناطق الريفية بمختلف المحافظات اليمنية.
لا تكاد تخلو يوميات اليمنيين، من متابعة قصص، وحكايات مرعبة، عن فتيات أجبرن على الزواج بسن مبكر، إذ لم تعد تقتصر الأسباب على العادات والتقاليد الاجتماعية، وغياب الوعي والجهل، إذ أصبحت الظروف المعيشية، هي إحدى الدوافع الرئيسية، وراء تزايد ظاهرة زواج القاصرات في اليمن.
خلال السنوات الماضية، تزايدت ظاهرة زواج القاصرات بشكل لافت، في العديد من المناطق الريفية النائية، خصوصاً عقب تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية للكثير من المواطنين، في بلد يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، جراء استمرار الحرب المندلعة في البلاد منذ أكثر تسعة أعوام.
بحسب تقرير أعدته “هيئة الإذاعة اليابانية” فقد تسببت الحرب في اليمن، بدفع عدد كبير من الآباء، غير القادرين على تغطية نفقات أطفالهم، إلى تزويج بناتهم الصغيرات مقابل الأموال، إذ أن فتيات لا تتجاوز أعمارهن عشر سنوات، يتم التخلي عنهن من قبل ذوويهن، الذين عادة ما يقومون باختيار العريس المناسب، الذي يجب أن يكون ميسورا.
وضع معيشي
من الصعب الحصول على إحصائية دقيقة، بعدد حالات زواج القاصرات في اليمن، نتيجة الانقسام السياسي، وغياب المنظمات الحقوقية، لكن ظروف الحرب، دفعت الكثير من الآباء إلى إجبار بناتهم على الزواج بسن مبكر، بهدف الحصول على الأموال من بينهم والد الطفلة مرام، الذي أجبرته الظروف المعيشية القاسية، على الموافقة الفورية على زواجها، على الرغم من رفضها ذلك بشكل قطعي، فهي كانت ترغب في إكمال دراستها في المدرسة الحكومية، في القرية التي تعيش فيها مع أسرتها بريف محافظة إب.
يقول أحد أقرباء مرام لـ “منصة ريف اليمن”:” كانت جميلة وتدرس في المرحلة الإعدادية، وهو ما دفع أحد شباب قريتها بريف السياني جنوب محافظة إب، في مطلع العام 2020 نحو التقدم لخطبتها، مستغلا حاجة والداها الذي يعاني أوضاعاً قاسية، على غرار ملايين اليمنيين المتعبين والمثقلين بهموم الحرب.
يضيف: “يعمل والداها بالأجر اليومي، بمهنة البناء في محافظة إب، وفي غالبية الأيام يذهب في الصباح الباكر، إلى حرج العمال للبحث عن عمل، لكنه يعود إلى منزله خال الوفاض، بسبب ركود الأعمال، خاصةً مع حدوث الأزمات المتتالية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في عموم البلاد.
وتابع: “لم يكن أمام والدها خيارا لتأمين لقمة العيش، لأفراد عائلته سوى الموافقة، على الزواج بعدما تقدم لها شاب يبلغ من العمر 30 سنةً، حيث تم الاتفاق بينهما على أن ينتظر الزوج ثلاث سنوات، لتصل لسن 18، لكن إصرار أهالي الزوج ساهم في تسريع الزواج، ليتم بعد نصف عام من الخطوبة”.
وفي ظل تزايد حالات زواج القاصرات بفعل تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية في اليمن تؤكد دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في عام 2022، بأن الفقر هو أحد أهم العوامل، التي تساهم في ارتفاع زواج القاصرات في العالم، حيث تبين أن الفتيات اللاتي ينحدرن من أُسر فقيرة، أكثر عرضة للزواج في سن مبكرة بنسبة 50٪ من الفتيات اللاتي، ينحدرن من أسر ميسورة الحال.
خوف ومعاناة
بالنسبة لمرام، فإنها حاليا تعيش أسوأ أيام حياتها، فهي تخشى من مستقبل مجهول، فمنذ انفصالها منتصف عام 2020 لم يتقدم أحد للزواج منها، لافتاً إلى أن والدها اضطر إلى بيع قطعة أرض لتسديد الغرامة المالية، التي فرضتها المحكمة عليه، إثر رفض ابنته الاستمرار في الزواج الذي وصفته بـ “الجحيم”.
وفي ظل نظرة المجتمع السلبية، فإن مخاوف مرام ومعها العديد من الفتيات، تتضاعف فهن بنظرة المجتمع أصبحن مطلقات.
وفي حين تخشى مرام من تدمير مستقبلها تختبر خلود ( إسم مستعار) تجربة زواج قاسية، منذ أن أجبرها والدها على الزواج بعمر 14 سنةً، من شاب يبلغ من العمر 32 سنةً في مطلع العام 2023 الجاري في منطقة العدين بمحافظة إب وسط اليمن.
يقول مصدر مقرب عائلتها لمنصة ريف اليمن،” تزوجت وهي لا تفقه في أمور الحياة الزوجية، ولا تعرف شيئا عنها وعن التزاماتها ولا يمكنها القيام بأي أعمال منزلية خاصةً أعمال المطبخ المتنوعة والتي تتطلب إلى بذل جهود كبيرة”.
وأضاف: “نتيجة لعدم معرفتها بأمور الزواج، وعدم قدرتها على ممارسة الأعمال المنزلية، مثل الطبخ، وغيرها من الأعمال تتعرض خلود لمعاملة قاسية، من قبل أسرة زوجها فهي تصحو على أصوات الشتم والالفاظ النابية بشكل يومي، خاصةً من قبل حماتها “.
مخاطر صحية ونفسية
يُعلق الحقوقي اليمني ياسر المليكي، على ظاهرة زواج القاصرات في الريف، قائلاً، إن “إجبار الآباء بناتهم على الزواج، أو زواج الصغيرات بشكل أدق انتشر بشكل كبير في الريف والحضر، وهو من التداعيات الاجتماعية للحرب، التي يعود سببها إلى مشاكل اقتصادية ونزوح وغيرها”.
يضيف المليكي، لمنصة ريف اليمن، “زواج القاصرات سلوك أشبه ما يكون بالقتل الرحيم للبنت، لأنه بحسب اطلاعي على الكثير من القضايا، فإن الزواج ينتهي بمشاكل أسرية، أو طلاق وقد يترتب عنه مشاكل عاطفية، تؤدي بأحد أطرافه لإقامة علاقات غير مشروعة، لافتاً إلى المخاطر الصحية والنفسية “.
تواجه الفتيات المتزوجات في سن مبكر مخاطر صحية كبيرة، إذ تقول الطبيبة نادية الوجيه لمنصة ريف اليمن بأن: “الزواج المبكر من الأسباب الرئيسية، للحمل المبكّر الذي تنعكس آثاره الصحيّة الخطيرة على الفتاة، ويكون سببًا في فقدانها حياتها أو حياة جنينها”.
وتضيف:” تتعرض الفتيات المتزوجات، في سن مبكرة للعنف الأسري، بما في ذلك العنف الجسدي والجنسي، بالإضافة إلى المخاطر العقلية، مثل الاكتئاب الاضطرابات النفسية والأفكار الانتحارية وغيرها”.
وفي ظل المخاطر الجسدية والنفسية، التي تواجهها المتزوجات في سن مكبر يعتقد الحقوقي المليكي بأن: “الطريقة الأبرز لمحاربة زواج القاصرات، هو تفعيل التعميمات الصادرة من وزارة العدل، للأمناء الشرعيين بعدم العقد قبل سن 15، ومعرفة رضا البنت أيّاً كان عمرها”.
“إحداث تغييرات في بنية القوانين هو أمر مهم، لكنه غير متوفر حاليا بسبب تعطل المؤسسات التشريعية”. يضيف المليكي لريف اليمن.
واختتم المليكي، حديثه بالتاكيد “على ضرورة العمل على مكافحة ظاهرة زواج القاصرات، من خلال مكافحة الفقر والتوعية، في المجتمعات المحلية، مشيراً إلى أن انتهاء الحرب من شأنه تخفيف الظاهرة بشكل كبير”.