بشكلٍ يومي يتنقل محمد قاسم (42 عاما) بين القرى والمناطق الريفية، لبيع الخضروات والفواكه أملاً منه في تأمين الغذاء لأفراد عائلته في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية جراء استمرار الحرب التي تعصف بالبلاد.
قاسم كان موظفاً في التربية والتعليم، لكن أزمة توقف الرواتب أواخر عام 2016، دفعته نحو البحث عن وسيلة دخل ليؤثر الانضمام إلى قائمة الباعة المتجولين الذين يطفون مختلف القرى والمناطق الريفية في اليمن.
يقول قاسم لـ “منصة ريف اليمن “: “إنه قام بتحويل سيارته إلى محل تجاري متحرك يوفر فيه الخضروات والفواكه للمواطنين في العديد من القرى والمناطق الريفية.
ويؤكد أنه تمكن من خلال ذلك تأمين لقمة العيش لأفراد عائلته على الرغم من الصعوبات التي يواجهها لافتاً إلى أن التجول بسيارته في القرى كان هو الخيار الوحيد للوقوف أمام متطلبات الحياة اليومية التي أثقلت كاهله.
ويضيف: “اوضاعنا المعيشية متدهورة إذ لا تزال أسعار السلع والخدمات الأساسية مرتفعة بشكل جنوني، موضحاً أن تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء المتوسطة تضاعفت ووصلت إلى نحو 60 ألف ريال يمني؛ أي ما يعادل نحو 120 دولار أمريكي بسعر صرف الدولار في صنعاء”.
يشير إلى انه يواجه صعوبات كبيرة من بينها ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، بالإضافة إلى الطرقات الوعرة في غالبية القرى والمناطق البعيدة التي يذهب إليها عوضا عن تراجع القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية”.
أزمة إنسانية
وأدت الحرب وانعكاساتها السلبية إلى تدهور الأوضاع المعيشية للكثير من اليمنيين، ووفق تقارير الأمم المتحدة فإن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وتشير أحدث التقديرات إلى أن نحو 50 ألف شخص يعيشون حالياً في ظروف تشبه المجاعة، ويشتد الجوع في المناطق المتضررة من الصراع، ويحتاج ما يقرب من 21 مليون شخص، أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان، إلى مساعدات إنسانية وحماية.
وخلال السنوات الماضية تزايدت ظاهرة الباعة المتجولين الذين يأتون إلى القرى بشكل لافت حيث ساهم ذلك في تأمين الغذاء للكثير من الأسر اليمنية في حين أنها وفرت مشقة السفر على الكثير من سكان المناطق الريفية الذين كانوا يذهبون إلى شراء الخدمات المتنوعة إلى الأسواق من المدن التي تبعد مسافات طويلة وتكلفة مالية باهظة.
وبشكل يومي تطوف سيارات الباعة المتجولين العديد من القرى، وتتنوع المنتجات والأصناف التي يوفرونها بين الخضروات والفواكه المتنوعة، والأدوات المنزلية، والملابس الرجالية والنسائية والمفروشات، وغيرها من الخدمات الاستهلاكية التي يحتاج إليها المواطنون في الأرياف.
المواطن عصام جلال (50 سنةً) قال إنه يشتري كغيره من المواطنين الخضروات والفواكه والادوات المنزلية وكذلك الملابس، وبعض المواد الغذائية الأساسية الأخرى التي يعجز ملاك المحال التجارية توفيرها في قريته بسبب تكاليف النقل الباهظة بالإضافة إلى وعورة الطرقات.
ويقول جلال لـ “منصة ريف اليمن “: “ساهم الباعة المتجولين الذين يطوفون مختلف القرى الريفية في التخفيف من معاناة المواطنين حيث ساهموا بتوفير الاحتياجات التي كانت تتطلب إلى الكثير من الأموال بسبب بعد المسافة وارتفاع أسعار النقل نتيجة الأزمات المتتالية في المشتقات النفطية”.
وأوضح ان ذهابه إلى السوق الشعبي الذي يبعد مسافات طويلة عن قريته يكلفه مبالغ كبيرة، حيث يحتاج لنحو 6 ألف ريال يمني أي ما يعادل نحو 10 دولارات أمريكية إذا تواصل بالدراجة النارية، في حين أن تكلفة السفر في السيارة تحاج نحو 3 ألف ريال يمني أي ما يعادل نحو 5 دولار أمريكي”.
وتفتقر الكثير من القرى والمناطق الريفية إلى وجود المحال التجارية الكبيرة حيث يوجد الكثير من القرى محال صغيرة فقط وهي لا توفر سوى بعض الأشياء بسبب بعد المسافات ووعورة الطرق الرابطة بين القرى والمدن.
معيشة صعبة
البائع منير غانم، هو الآخر يعمل في بيع الادوات المنزلية منذ سنوات عبر مكبرات الأصوات. ويقول لـ “منصة ريف اليمن إن استخدام المكبرات واختيار الألفاظ الجذابة مع الإشارة إلى خفض الأسعار تجذب الكثير من المواطنين للشراء، لافتاً إلى أن الكثير من الزبائن ينجذبون إلى شعارات التخفيضات”.
يدرك غانم ومعه الكثير من الباعة أهمية استخدام الألفاظ والشعارات المناسبة في جذب الزبائن، ولفت انظارهم نحو السلعة التي يقومون بالترويج لها في القرى فهم يستخدمون لغة سهلة قريبة من واقع المواطنين، وفق تعبيره.
ويقبل الكثير من المواطنين على الشراء، بحسب المواطنة نادية صادق، التي تشتري الأدوات المنزلية والخضراوات والفواكه من الباعة المتجولين الذين يأتون بشكل مستمر إلى قريتها.
تقول نادية لـ “منصة ريف اليمن”، “أصبحت مكبرات أصوات الباعة الجائلين جزء من حياتنا اليومية ففي كل يوم نسمع شعارات الباعة ونشتري منهم بعض الاحتياجات الأساسية، نحن نبحث عن الأسعار المنخفضة، ظروفنا قاسية لا أعمال ولا رواتب بالكاد نتمكن من شراء الأشياء الضرورية”.
وينتمي غالبية الزبائن الذين يشترون من الباعة المتجولين إلى الطبقات الكادحة التي تبحث عن السلع زهيدة الثمن، فهم يبحثون عن الأصناف التي تتناسب مع دخلهم لأنهم غير قادرين على شراء المستلزمات باهظة الثمن من المحال التجارية أو الأسواق في المدن لذلك يفضلون اقتناء حاجتهم من الباعة الذين يأتون إليهم.