تشهد مديرية طور الباحة بمحافظة لحج، جنوب اليمن، تفشي مرض غامض يهدد الثروة الحيوانية، حيث أدى إلى نفوق أعداد كبيرة من الأغنام، الماعز، والأبقار خلال الشهر الأخير، ما أثار حالة من القلق بين المزارعين الذين يعتمدون بشكل أساسي على تربية المواشي كمصدر رئيسي للمعيشة.
ويمثل قطاع الثروة الحيوانية شريان حياة للعديد من الأسر اليمنية، إذ تُقدر مساهمته في الاقتصاد الزراعي المحلي بحوالي 20%، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، كما أن 80% من المزارعين في اليمن يمتلكون مواشي، سواء كمصدر دخل أساسي أو ضمن استثماراتهم الزراعية.
مرض غامض دون حلول
رغم الانتشار السريع للمرض، إلا أن غياب الأطباء البيطريين في المديرية حال دون تشخيصه أو احتوائه في مراحله المبكرة، ووفقًا للمواطن ماجد محمود، وهو أحد سكان المنطقة، فإن المرض بدأ ظهوره في قرية النبوه، ثم انتقل إلى حبيل عليا، ومن ثم انتشر في منطقة “مهاء”، ليواصل تفشيه في مناطق أخرى.
ويضيف محمود لمنصة ريف اليمن، أن الأعراض “تبدأ بارتفاع درجة حرارة الحيوان، فقدان الشهية، وظهور تقرحات على الأغشية المخاطية والجلد بين الحوافر، إضافة إلى زيادة إفراز اللعاب، العرج وعدم القدرة على المشي، والضعف العام، مما يؤدي إلى إصابة الحيوان بالوهن.
وبحسب محمود تبدأ أعراض الإصابة بإرتفاع درجة حرارة جسم الحيوان، وفقدانه للشهية، وظهور حويصلات وقروح على الأغشية المخاطية المبطنة وعلى الجلد الموجود بين الحوافر، بالإضافة الى زيادة إفراز اللعاب من الفم حتى الأرض وعدم قدرة الحيوان على تناول الغذاء نتيجة الألتهاب، فضلًا عن اصابة الحيوان بالعرج واصابته بالضعف والوهن.
مواضيع مقترحة
الثروة الحيوانية.. مصدر الأسر الريفية لمواجهة تحديات المعيشة
الحرب وتغير المناخ يقلّصان الثروة الحيوانية في الضالع
الماشية بمرمى الإفتراس: مراعي غير آمنه للمزارعين
في ظل هذا الانتشار السريع، خسر العديد من المزارعين مواشيهم، حيث فقد محمود ثلاثة من مواشيه، بينما فقد آخرون نصف مواشيهم أو حتى كامل القطيع، ما دفع بعضهم للبحث عن مصادر دخل أخرى بعد أن خسروا مصدر رزقهم الأساسي.
وتشير التقديرات الأولية إلى نفوق أكثر من 150 رأسًا من الماشية وفق ما تحدث سكان لـ”منصة ريف اليمن”، وهو ما يعمّق الأزمة الاقتصادية في المنطقة، وتساعد الثروة الحيوانية سكان الريف على توفير متطلبات المعيشة اليومية، من ألبان وحقين ولحوم وغيرها، كما تعد الثروة الحيوانية عاملا مساعدا للأسر الريفية، حيث تقوم ببيعها وتوفير متطلبات أخرى كالملابس والحبوب والعلاج، وغيرها.

وتشكل الثروة الحيوانية نحو 25 بالمئة من القوى العاملة في الأرياف اليمنية، في حين يستوعب القطاع الزراعي الشريحة الأكبر من الأيادي اليمنية العاملة، وفق بيانات حكومية رسمية. كما توفر الثروة الحيوانية الدخل الرئيسي لأكثر من 3.2 مليون شخص، في جميع أنحاء اليمن، بحسب منظمة الفاو.
ويؤكد يونس أمين، عضو اللجنة المجتمعية في طور الباحة لمنصة ريف اليمن، أن سكان المنطقة يعتمدون على تربية الماشية بشكل أساسي لتأمين احتياجاتهم المعيشية، سواء عبر بيعها لتوفير الاحتياجات اليومية أو الاحتفاظ بها لأوقات الطوارئ، مما يجعل هذا الوباء تهديدًا مباشرًا لمعيشتهم.
أعراض الوباء
وعن الوباء يقول بشار الدغيش، وهو طبيب بيطري، إن الأعراض التي ظهرت على المواشي تشير إلى تفشي الحمى القلاعية، وهو مرض فيروسي معدٍ يصيب الحيوانات ذات الأقدام المشقوقة، ويتسبب في خسائر اقتصادية فادحة بسبب طبيعته المتوطنة وسرعة انتشاره.
ويوضح الدغيش لمنصة ريف اليمن أن هذا المرض يؤدي إلى انخفاض إنتاج الحليب، الإجهاض، ضعف القدرة على العمل، وظهور تقرحات تمنع الحيوانات من الأكل والمشي، وموت الحيوانات الصغيرة، مما يزيد من معدل النفوق، خاصة بين صغار المواشي.

ويضيف أن الفيروس المسبب للحمى القلاعية فيروس حمضي غير مغلف ينتمي إلى عائلة Picronaviridae، ويوجد منه سبعة أنماط مصلية، أربعة منها متوطنة في اليمن، وهي O، A، C، وAsia1، مما يجعل السيطرة عليه صعبة بسبب عدم توفر مناعة متبادلة بين الأنواع المختلفة للفيروس، ما يزيد من تعقيد جهود الحد من تفشي المرض.
في ظل تفاقم الأزمة، أطلق المواطنون نداءات استغاثة للجهات المعنية والمنظمات الدولية لإنقاذ مواشيهم وتوفير العلاجات اللازمة، ويؤكد الناشط الإعلامي محمد أحمد الصبيحي أن الأهالي سبق وأن طالبوا السلطة المحلية في المديرية والمحافظة بإرسال فريق طبي بيطري متخصص، لمعرفة وكشف نوعية هذه المرض الغريب والذي انتشر بشكل فضيع ومخيف، لكن تلك المطالبات لم تلقَ أي استجابة، حيث وعدت الجهات المختصة بالنزول إلى المنطقة، إلا أن شيئًا لم يحدث حتى الآن.
ويوضح يونس أمين، عضو اللجنة المجتمعية، أن الأهالي ينتظرون منذ أسابيع تدخل السلطات، لكن غياب التحرك الفعلي جعلهم يواجهون الوباء وحدهم، وسط مخاوف من استمرار انتشار المرض وفقدان المزيد من المواشي.
ومع استمرار تفشي المرض وغياب أي تدخل، يواصل الأهالي رفع مطالبهم للمنظمات المحلية والدولية بضرورة التدخل السريع، سواء عبر إرسال فرق بيطرية متخصصة، أو توفير الأدوية واللقاحات اللازمة، لحماية ما تبى من ثروتهم الحيوانية ومنع كارثة اقتصادية قد تكون أشد وقعًا على حياتهم.