الثروة الحيوانية.. مصدر الأسر الريفية لمواجهة تحديات المعيشة

الثروة الحيوانية.. مصدر الأسر الريفية لمواجهة تحديات المعيشة

منذ أكثر من ثلاثين عاما، يواصل الحاج عبدالله محمد، رعي وتربية الأغنام والماعز، في ريف تعز الجنوبي، حيث تعد مصدر دخله الوحيد الذي يعول به أسرته، خاصة في ظل ندرة فرص العمل بسبب الحرب المستمرة.

ويقول محمد الذي يمتلك قرابة 30 رأسا من الأغنام والماعز، لـ” منصة ريف اليمن”، أنه بدأ يمارس مهنة رعي الأغنام والماعز، عقب خروجه النهائي من المملكة العربية السعودية قبل ثلاثين عاما، ولايزال يمارسها حتى اليوم.

ويضيف، “تعبنا من الغربة، وقررنا السفر الى اليمن، ونظرا لغياب المال الكافي الذي يساعد على فتح مشروع تجاري، اتجهت نحو ممارسة مهنة الرعي، كونها المتاح، وبدأت حينها بـ” رأسين”، من الماعز، ومع الأيام تكاثرت وأصبحت تغطي تكاليف الحياة.

ويوضح الحاج محمد أن الأعداد التي يمتلكها من الأغنام والماعز، حاليا تقدر بـ30 رأسا، مشيرا إلى أن العدد لا يبقى ثابت، فأحيانا يزيد بوصول المواليد الجديدة، وأحيانا ينقص بسبب عملية البيع للأسواق لتوفير متطلبات الحياة.

وسيلة للعيش

ومثل محمد الآلاف من المواطنين الذين يمارسون مهنة رعي وتربية الأغنام والماعز في الريف اليمني، الذي تعتمد فيه الأسر في توفير احتياجاتها الغذائية، ومقومات الحياة اليومية، على الثروة الحيوانية، التي تشكل مصدر دخل غالبية الأسر الريفية.

وتساعد الثروة الحيوانية سكان الريف على توفير متطلبات المعيشة اليومية، من ألبان وحقين ولحوم وغيرها، كما تعد الثروة الحيوانية عاملا مساعدا للأسر الريفية، حيث تقوم ببيعها وتوفير متطلبات أخرى كالملابس والحبوب والعلاج، وغيرها.

وبحسب بيان أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، في 2020، فإن “الثروة الحيوانية توفر الدخل الرئيسي لأكثر من 3.2 مليون شخص، في جميع أنحاء اليمن، حيث تربي الأسر الأغنام والماعز والماشية، وتعتمد على استهلاك وبيع منتجاتها للبقاء على قيد الحياة”.

وتقدَّر أحدث البيانات الصادرة عن إدارة الإحصاء والمعلومات الزراعية في وزارة الزراعة حجم الثروة الحيوانية في اليمن لعام 2021 بنحو 20.9 مليون رأس، منها 9 ملايين و600 ألف رأس من الأغنام، وحوالي 9 ملايين و100 ألف رأس ماعز، إضافة إلى مليون و250 ألف بقرة و390 ألف جمل.

تأثير الحرب

وتسبب الحرب الدائرة في البلاد بإلحاق خسائر كبيرة بهذا القطاع المهم، وخلقت عراقيل كثيرة أمام السكان، حيث تسببت بتقليص مساحة الرعي نتيجة انتشار الألغام في مناطق زراعية كبيرة، بالإضافة الى مناطق الاشتباكات، كما أجبرت الأسر التي اضطرت للنزوح على بيع ممتلكاتها من الثروة الحيوانية.

وتسبب الألغام بخسائر مادية كبيرة تمثلت في نفوق رؤوس الماشية، وتسبب ذلك في إنهاك عشرات الأسر التي تعتمد بشكل أساسي على تربية الثروة الحيوانية كمصدر دخل رئيس، بحسب المرصد اليمني للألغام. كما أسفر القصف الجوي عن نفوق الكثير من المواشي في عدد من المحافظات.

وبحسب بيانات وزارة الزراعة في الحكومة المعترف بها دوليا، فقد تراجع حجم الثروة الحيوانية مقارنة بحجمها قبل الحرب والتي كانت تقدر بأكثر من 35 مليون رأس ما بين أغنام وماعز وأبقار وجِمال، بينما يصل حجم الإنتاج الحيواني إلى 570 ألف طن سنوياً من اللحوم الحمراء والبيضاء والألبان، إضافة إلى منتجات البيض والجلود والصوف والعسل.

ووفقا لوزارة الزراعة، تصل مساحة المراعي الطبيعية في اليمن إلى نحو 10 ملايين هكتار تتوزع على مناطق بيئية متباينة وتشكل المصدر الرئيسي لغذاء الثروة الحيوانية، وتُعتبر محافظات الحديدة وحضرموت، وإب وحجة، والضالع وذمار، والجوف ومأرب من أكبر المحافظات التي تمتلك أعداداً كبيرة من الثروة الحيوانية، وأكبر المحافظات المنتجة للأعلاف في البلاد.

وقبل اندلاع الحرب كانت مساحة المراعي الطبيعية في الجمهورية اليمنية تبلغ نحو 16مليون هكتار موزعة على مناطق بيئية شديدة التباين وتمثل المصدر الرئيسي لغذاء الثروة الحيوانية وتختلف طبيعة النباتات الرعوية المنتشرة وفقاً لطبيعة المناطق، بحسب المركز الوطني للمعلومات.

وأدت هذه التحديات والمخاطر والخسائر إلى عزوف الكثير من المواطنين عن تربية ورعي المواشي، كما حدث مع الحاج حمود الشرعبي، الذي ترك ذلك واتهج نحو أعمال أخرى لتوفير مقومات الحياة.

يقول حمود في حديث مع “منصة ريف اليمن”، أنه كان يعتمد بشكل كلي على الأغنام التي يمتلكها، لكن وبسبب الحرب وارتفاع أسعار الأعلاف، وصعوبة الحصول على المرعى، أُجبر على بيع مواشيه بشكل كامل.

موضحا انه تكبد مبالغ كبيرة في سبيل إعلاف مواشيه، أخرها مبلغ 500 ألف ريال يمني (الدولار يساوي 1300 ريال)، حتى وصل إلى قناعة كاملة ببيعها وشراء بقيمتها بوزة، سيارة عليها صهريج مياه، لنقل المياه، وعبر الشرعبي عن أسفه لذلك، لكنه أوضح أن الامر لم يكن اختيارا بل إجباريا، بسبب الأوضاع.

تحديات ومخاطر

ورغم أهميتها تواجه الثروة الحيوانية العديد من التحديات التي تحد من نموها وتكاثرها وتهددها بالانقراض، مثل ندرة المياه والتصحّر وضعف المراعي، وضعف إنتاجية الحيوانات، وارتفاع أسعار خامات الأعلاف عالمياً وضعف الاستثمارات والأمراض الحيوانية.

وبحسب الحاج محمد، فإن أحد أبرز الصعوبات التي تواجهه هو قلة المراعي، خاصة أيام الشتاء، وقلة الماء، وغلاء أسعار الأعلاف بسبب انهيار سعر العملة المحلية، وأيضا انخفاض أسعار المواشي وقلة الإقبال على الشراء من قبل المواطنين عدى أيام الأيام، باعتبارها موسم سنوي.

ولم تكن الصعوبات وحدها التي تواجه الثروة الحيوانية، حيث تتعرض كذلك للعديد من الأمراض التي تتسبب في نفوق اعداد هائلة سنوياً ومنها الامراض الفيروسية والامراض البكتيرية والطفيلية وامراض نقص التغذية ونقص الفيتامين.

ويقول الدكتور البيطري رشيد المرشدي، إن أهم وأخطر الامراض الوبائية التي تصيب قطاع الأغنام والماعز والابقار هي الامراض الفيروسية الخطيرة المنتشرة بين الثروة الحيوانية اول مرض اسمه (طاعون المجترات الصغيرة). مضيفًا أن مربيي الاغنام والماعز يتكبدون خسائر اقتصادية كبيرة جداً ويؤثر على الاقتصاد الوطني.

ويضع مختصون عدد من الاقتراحات لتجاوز الصعوبات التي تواجه الثروة الحيوانية، منها إنشاء أسواق مركزية للحيوانات، ومنح المستفيدين الأعداد الكافية من المواشي، وتنفيذ مشاريع إنتاج السلالات الحيوانية والتسمين.

ومن الاقتراحات كذلك، إنشاء مشاريع إنتاج الأعلاف المركزة والمالئة من المصادر المحلية القريبة، وتفعيل قانون الثروة الحيوانية وتجريم ذبح وتهريب إناث وصغار الحيوانات، وإنشاء مختبر مركزي لتحليل منتجات الثروة الحيوانية والزراعية ضمن خطة شاملة لتطوير وضبط الجودة وفق المعايير الدولية، وتبني سياسات التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ومن الحلول كذلك تفعيل برامج التطعيم الخاص بالماشية، التي تساهم في الحد من زيادة الأمراض الحيوانية ونفوقها. وبحسب دراسة اجرتها منظمة الفاو في 2020، فإن سبب نفوق الماشية هو مرض الالتهاب الرئوي البلوري المعدي، وهو مرض شديد العدوى منتشر في اليمن.

ووفقا لبيان ” الفاو” فإن إغلاق برامج التطعيم الخاص بالماشية أدى إلى زيادة الأمراض الحيوانية والوفيات، مضيفة أن “مرض الماشية أو موتها، يعني أن العائلات فقدت مصدر الدخل الذي تحتاجه للبقاء على قيد الحياة.

وأشارت إلى أنها تمكنت خلال 2021، من الوصول إلى أكثر من 1.6 مليون حيوان، عبر خدماتها البيطرية، واستفاد منها أكثر من 100 ألف مزارع فقير.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :