على مدى عشر سنوات تعرّضت الثروة الحيوانية بمحافظة الضالع للتراجع، وأضحت مهدّدة بالانقراض بسبب الحرب وتغير المناخ، وتذبذب هطول الأمطار، وجفاف السدود والحواجز المائية، وتأثير زحف شجرة القات وانحسار الأراضي الزراعية.
الحرب والمناخ
التداعيات المذكورة انعكست سلبا على الثروة الحيوانية للمزارع محمد العامل، وأدّت إلى خسارته مئات الأغنام التي ورثها عن والده، رغم خبرته الكبيرة ومعرفته الواسعة بتربية الثروة الحيوانية، ومثله مئات مِن المواطنين والمزارعين.
يقول العامل لمنصة ريف اليمن: “كان لديّ ألف رأس من الأغنام قبل اندلاع الحرب، لكنّي اليوم وبعد عشر سنوات لم أعد أمتلك سوى نحو 114 رأسا. في كل عام تتعرّض أغنامي للوفاة، لا سيما في فترة الشتاء وانعدام المرعى، وذلك بفعل التغيرات المناخية والتوترات العسكرية”.
يتحسّر العامل على ثروته فيقول لمنصة ريف اليمن: “بيع وموت الأغنام سنويا يُعدّ خسارة كبيرة، وخطرا يهدّد مصدر رزقي الوحيد الذي ورثته عن والدي، في الشتاء تكون المزارع والجبال قاحلة، ونعتمد على أوراق الأشجار التي تتحمل انعدام الماء طيلة فصل الشتاء لتغذية الماشية، وأحيانا اضطر إلى بيع بعضها لتأمين لقمة العيش”.
ويضيف: “لا أرغب في بيع الأغنام التي بذلت مِن أجلها جهدًا كبيرًا على مدى سنوات مِن عمري، لكن احتياجاتي للمواد الأساسية أجبرتني على بيع عدد كبير منها وسط مخاوف مِن تعرّضها للموت”.
تواجه محافظة الضالع واحدة مِن أهم الأزمات التي فجّرتها الحرب، وهي قيام المزارعين ببيع الأغنام التي كانت مصدرهم الأساسي؛ إذ يعتمد المزارعون من ذوي الدخل المحدود، على بيع جماعي للأغنام من أجل توفير متطلبات الحياة اليومية، وسط تدهور متواصل للأوضاع الاقتصادية وغياب المساعدات.
على غرار العامل، أجبرت الظروف المعيشية السيدة منتهى صالح، وهي أم لخمسة أطفال، على بيع كمية كبيرة مِن الأغنام التي كانت تمتلكها لتوفير الغذاء لأفراد عائلتها.
تقول منتهى لمنصة ريف اليمن: “كنتُ أملك نحو 82 رأسا من الأغنام والماعز، لكن في ظل انعدام مصادر الدخل وشحّة فرص العمل وعدم تمكّننا من توفير الحدّ الأدنى للحفاظ على الحياة، نضطر إلى بيع الأغنام”.
مهمة شاقة
انعدام الدخل وغياب المساعدات الإنسانية التي كانت تخفّف عن منتهى أدى إلى انهيار ثروتها الحيوانية، ولم يتبق منها في الست سنوات سوى 12 رأسا.
يقول الكاتب الاقتصادي بشير الدغّار: “إن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والظروف المناخية القاسية تدمّر المحاصيل الزراعية، وتجعل تربية الحيوانات مهمة شاقة ومكلفة”.
ويضيف لمنصة ريف اليمن: “الحرب أثّرت بشكل كبير على حياة الناس ومصادر دخلهم، فقد أصبحت أغلب الطرقات التي تربط بين المناطق والأسواق مغلقة، والأراضي الزراعية مهملة، والثروة الحيوانية منخفضة بشكل كبير نتيجة الفقر والعُنف المستمر منذ سنوات”.
المزارع العامل والسيدة منتهى نماذج لكثير من المواطنين في محافظة الضالع ممن أجبرتهم ظروف الحرب والتغيرات المناخية على بيع ثروتهم الحيوانية في ظاهرة خطيرة تهدّد مستقبل الثروة الحيوانية في المحافظة.
بدوره قال مدير الإدارة البيطرية بمحافظة الضالع الدكتور وليد العميسي: “تشكّل الثروة الحيوانية بالنسبة للمزارع الجزء الكلّي من مصادر الدخل، لكن المحافظة تعاني غياب الاهتمام، وعلى رأس ذلك توفير اللقاحات الخاصة بالحيوانات التي تصاب بكثير من الأمراض الوبائية والنفوق”.
وأضاف العميسي لمنصة ريف اليمن أن الحرب وتبعات الصراع تسببتا في صعوبة الوصول إلى المراعي، إضافة إلى ما نتج عنها مِن استهداف مباشر وغير مباشر لهذه الثروة، وقد تخلّي كثير من الأُسَر عن هذه المهنة، إما بسبب النزوح وإما بسبب التغير المناخي، وظهور أوبئة فتّاكة نالت من قطعان عدّة، في ظل غياب كليّ لدور الجهات المعنية في التدخّل للحدّ مما يجري.
تراجع كبير
عن الإحصائيات الرسمية لتراجع الثروة الحيوانية، قال مدير عام مكتب الزراعة والري بمحافظة الضالع محمد حسين: “لا توجد إحصائيات دقيقة لانهيار عدد قطيع الماشية في السنوات الأخيرة في المحافظة، لكن باستطلاعات في كشوفات التطعيم والحملات البيطرية التي قمنا بها قبل اندلاع الحرب في شأن انهيار الثروة الحيوانية بين الأعوام السابقة وهذا العام فقط، تبيّن أن نصفها تعرض للانهيار”.
“تتفاقم خطورة المشكلة على الثروة التي تمثّل أحد روافد الاقتصاد، كما يُعدّ قطاع الثروة الحيوانية من القطاعات الزراعية الرئيسية، وتمثل نسبة عالية من الدخل الكلي والعائل الوحيد والأساسي للمزارعين”، يضيف حسين.
وعن الإجراءات الحكومية، قال حسين لمنصة ريف اليمن: “في فبراير الماضي من عام 2024، دُشّنت عيادة بيطرية بالمحافظة دعما من الصليب الأحمر، من أجل الحفاظ على الثروة الحيوانية، ومِن شأن العيادة أن تُسهم في تقديم الخدمات الوقائية والعلاجية لمربي المواشي بمعالجة الأمراض التي قد تظهر على المواشي وانخفاض عدد الوفيات”.
وبحسب بيان أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو في 2020، فإن “الثروة الحيوانية توفّر الدخل الرئيسي لأكثر من 3.2 مليون شخص، في جميع أنحاء اليمن، حيث تربي الأسر الأغنام والماعز والماشية، وتعتمد على استهلاك وبيع منتجاتها للبقاء على قيد الحياة”.
وتسببت الحرب الدائرة في البلاد بإلحاق خسائر كبيرة بهذا القطاع المهم، وخلقت عراقيل كثيرة أمام السكان، فقد تسببت في تقليص مساحة الرعي نتيجة انتشار الألغام في مناطق زراعية كبيرة، بالإضافة الى مناطق الاشتباكات، كما أجبرت الأسر التي اضطرت للنزوح على بيع ممتلكاتها من الثروة الحيوانية.