حليب الأبقار.. طوق نجاة الأسر الريفية في الحديدة

بيع الحليب من المشاريع المربحة ويساهم في تأمين لقمة العيش للأسر الريفية

حليب الأبقار.. طوق نجاة الأسر الريفية في الحديدة

بيع الحليب من المشاريع المربحة ويساهم في تأمين لقمة العيش للأسر الريفية

بعد أن كانت تعيش ظروفا معيشية صعبة، تمكنت المواطنة “هدى الزبيدي (35 عاما)”، من تغيير حياتها وأسرتها إلى الأفضل؛ بعد عملها في بيع حليب الأبقار، عقب انتقالها مع زوجها وطفليها إلى منزل ريفي في منطقة “الخمسين”، بمحافظة الحديدة (غربي اليمن).

شرعت الزبيدي في شراء مزرعة صغيرة تعمل بالطاقة الشمسية جوار منزلها، وقررت شراء بقرتين وعدد من الأغنام، في خطوة مثلت بداية تحول جذري في نمط حياتها، عنوانه البساطة، والعمل، والاعتماد على الذات، وكان ذلك سبباً في تغيُّر حياتها إلى الأفضل.

طوق نجاة

تقول الزبيدي، إن فكرة الانتقال إلى الريف جاءت من زوجها، ولم تكن سهلة القبول بداية الأمر، وتضيف: “شعرت بالخوف، وكنت قلقة من العزلة، لكن بعد شراء المزرعة بدأت الحياة تتغير، لم أكن أتخيل أن حياة الريف ستكون بهذا القدر من الجمال والاستقرار”.

وتضيف لمنصة ريف اليمن: “بيع الحليب ساهم في تأمين لقمة العيش لأسرتنا، ونعيش حالياً حياة مستقرة”، وأوضحت أن بيع الحليب من المشاريع المربحة؛ إذ إن حليب بقرتها صار يدر على الأسرة دخلا أسبوعيا يتراوح ما بين 30 و40 ألف ريال يمني؛ أي ما يعادل نحو 80 دولار أمريكي.


    مواضيع مقترحة


في المنطقة التي تعيش فيها هدى، يوجد متعهدون من السكان، يقومون بشراء الحليب الطازج يومياً من الأسر في قريتها والقرى المحيطة، ويحسبون مقدار الحليب باللتر لكل مواطن، كما يتم تسجيل كميات الحليب بدقة عالية، عن طريق سجلات خاصة. وبعد استلامه من المواطنين يتم نقل الحليب للبيع في الجمعيات الزراعية، ومصانع الألبان، وعند نهاية الأسبوع يتم تسليم الأموال لكل أسرة بحسب الكمية المستحقة من الإنتاج.

لم تكن الزبيدي وحدها في هذه الرحلة، فـ”سعيدة حسن”، هي الأخرى اعتمدت على تربية المواشي بعد مرض زوجها وتوقفه عن العمل، وتقول: “بيع الحليب يدر دخلاً أسبوعياً يزيد وينقص وفق الكميات المنتجة”.


بيع الحليب من المشاريع المربحة ويدر دخلا أسبوعيا يعادل نحو 80 دولارا أمريكيا ويساهم في تأمين لقمة العيش للأسر الريفية في الحديدة


وتؤكد سعيدة أن هذا العمل أنقذها من الجوع، وتوضح أن التربية الصحيحة للأبقار شرط أساسي للحصول على كمية أكبر، بالإضافة إلى نظافة الأواني المستخدمة للحليب، وتقول: “الحفاظ على النظافة، وتغذية الأبقار جيدًا، من أهم عوامل جودة الحليب وكثرته”.

تجارة مربحة

تتيح التجارة والاستثمار في الحليب في الحديدة، المجال للسكان التنافس الإيجابي، ويقول “جلال المراعي”، أحد المزارعين إن “الثروة الحيوانية تعد أهم مصادر الدخل للمواطنين في الأرياف وخاصة في ريف تهامة؛ إذ يعتبر الحليب المصدر الرئيسي في غذائهم اليومي”.

وأوضح المراعي لمنصة ريف اليمن أنه في الوقت الحالي أصبح الحليب أكثر أهمية في تحسين مستوى الوضع المعيشي؛ إذ إن ما يحصلون عليه من قيمة بيع الحليب تمكنهم من شراء المواد الغذائية الأساسية.

توجد جمعيات للإنتاج الحيواني تم تأسيسها في الحديدة خلال السنوات الماضية يكمن دورها الأساسي في لعب دور الوسيط بين مربيات الماشية اللواتي يقمنَ بإنتاج الحليب والمصانع التي تشتري الألبان. وتؤكد هدى أن “الجمعيات تضم أشخاصاً من ذوي المهارة العالية والخبرة المشهودة في تحديد مستوى جودة الألبان من خلال التذوق المباشر، إذ لا مجال للغش أو خلط اللبن بالماء”.

في أبريل 2018 أثرت المواجهات التي اجتاحت المنطقة بالكامل، على مسيرة هدى الكفاحية ورفيقاتها، ونزحت مثل غيرها من العائلات، واضطرت لبيع بقرة، وإيداع الأخرى في مزرعة قريبة، كما خسرت مزرعتها ومنزلها، الذي تحول إلى ساحة صراع.


يواجه بائعو الحليب صعوبات في بيعه؛ أبرزها غياب المتعهد في بعض الأحيان، وفساد الحليب بسبب ارتفاع درجة الحرارة قبل وصول المندوب الذي يقوم بنقله إلى المصنع


وفي أواخر 2021، وبعد انسحاب الفصائل المسلحة، شهدت الأمور إنفراجة، وعاد السكان إلى منازلهم لكنهم وجدوها ركامًا، لكن إصرار هدى كان أقوى من الخراب، فأعادت الترميم، وزرعت من جديد، واستأنفت حياتها الريفية رغم المخاطر التي ما زالت تحيط بها؛ خصوصاً الألغام.

حليب الأبقار.. طوق نجاة الأسر الريفية في الحديدة
تعمل كثير من النساء اليمنيات في الأرياف على إنتاج الألبان وإعادة بيعة كمصدر للمعيشة (الفاو)

صعوبات

تصف هدى لحظة عودتها بالمؤثرة، قائلةً: “بكيت كثيرًا وأنا أدخل البيت، كانت الجدران متصدعة، المزرعة جافة، وكل شيء محطم.. لكننا لم نستسلم، ولكن ينتابني قلق عميق، وتظلم الدنيا في عيني، عندما أفكر بعودة الحرب”.

رغم أهمية هذا العمل، إلا أن بائعيّ الحليب يواجهون صعوبات في بيعه؛ أبرزها غياب المتعهد في بعض الأحيان، وفساد الحليب بسبب ارتفاع درجة الحرارة قبل وصول المندوب الذي يقوم بنقله إلى المصنع. ولحلِّ ذلك تلجأ بعض الأسر للقيام ببعض الحلول؛ كتحديد موعد مناسب لحلب البقرة قبل مرور المتعهد بدقائق حتى تتجنب فساده.

ويقول “أحمد حسن فتيني”، أحد المتعهدين، إنهم يستخدمون أدوات تبريد مناسبة لحفظ الحليب في المناطق الحارة، ويتم شراء اللتر بـ130 ريالًا (ربع دولار تقريباً)، مؤكدا أن استراتيجية شراء الحليب من المزارعين تدعم الإنتاج المحلي، وتقلل من الاستيراد.

ويلفت فتيني إلى أن شراء الحليب من المزارعين من أهم الركائز لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وخطوة مهمة لتحفيز نشاط الثروة الحيوانية، والإسهام في زيادة إنتاج الألبان وتشجيع الإنتاج المحلي، والإسهام في تنشيط الاقتصاد الريفي.

وفي بلد يعيش واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية، بحسب تقارير الأمم المتحدة، وبينما يهدد الجوع أكثر من 17 مليون يمني، تثبت هدى ورفيقاتها أن التمسك بالأرض، وتربية بقرة واحدة، قد يغير مسار أسرة كاملة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: