في الوقت الذي يشكل فيه الريف اليمني نحو 70% من سكان اليمن لا يزال حضوره في وسائل الإعلام المحلية باهتًا، ولا يتجاوز حدود التغطيات الموسمية أو الكوارث الطبيعية، فالإعلام بمختلف وسائله نادرًا ما يتوجه بعدساته وأقلامه نحو الأطراف التي تختزن حياة كاملة مليئة بالتحديات الزراعية، التعليمية، الصحية والبيئية.
وبينما يعيش سكان الريف واقعًا متجددًا من المعاناة اليومية، تبقى قضاياهم حبيسة الصمت الإعلامي، أو تمر مرور الكرام في نشرات الأخبار والتقارير العامة، ما يجعل الحديث عن الريف في الإعلام المحلي ضرورة مهنية وإنسانية، تستدعي مراجعة عميقة لدور الإعلام في التنمية والتوعية والتعبير عن الفئات المهمشة.
تغطية محدودة
يقول الدكتور عبدالعالم السبئي، مدير مكتب التربية والتعليم بمديرية مشرعة وحدنان في تعز، إن التغطية الإعلامية لقضايا الريف محدودة، وغالبًا ما تتركز على الأحداث الكبيرة أو الرسمية دون التعمق في التحديات اليومية للقضايا التربوية والصحية والزراعية، وغالبًا ما تُقدَّم هذه القضايا بتقارير عامة لا تُترجم إلى حملات توعية أو دعم فعلي في المناطق النائية.
مواضيع مقترحة
-
مصورو ريف اليمن: عيونٌ عاشقةٌ وملهمةٌ توثق الجمال
-
الإنترنت في الريف: خدمة متقطعة أو خارج التغطية
-
الإذاعة.. حضور بالأرياف رغم طفرة تطور وسائل الإعلام
وأضاف السبئي خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن: “للأسف، الإعلام المحلي نادراً ما يصل إلينا بشكل فعّال أو منتظم، رغم حاجة الريف لبرامج إعلامية تحشد الدعم وتطرح حلولاً واقعية، خصوصًا لمعاناة المعلمين، وانقطاع الطالبات عن التعليم، وافتقار المرافق الصحية، وسوء الخدمات، وغياب الإرشاد الزراعي، إلى جانب قصص النجاح الريفية التي تستحق أن تُروى وتُلهم.”
أول منصة متخصصة
في هذا السياق، يقول مدير تحرير “منصة ريف اليمن”، عماد المشرع، إن المنصة تعطي الريف اليمني وسكانه كل اهتمامها الإعلامي منذ انطلاقتها، حيث تُعد أول وسيلة صحفية يمنية متخصصة بشكل كامل في الريف اليمني وقضاياه.
ويؤكد المشرع أن “الريف ليس مجرد مساحة جغرافية، بل هو مجتمع حيوي يتطلب تغطية متخصصة وعميقة، والمنصة تركز على مجموعة واسعة من القضايا الريفية، بدءًا من الزراعة، مرورًا بالمرأة والطفل، والثقافة والتراث، وصولًا إلى قضايا المناخ والبيئة، الموارد المائية، وحتى قصص النجاح الريفية التي غالبًا ما تغيب عن الإعلام.”
“منصة ريف اليمن تعطي الريف وسكانه كل اهتمامها الإعلامي منذ انطلاقتها، وتُعد أول وسيلة يمنية متخصصة في الريف ونحرص أن تكون رسائلنا إعلامية وتنموية في الوقت نفسه”.
ويضيف: “من خلال تقارير ميدانية وتحقيقات صحفية استقصائية، نسعى إلى تقديم صورة واقعية عن الحياة الريفية، بما يشمل التحديات اليومية والفرص التنموية، كما نحرص على أن تكون رسائلنا إعلامية وتنموية في الوقت نفسه، تساهم في نشر المعرفة، وتحفيز المبادرات المجتمعية، وتوثيق التجارب الريفية الناجحة التي يمكن أن تلهم مناطق أخرى”.
بدوره يشير المدير التنفيذي لإذاعة رمز سعيد القدسي إلى ندرة وسائل الإعلام المختلفة في تغطية القضايا الريفية، نادرًا ما يكون هناك برنامج أو فلاش توعوي يهتم بهذه المواضيع، وغالبًا ما تكون بدعم من منظمات أو جهات مهتمة.
ويضيف القدسي خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أنه وبحكم عمله السابق في أكثر من وسيلة إعلامية، لم يجد اهتمامًا حقيقيًا بقضايا الريف، معتبراً أن الرسالة الإعلامية في المدن شبه مكتملة، بينما ما زال هناك قصور كبير في الريف، لافتا أن إذاعته خصصت مساحة لتغطية قضايا الريف من خلال أكثر من برنامج.
عوامل متشابكة
من جهته، يرى رأفت رشاد، مدير إذاعة عدنية والمستشار في تطوير الإذاعات المحلية، أن غياب الإعلام عن الريف اليمني يعود إلى عوامل متشابكة، أهمها تركيز الإعلام المحلي على المراكز الحضرية، حيث تتركز الأحداث السياسية والأمنية، فيما تبقى المناطق الريفية على هامش التغطية.
ويضيف أن هذا التوجه ليس عشوائيا، بل هو انعكاس لواقع يفرض نفسه، فمعظم وسائل الإعلام تفتقر للإمكانيات المالية والبشرية التي تمكّنها من الوصول إلى تلك المناطق النائية، كما أن التغطية الإعلامية لقضايا الريف تتطلب جهدا ميدانيا، وفهما عميقا للبيئة الاجتماعية والزراعية، وهو ما لا يتوافر دائما في فرق التحرير أو المراسلين.
ويؤكد رشاد أن التغطيات الإعلامية للقضايا الريفية غالبًا ما تكون موسمية أو طارئة، وليست ضمن استراتيجية طويلة الأمد، نتيجة صعوبة الوصول إلى القرى، وغياب البنية التحتية، مشيرا أن إذاعة عدنية FM تسعى إلى كسر هذا التهميش عبر توسيع نطاق البث باستخدام الإنترنت الفضائي، والتخطيط لإطلاق برامج زراعية وصحية ومتعلقة بالمناخ.
“ما يقدم في الإعلام حول الريف غالبا ما يكون في سياق الكوارث والأزمات الإنسانية أو من خلال المبادرات الفردية أو الإذاعات المحلية والمنصات الرقمية كمنصة ريف اليمن التي تحاول سد الفجوة”.
أستاذة الإعلام بجامعة صنعاء وجامعة الملك سعود، الدكتورة بلقيس محمد علوان قالت:”يمكن القول إن الإعلام المحلي اليمني بكل وسائله يُعتبر غائبا جزئيا عن قضايا الريف، وما يقدمه عن الريف وقضاياه ضعيف جدا في تغطيته للقضايا التنموية والاجتماعية العميقة”.
وأرجعت علوان ذلك لهيمنة الصراع السياسي والوضع الأمني على أجندة الغالبية العظمى من وسائل الإعلام (المرئية والمكتوبة والمسموعة والرقمية)، مما يقلل بشكل كبير من المساحة المخصصة للقصص التي تتعلق بحياة أكثر من ثلثي اليمنيين، مثل قضايا المياه، والتعليم، والصحة والتنمية الريفية، والتراث الثقافي غير المرتبط بالحرب.
وأوضحت خلال حديثها لمنصة ريف اليمن أن ما يقدم في الإعلام حول الريف غالبا ما يكون في سياقين رئيسيين:الكوارث والأزمات الإنسانية فتُغطى قضايا الريف عندما ترتبط بالنزوح أو سوء التغذية أو الأوبئة،كـ “أخبار عاجلة” لا كتحقيقات تنموية، أو من خلال المبادرات الفردية الإعلامية المستقلة أو الإذاعات المحلية الصغيرة والمنصات الرقمية كمنصة ريف اليمن التي تقوم بعمل رائع في هذا السياق، وتحاول سد الفجوة.
تحديات هيكلية وميدانية
وعن أسباب غياب الإعلام عن تناول القضايا الريفية، تقول علوان”: يمكن تقسيم أسباب هذا الغياب إلى تحديات هيكلية (متعلقة بالملكية والأجندة) وتحديات ميدانية (متعلقة بالتكاليف والأمن)، حيث أن الأسباب الهيكلية تتعلق بكيفية عمل وسائل الإعلام نفسها ومن يمولها، إذ أن أغلب وسائل الإعلام مملوكة أو مموّلة من أطراف الصراع أو مرتبطة بها، وبالتالي، تُوجّه الأجندة لخدمة الأهداف السياسية والعسكرية على حساب القضايا المحلية غير المسيّسة في الريف.
ومن الأسباب كذلك أن المؤسسات الإعلامية تتركز في المدن الرئيسية، وتُعطي الأولوية للأخبار التي تهم جمهورها الحضري بشكل مباشر، مما يخلق تحيزا ضمنيا يقلل من جاذبية القصص الريفية، أضف إلى ذلك ضعف التدريب ونقص الموارد.
من الحلول التي يمكن من خلالها مواجهة هذه التحديات، التحول إلى نماذج أكثر مرونة وكفاءة، وتمكين الصحافة المجتمعية وتدريب شباب الأرياف مما يقلل التكاليف والمخاطر الأمنية
أما التحديات الميدانية واللوجستية والمتمثلة بتكلفة الوصول والمخاطر فهي – بحسب الدكتورة علوان – أسباب تجعل العمل في الريف شاقا ومحفوفا بالمخاطر نظرا لصعوبة وتكلفة الوصول إلى المناطق الريفية التي تمتد لمساحة شاسعة عبر طرق صعبة ووعرة، أضف إليها ضعف وتقطع شبكة الانترنت والكهرباء الذي يعيق عمل المراسلين، ويزيد الأمر سوءا مع المخاطر الأمنية وغياب الحماية.
المخرج الدرامي والمسرحي أحمد جباره قال إن الإعلام اليمني حاليا بعيد عن الريف بحكم تواجده في المدينة، لكن في السابق كان هناك اهتمام بالريف من خلال البرامج والمسلسلات والأغاني التي تتكلم عن حياة الريف وقضاياه.
ويضيف جباره خلال حديثه لمنصة ريف اليمن أن وزارة الزراعة ووزارة الصحة، كمثال كانتا لهما اهتمام بإنتاج مواد تهتم بقضايا الريف من خلال حملات تثقيف وتوعية وفلاشات لكن دورها غاب في الوقت الراهن، مرجعا أسباب غياب الإعلام عن الاهتمام بقضايا الريف لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وأيضا لحالة الضغوط التي تعيشها وسائل الإعلام ذاتها.
حلول
تطرح علوان مجموعة من الحلول التي يمكن من خلالها مواجهة هذه التحديات، وتقول إنه يمكن أن يتبنى الإعلام المستقل التحول إلى نماذج أكثر مرونة وكفاءة، من خلال تمكين الصحافة المجتمعية (Citizen Journalism)، والاعتماد على تدريب وتجهيز أبناء المجتمع المحلي أنفسهم ليكونوا مراسلين، مما يقلل التكاليف اللوجستية والمخاطر الأمنية بشكل كبير، ويضمن أن القصص تأتي من الداخل.
كما يطرح السبئي حلولا لتمكين الوصول الإعلامي إلى الريف، ومنها تدريب شباب الريف على الصحافة المجتمعية، إنشاء منصات إعلامية محلية أو مجتمعية، مثل إذاعات مدرسية أو صفحات توعوية، بناء شراكات بين الإعلام والمدارس الريفية لإنتاج محتوى تربوي وصحي وزراعي، دعم حكومي ومنظمات دولية لإنشاء وحدات إعلامية متنقلة تصل إلى القرى، وإدماج الإعلام في المناهج التعليمية كأداة للتعبير والتوثيق.
* تم إنتاج هذه المادة من قبل منصة ريف اليمن ضمن مشروع سينما الأربعاء بالشراكة مع بيت الصحافة ومؤسسة أرنيادا للتنمية الثقافية.