محافظة الجوف اليمنية: معالم تأريخية وآراضي واسعة

محافظة الجوف اليمنية: معالم تأريخية وآراضي واسعة

الجوف هي إحدى محافظات الجمهورية اليمنية، وتقع في الشمال وهي رابع أكبر محافظة يمنية من حيث المساحة، تشتهر بزراعة الحبوب والخضروات والفواكه والأعلاف، ويعمل سكانها في الزراعة وتربية الحيوانات، بالإضافة إلى الصناعات الحرفية، وتربية النحل.

وتعتبر محافظة الجوف، من أغنى المناطق التاريخية بالكنوز الأثرية، و كانت تُعرف قديماً بجوف المعينين، الذين أسسوا فيها إحدى أهم الممالك في الحضارة اليمنية القديمة، وشيدوا معابدهم ومساكنهم في النصف الثاني قبل الميلاد.

الموقع والمساحة والسكان

تقع محافظة الجوف شمال شرق العاصمة صنعاء، وتبعد عنها بحدود 143كم، ويحدها من الشمال محافظة صعدة، ومن الشرق صحراء الربع، ومن الجنوب أجزاء من محافظتي مأرب وصنعاء، ومن الغرب محافظتي عمران وصعدة. وهي أيضاَ حدودية مع المملكة العربية السعودية وأكبر المحافظات الشمالية من حيث المساحة.

تبلغ مساحة محافظة الجوف، حوالي (39495) كم، وعدد مديرياتها 12 مديرية ، ومركز المحافظة هي مدينة الحزم، والمديريات هي كل من: خب والشعف وهي الأكبر من حيث المساحة، الحميدات، المطمة، الزاهر، المتون، المصلوب، الغيل، الخلق، برط العنان، رجوزه، خراب المراشى.

وتعد رابع أكبر محافظة يمنية من حيث المساحة، بعد حضرموت وشبوة والمهرة. يبلغ عدد سكانها 443.797 نسمة، يشكلون ما نسبته (2.3%) من إجمالي سكان الجمهورية اليمنية، وينمو السكان فيها بمعدل 2.44% سنوياً وفق نتائج التعداد السكاني لعام 2004.

التضاريس والمناخ

يغلب على تضاريس محافظة الجوف اليمنية الطابع السهلي، إذ تتداخل مع صحراء الربع الخالي، وتتميز بمناخ صحراوي، لكن تتوزع تضاريس المحافظة  الواسعة بين مرتفعات جبلية وهضاب وسهول واسعة، ومناطق صحراوية وشبة صحراوية، وأراضي خصبة ووديان كبيرة.

أما المناخ فهو معتدل صيفاً وبارد شتاءاً في المناطق الداخلية والمرتفعات الجبلية ويسود المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية المناخ الحار أثناء الصيف والمعتدل شتاءاً في النهار ويميل إلى البرودة في الليل.

الزراعة في الجوف

تعتبر الزراعة وتربية الحيوانات النشاط الرئيسي لسكان محافظة الجوف ، إذ تشكل المحاصيل الزراعية ما نسبته 28% من إجمالي الإنتاج الزراعي في اليمن. وتعد محافظة الجوف إقليما زراعياً، ومن أهم محاصيلها الزراعية الحبوب والخضروات والفواكه والأعلاف.

وتحتل المرتبة السادسة بين محافظات الجمهورية من حيث إنتاج المحاصيل، وبلغ إنتاج محافظة الجوف عام 2013 من الحبوب والخضروات والفواكه والبقوليات والمحاصيل النقدية والاعلاف نحو 243521 طنًا، بينما بلغ الناتج الحيواني نحو 1330298 وبلغ إنتاج النحل 894 كيلو.

ويعتمد سكان محافظة الجوف على الزراعة وتربية الحيوانات بشكل متفاوت بين المديريات في حين يمارس البعض منهم تربية النحل بنسبة قليلة .

ويمارس السكان بعض الصناعات الحرفية مثل غزل الصوف في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية وصناعة العزف من سعف النخيل في المناطق السهلية وضفاف الأودية.

محافظة الجوف اليمنية: معالم تأريخية وآراضي واسعة
تعتبر الزراعة وتربية الحيوانات النشاط الرئيسي لسكان محافظة الجوف

المعالم الأثرية

تعتبر محافظة الجوف اليمنية من أغنى المناطق بالكنوز الأثرية، وعرفت في اليمن القديم بجوف المعينين، نسبة قبلية معين الذين أسسوا فيها “مملكة مَعين” وشيدوا معابدهم ومساكنهم في النصف الثاني قبل الميلاد.

تزخر بالعديد من المعالم الأثرية والتاريخية ففي مديرية حزم الجوف توجد مدينة قرناو معين، وخربة أل علي، ومدينة كمنهو خربة كمنة، ومعبد النصيب، ومدينة نشن خربة السوداء، ومعبد عُثتر، وبنات عاد، ومدينة نشق خربة البيضاء، وقرية السلمات، وجبل اللوذ والقارة والمساجد.

وقد اشتهرت بعض مدن ومواقع محافظة الجوف وذاع صيتها بشهرة مملكة معين مثل مدينة البيضاء التي كانت تعرف قديما باسم “نشق” والتي مازالت معالمها ومعابدها باقية حتى اليوم، وتوجد معالم أثرية في مديرتي برط العنان وخب والشعف، بالإضافة إلى قبيلة أمير، ومدينة حنان، ومعبد يغرو، ونقوش الاعتراف. وهنا نرود أبرز المعالم التأريخية والأثرية:

  • مدينة معين “قرناو”

تقع هذه المدينة إلى الشمال من مركز المحافظة مدينة الحزم على بعد نحو 7 كم، وهي عاصمة مملكة معين المشهور بمملكة البخور لشهرتها بتجارة البخور في العهد القديم، والتي كانت تعرف أيضاً حسب ما تحكيه النقوش اليمنية القديمة باسم “قرناو” تعتبر أهم المدن القديمة والأثرية بمحافظة الجوف.

وبنيت مدينة معين على مرتفع لحمايتها من أضرار السيول الجارفة، وأيضاً كحماية دفاعية عند الحروب، وما زالت هذه المدينة، وكذلك باقي ومدن الجوف القديمة والأثرية قائمة حتى اليوم، رغم مرور آلاف السنين وتعرضها للعديد من المتغيرات الطبيعية والبشرية.

ولم يكن يعرف علماء الآثار عن هذه المدينة شيئاً، رغم تميزها بالمعالم الحضارية والتاريخية، لأنها كانت وما زالت مطمورة تحت الرمال، حتى اكتشفها المستشرق الفرنسي “هاليفي” أثناء زيارته لمدن وخرائب الجوف القديمة، وعند زيارته لمدينة معين قرأ على معالمها اسمها مكتوب بالخط المسند.

كما أشار هاليفي أن هذه المدينة وباقي الخرائب الأثرية في الجوف من أغنى مناطق اليمن والجزيرة العربية بالآثار، ولكن للأسف لم يتم حتى اليوم أي أعمال حفريات، وتنقيبات أثرية علمية ومنظمة في هذه المدينة، سواء النبش العشوائي من قبل لصوص الآثار والتاريخ.

محافظة الجوف اليمنية: معالم تأريخية وآراضي واسعة
مدينة براقش “يثل” التأريخية في محافظة الجوف
  • مدينة براقش “يثل”

كانت بَراقِش مدينة تُعرَف في النقوش اليمنية القديمة المسندية باسم يثل، وتُعتبر العاصمة الدينية لمملكة معين، وهي أقدم مدينة باليمن، يرجع تاريخها إلى 1000 سنة قبل الميلاد. وقد أعاد السبئيون بناء سورها تقريباً عام 500 قبل الميلاد، لكنها شهدت عصرها الذهبي حوالي عام 400 قبل الميلاد.

وتعتبر مدينة براقش هي العاصمة الدينية لمملكة معين، وقد بنيت هذه المدينة مثل باقي المدن القديمة على مرتفع محاطة بأسوار عظيمة ومنيعة، عليها أبراج للحماية والمراقبة من كافة الاتجاهات، وقد ذكر استرابون اسم هذه المدينة من بين المدن التي أحتلها القائد “اليس جاليوس” أحد قادة الامبراطور الروماني خلال حملته العسكرية على اليمن بين العامين (25-24) قبل الميلاد.

وما زال سور مدينة براقش موجود من ابراجه التي يبلغ عددها 56 برجا. وكانت من المدن المهمة قديماً، نظراً لوقوعها على طريق القوافل التجارية المحملة بالعطور والطيب والتوابل، والتي تحملها إلى بلاد الشام.

ويوجد في مدينة براقش معبد “نكرح” وهو من المعابد ذات الطراز المعماري المميز للمعابد في مملكة معين، حيث تتضمن هياكله الجزء الأكبر منها على قاعدة كبيرة مغطاة بسقف يستند على أعمدة، وهذا النموذج من المعابد ظهر في حضرموت في مدينة “ريبون ومكينون” وفي أثيوبيا.

  • مدينة السوداء “نشأن”

مدينة السوداء والتي كانت تعرف قديماً باسم “نشأن” وقد اشتهرت بصناعة المعادن؛ حيث عُثر فيها على بقايا خامات المعادن المختلفة وأيضاً أدوات تستعمل في التعدين وفي تحويل المعادن إلى أدوات، وهي المدينة التي يوجد فيها مجموعة من المعابد، يطلق عليها سكان المنطقة معابد بنات عاد، لإن أعمدة المعابد مزخرفة بزخارف جميلة، تمثل أشكال آدمية لنساء وحيوانية، تمثل وعول وأيضاً أشكال هندسية تضاهي معابد بلاد الرافدين.

وتوجد كثير من المعابد القديمة والتي مازالت زخرفها مرسومة على الاعمدة الحجرية، كم يوجد النقش الشهير والذي يعرف باسم نقش النصر، والذي يعود للملك السبئي المكرب كرب إيل وتر بن ذمار على ذارح، والذي يذكر فيه أن مدينة السوداء “نشأن” تعرضت لحملات عسكرية قامت بها جيوش سبأ، وأن المدينة تعرضت للخراب والدمار هي وأسوارها وقصرها الملكي.

محافظة الجوف اليمنية: معالم تأريخية وآراضي واسعة
معبد عثتر او كما يطلق عليه محليا “بنات عاد” في محافظة الجوف (عبد الرحمن الغابري)
  • مواقع أثرية مطمورة

أيضاً يوجد في محافظة الجوف مدن أثرية وخرائب طمرت معالمها بالأتربة والرمال، بفعل عوامل الزمن من تصحر وجفاف وسيول وغيرها.

ومن هذه المواقع الأثرية الأقل شهرة، والتي يرجح المؤرخون بأنها تعود لمملكة معين، مدينة بيحان -مختلفة عن مدينة بيحان المعروفة حاليا التي تقع ضمن دولة قتبان القديمة- ومدينة سراقة، وابنه وقعم، ولوق وغيرها من المدن.

لمحة عن الوضع الحالي 

تعد محافظة الجوف من المحافظات المهمشة لم تشهد تنمية خلال العقود حيث أن أكبر العمران فيها بمدينة الحزم، لكنها لم تسلم خلال السنوات من أشرس المعارك بين أطراف النزاع وشهدت كر وفر في السيطرة، كما تم استخدام المدن التأريخية كمواقع عسكرية.

وعلى الرغم من المقومات الاستثمارية الكبيرة التي تحظى بها محافظة الجوف مثل تنوع التضاريس والوديان الخصبة لكن لم يتم استغلال الأراضي الزراعية بشكل جيد، خلال العقود الماضية حتى الآن.

وتعاني من غياب الخدمات والبنية التحتية اللازمة، وبالرغم من أهميتها التأريخية ووجود مناطق ومدن تأريخية لكن لا يوجد أي استثمار في هذا الجانب، وتعاني المواقع التأريخية من الإهمال وحالة العبث.


المصدر: ريف اليمن + المركز الوطني للمعلومات

الكاتب

مواضيع مقترحة: