تُطلّ قريتي الخيفة والرأس الواقعتان في قمة جبل براشه بريف مديرية مقبنة بمحافظة تعز، على مناظر طبيعية خلابة، لكن الحياة في هاتين القريتين ليست سهلة على سكّانها الذين يعانون من وعورة الطريق، التي تُعدّ شريان الحياة الوحيد، والتي تحوّلت إلى كابوس حقيقي بسبب الإهمال الحكومي وعدم الصيانة لأكثر من 14 عامًا.
ويواجه السكان صعوبات وتحديات كبيرة في مختلف مجالات حياتهم اليومية، فليس بمقدورهم إسعاف المرضى حيث تفقد النساء أولادهن اثناء الولادة، ومن الصعوبة نقل الخدمات الأساسية إلا عبر الحمير، أو بتكلفة باهظة ضاعفت معاناتهم، وحرمت الطلاب من مواصلة تعليمهم الجامعي.
يعقوب الشميري (34 عاماً) واحدٌ ممن أجبرته تكاليف السفر الباهظة بفعل وعورة الطريق، إلى إيقاف دراسته الجامعية، والسفر للعمل في السعودية لتأمين الغذاء لأفراد عائلته، وذلك في بلدٍ تعصف به الحرب منذ أكثر من تسع سنوات، ويعيش سكانه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
جبل البراشه: تكاليف مضاعفة
ينحدر الشميري من قرية الخفية، ويقول لمنصة ريف اليمن: “طريق قريتنا الوعرة أثقلت كاهل المواطن المغلوب على أمره، لا تستطيع عبور طريق القرية سوى السيارات القوية القديمة، وهي تتطلب تكاليف مضاعفة؛ إذ يصل إيجار السيارات نحو 70 ألف ريال، رغم أنه لا يمكنها نقل الحمولة كاملة بسبب وعورة الطريق”.
وقال الشميري: “كثير من سكان قريتي الخيفة والرأس لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف الباهظة بسبب تدهور وضعهم المادي، فهم يضطرون إلى السفر مشياً على الأقدام، وبعضهم يستخدمون الحمير والجمال، وهو مشهد يعكس حجم المعاناة التي يتكبدها السكان بشكل يومي”.
معاناة سكان هذه المنطقة تُشعر أن أهلها يعيشون في زمن مختلف، فحركة التنقل لم تتوقف عند تكاليف النقل فقط، بل امتدت لتشمل معاناة أخرى أشد وأقسى، يقول يعقوب: “مع كل هطول للأمطار، يتحول الطريق إلى مستنقعات موحلة، مما يُعيق حركة المرور بشكل كامل، ونضطر إلى حمل المرضى على الأكتاف”.
وأشار إلى أن هذه الطريق قد تسببت في كثير من الحوادث، أبرزها إصابة الوالد حميد علي زلط، فقد انكسرت رجلاه، ولا يزال طريح الفراش منذ 13 عاما.
بالإضافة إلى التكاليف الباهظة يزداد الحال سوءا بالنسبة للمرضى، خصوصاً النساء الحوامل وكبار السن، نتيجة غياب المرافق الصحية؛ إذ يبعُد أقرب مركز صحي من قريتي الخفية وقرية الرأس نحو 20 كيلومترا في مدينة حيس بمحافظة الحديدة.
الموت قبل الوصول
لا تزال السيدة أسماء علي (27 عامًا) تتذكر ذلك اليوم الأليم عندما خاضت صديقتها فاطمة تجربة مخاض قاسية بسبب وعورة الطريق وغياب الخدمات الصحية في الرأس الواقعة بجبل البراشة بمديرية مقبنة بريف تعز.
تقول أسماء: “المرأة الريفية كُتب عليها الشقاء، وربما كُتب لها الموت بسبب غياب المرافق الصحية والطرق الوعرة، وإذا تعسرت الولادة في القرية نتعرض للموت أيضا؛ لأن سيارات الإسعاف لا تستطيع العبور بسبب وعورة الطريق”.
بحسرة تروي السيدة أسماء تفاصيل صديقتها فاطمة لمنصة ريف اليمن: “فاطمة في إحدى الأيام شعرت بالطلق (ألم الولادة) فأسعفناها، وبسبب وعورة الطريق واضطراب السيارة، أنجبت مولودها على السيارة وتوفي على الفور، ونُقلت الأم إلى المستشفى بـِحَيس، وكانت حالتها سيئة، ولكن بفضل الله تعافت”.
وتابعت: “في السابق كان لدى قريتنا مركز صحي، لكنه لم يستمر سوى سنة واحدة”، وتشير إلى أنه كان يفتقر إلى طبيبة نساء وولادة، فلو توفر مرفق صحي، لأسهم في تخفيف مثل إنقاذ حياة كثير من النساء والأطفال.
وتواجه النساء تحديات كبيرة بسبب وعورة الطريق، خاصةً عند جلب المياه والاحتطاب، تقول أسماء: “نذهب في الصباح الباكر، ونمكث إلى وقت الظهيرة تحت أشعة الشمس الحارقة، ننتظر الحصول على المياه من البئر، الذي يبعد نحو 3 كيلومترات، ونحمل الماء فوق رؤوسنا، ليس بمقدورنا شراءه بسبب التكلفة الباهظة”.
وتضيف: “نحمل عبء العائلة على أكتافنا، محرومين من أبسط الحقوق، من الطريق والماء والتعليم والخدمات الصحية والكهرباء. نخشى على أرواحنا وأرواح أطفالنا كل يوم”.
مبادرة لإنهاء المعاناة
دفعت هذه المعاناة التي كان يتكبدها سكان قرى جبل البراشة، الشباب إلى إطلاق مبادرة تعاونية، في ديسمبر/ كانون أول 2023، لإعادة تأهيل طريق جبل براشة، وشارك فيها جميع أفراد المنطقة بما يستطيعون.
يقول محمد البرشي وهو أحد مؤسسي المبادرة: “بعد أن تعثّرت الجهود الحكومية، شرع الأهالي والسكان العمل بمعاولهم البدائية، ثم تكاتف السكان وتمكّنوا من تشكيل لجنة مكونة من 10 أشخاص في منتصف نوفمبر/ تشرين ثاني 2023، للإشراف على تنفيذ المبادرة وسُمّيت لجنة صيانة طريق البراشة الخيرية”.
يشرح يعقوب الشميري وهو أحد القائمين على المبادرة تفاصيل سير العمل، فيقول: “عقب تشكيل اللجنة حُصّلت المبالغ والمساهمات من المواطنين بحسب قدراتهم، فكانت بعض الأسر تدفع نحو 1000 ريال، وبعضها يدفع نحو 2000، وأسهم بعض السكان بالعمل، في حين ساهمت النساء بإعداد الطعام للعاملين”.
وقال الشميري لمنصة ريف اليمن: “كانت المساهمات تُجمع لمدة شهرين إلى ثلاثة شهور، ثم نشرع في تعبيد الأماكن الأشد تضررا، وقد بلغت التكلفة الإجمالية منذ بداية العمل وحتى اللحظة نحو 35 مليون ريال يمني بتمويل من الأهالي والتجار والمغتربين الذين ينحدرون من تلك المناطق”.
توقف إجباري لانعدام الدعم
يبلغ طول الطريق الدائري الجبلي الذي يُعدّ شريان الحياة للمواطنين في قرية الخيفة وقرية الرأس البالغ عدد سكانها نحو 9 آلاف نسمة، بمديرية مقبنة بريف تعز -يبلغ نحو 12 كيلومترا، وقد تمكّنت المبادرة حتى اللحظة من ترميم ورصف نحو 600 متر فقط بالحجارة والاسمنت، وذلك في ثلاثة أشهر.
يؤكد محمد البرشي: “برغم النجاحات التي حققتها المبادرة في إعادة تأهيل طريق جبل براشة، ما تزال هناك كثير من التحديات التي تواجهها منها”، ويشير أن الطريق وعرة وصعبة جداً؛ لأنها تقع على قمة جبل شاهق، والصخور صلبة والمعدات بسيطة تتطلب جهودًا مضاعفة وتكلفة باهظة”.
وأضاف: “المشروع ينقصه الدعم المالي، فالطريق طويل، وما يزال 2000 متر بحاجة إلى صيانة. طرقنا أبواب الجهات الرسمية والمنظمات الإنسانية، لكن مع الأسف لم نلمس أي استجابة من الجميع حتى هذه اللحظة”.
تجدر الإشارة إلى أن طريق جبل البراشة كان قد بدأ الصندوق الاجتماعي العمل فيها، لكنه تعثر ولم يُكمل، وقال محمد البرشي: “الصندوق تدخل في رصف بعض العقبات وتوسعة مسافة 10 كيلومترات في الطريق التي شقّها الأهالي، وانتهى تدخله عند هذا الحد، وكان المشروع يُسمّى النقد مقابل العمل”.
ودعا محمد البرشي -وهو أحد مؤسسين المبادرة– التجار والمنظمات ومن يستطيع مساعدتهم لإكمال المبادرة، وقال: “الناس يعيشون في وضع معيشي سيء، ولا يمتلكون أدنى مقومات الحياة، ولا يجدون مَن يوصل معاناتهم، وغالبية المنظمات تصل إلى المناطق القريبة، لكن لاتصل إليهم رغم أن منطقتهم أكثر احتياجا”.
وكرر دعوته إلى من يريد معرفة الوضع الحقيقي عن كثب قائلا: “نرحب بأي زيارات ميدانية لمعرفة أحوال الناس، وتسهيل بعض الصعوبات التي يمكن أن تحسن من الوضع المعيشي والتعليمي”.
وخلفت الحرب في اليمن أضرارًا جسيمة في البنى التحتية لشبكة الطرق المعبدة التي هي محدودة، ووفقًا لتقديرات سلطات الحوثيين في صنعاء والحكومة المعترف بها دوليًا في عدن، دمرت الحرب مالا يقل عن 100 جسر وحوالي ثلث الطرق المعبدة في اليمن (بطول 5 آلاف إلى 6 آلاف كيلومتر)، بحسب دراسة نشرها مركز صنعاء في يناير 2023.