يعيش أطفال ريف محافظة البيضاء، وسط اليمن، معادلة فريدة من السعادة المشوبة بالمشقة، ورغم أنهم متأثرون مثل كافة أقرانهم من تداعيات الأزمة المستمرة منذ عقد من الزمن، إلا أن براءتهم وسعادتهم تظل شعلة أمل مضيئة وعنواناً لقدرتهم على إيجاد الأمل وسط المآسي المستمرة.
في قرية “ماور” بريف البيضاء، يقول الطفل أسعد الماوري لمنصة ريف اليمن:”نسعد كثيراً عندما نرافق أصدقائنا في الأعمال اليومية، مثل رعي الأغنام أو جلب المياه. نروي القصص لبعضنا خلال العمل، ومن يفوز بقصته يحصل على إجازة ذلك اليوم، ليقوم الآخرون بعمله بدلاً عنه”.
أعمال شاقة ومواقف سعيدة
وكحال غالبية الأطفال في ريف اليمن يحاولون صناعة الترفية بطريقتهم الخاصة في التفكير بالألعاب والمسابقات التقليدية، ويمارسونها في أزقة حاراتهم الترابية أو في الوديان والمراعي الخضراء التي يمارسون فيه مهمة رعي الأغنام، التي في العادة هي مهنة شاقة تثير تذمرهم لكنهم يجدون أنفسهم أمام مهمة ضرورية من أجل ذويهم.
مواضيع مقترحة
أطفال الريف في اليمن.. أحلام مُثقلة بأعباء الكبار
أطفال الريف بين مشقة العمل والحرمان من التعليم
كيف يقضي أطفال الريف في اليمن إجازتهم الصيفية؟
في اليوم العالمي للطفل، الذي يصادف 20 نوفمبر من كل عام، يتجلى مشهد هؤلاء الأطفال وهم يؤدون أعمالاً شاقة ورغم ما تحمله هذه المهام من جهد، إلا أنها تُمزج بمواقف تضفي على حياتهم السعادة والمرح.
الطفل محمد الملاحي من قرية ملاح في مديرية العرش برداع، فيؤكد أن الأطفال يلعبون “الملاكمة” خلال أوقات الفراغ، مستلهمين حلمهم من أحد أبناء قريتهم، الذي أصبح ملاكماً عالمياً، كما يشير إلى ألعابهم التقليدية، مثل “الجنابل” وهي الكرات الزجاجية التي تسمى بالزراقيف و”القحطمة”، التي تجمع الأطفال في أجواء مفعمة بالمرح.
تشير تقارير دولية إلى أن الأطفال في اليمن يمثلون الفئة الأكثر تضرراً من آثار الحرب، حيث اضطر كثير منهم إلى ممارسة مهام تفوق أعمارهم ويوجد نحو 4,5 مليون طفل يمني خارج مقاعد الدراسة، إلا أن هذه الصعوبات يحاولون التكيف معها على مستوى المجتمعات الصغيرة.
ودورة حياة الأطفال في ريف اليمن تبدأ في وقت مبكر من الصباح، إما بالذهاب إلى المدرسة إذا كان ملتحقاً بها، أو يذهب إلى رعي الأغنام في أقرب وادي من قريتهم، وهناك يبني شبكة من الأصدقاء الذين يشبهونه بهمومة الكبيرة، ومحاولات المرح اليومية، الذي يعود إلى حارته الصغيرة عصرا لممارسة اللعب بإسترخاء أكثر بعيداً عن مسؤولية الرعي المزعجة.
ابتكار الفرح في العمل
الطفلة رحمة الرداعي تتحدث عن لعبتها المفضلة، “الواروار”، حيث قالت إنها تشكل مع صديقاتها أكواماً صغيرة من التراب، يتبادلن اللعب والبحث عنها. تقول رحمة إن من يفشل في إيجاد “واروار” صديقه يُعاقب بطريقة مرحة، مما يضفي مزيداً من الحماس والتفاعل.
ومن المهن المرتبطة بأطفال الريف جلب الماء على ظهور الحمير وغالباً ما تتزامن هذه المهمة مع لحظات رائعة يعيشها الصغار ويعملون على ترسيخها فيما بينهم بمرور الوقت وكذلك أعمال الزراعة وما توفره من أجواء محببة للأطفال فيما بينهم أو برفقة الكبار من أولياء أمورهم .
يقول الأخصائي في علم النفس التربوي، محمد السعيدي:”رعي الأغنام من المهام التي تتطلب أوقاتاً طويلة في الطبيعة، ما يتيح للأطفال بناء صداقات قوية وتنمية حس التعاون بينهم”.
يوضح السعيدي لمنصة ريف اليمن، أن الطبيعة النقية في الريف والأجواء الصحية تلعب دوراً إيجابياً في التخفيف من حدة الأثر النفسي للصعوبات التي يواجهها الأطفال، قائلاً:”من رحمة الله بهؤلاء الأطفال أن أرواحهم الإيجابية تساعدهم على تجاوز الصعوبات التي فرضتها الحرب، لافتا إلى أن الطبيعة النقية والأجواء الصحية في الريف تنعكس إيجابيا على نفسياتهم”.
وأضاف:” يلتقي الأطفال في الوديان وينفذون أعمالا مشتركة من تناول الأطعمة الطبيعية وأكل بعض الأشجار، ناهيك عن الألعاب البسيطة وكل ذلك يساهم في خلق أجواء من السعادة في نفوس الأطفال”.
تحديات ومسؤوليات مبكرة
رغم السعادة والمرح التي يعيشها أطفال الرّيف بمحافظة البيضاء لكنها لا تلغي حقيقة المعاناة التي يعيشونها مثل بقية أطفال اليمن في ظل الحرب وتداعياتها وما تخلقه أمامهم من صعوبات ومخاطر وتهديدات متعددة على حياتهم وصحتهم النفسية والجسدية والسلوكية وما تحمله من عواقب على مستقبلهم.
ومن أبرز الصعوبات التي يواجهها الأطفال هو التعليم إذ أن أعمالهم التي يطغى عليها المرح والتسلية تكون بشكل او بآخر من أبرز التحديات والصعوبات التي تعيق تعليمهم والتحاقهم بالمدارس.
يتحمل الكثير من الأطفال مسؤوليات تحرمه من مواصلة تعليمه إذ تقول الطفلة أسرار الحميدي لمنصة ريف اليمن “أنه من الصعب عليها الإلتزام بالدوام المدرسي وهي تذهب لجلب الماء في الصباح الباكر من مسافات طويلة” .
وبحسب اليونيسيف فإن 4.5 مليون طفل يمني خارج المدرسة مما يعني أنه في غضون ما بين خمس وعشر سنوات، ربما يكون الجيل القادم أميا، وربما لا يعرف الحساب، ولديه القليل جدا من المهارات الحياتية والتأسيس، وهذا سيكون أمرا إشكاليا أكثر وأكثر مع انتقال البلاد إلى المرحلة التالية مع جيل جديد”.
يرى التربوي نبيل القدسي بأن: “الكثير من الأطفال وخصوصاً في الأرياف لا يدركون أبعاد ومخاطر الصعوبات والتحديات الكبرى لذلك فإنها لا تؤثر على سعادتهم الوقتية التي سرعان ما تتحول بمرور السنين الى أوقات ندم و حسرات” .
ويشير القدسي إلى أن الأطفال في الريف غالباً ما يجهلون الأبعاد طويلة الأمد لهذه الصعوبات، مما قد يؤدي إلى ندمهم لاحقاً على ما فاتهم من فرص تعليمية. وتظل الحاجة ملحة إلى تعزيز الوعي بأهمية التعليم وتوفير الخدمات الأساسية لضمان مستقبل أفضل لهؤلاء الأطفال الذين يحملون أحلاماً كبيرة تحت وطأة الكفاح اليومي.