يُعاني سكان عزلة حِميَر مقبنة غربي محافظة تعز، من أزمة خانقة في المياه، وصعوبة كبيرة للحصول عليها، مما يضاعف معاناتهم اليومية في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة والاحتياجات الأساسية التي لا تنتهي، في بلد يشهد أسوأ أزمة إنسانية بالعالم.
حِميَر مقبنة
وتعتبر منطقة حِمْيَر الجبل، واحدة من المناطق الجبلية التي تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية؛ إذ يواجه أهالي المنطقة صعوبة كبيرة في الوصول إلى مصادر المياه، ويضطر كثير منهم إلى السير لمسافات طويلة تصل إلى ساعات بحثًا عن الماء، مما يؤثر سلبًا على حياتهم ويزيد من الأعباء المعيشية.
يقول معين الحميري أحد سكان المنطقة: “نحن نعاني يوميًا من نقص المياه، ونضطر أحيانا إلى الانتظار لأيام للحصول على بعض المياه من الآبار القريبة، وعندما نحصل عليها تكون غير نظيفة”، ويشير الحميري إلى أن المياه المتاحة غالبًا ما تكون ملوثة، مما يعرض الأسر إلى مخاطر صحية كبيرة.
ويضيف لمنصة ريف اليمن: “النساء في القرية يذهبن يومياً إلى مناطق بعيدة، تقدر مسافتها بنحو كيلومتر واحد، بحثاً عن الماء، ويحملن فوق رؤوسهن (جالون) سعة 20 لترًا، ويعُدن إلى منازلهن، وأحياناً يضطررن إلى العودة بدون ماء”.
وتابع واصفا المعاناة: “الطريق وعرة جداً، ولا تسمح بوصول وسائل نقل الماء مثل الوايتات، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الحَمِير، فقد وصل سعرها حاليا إلى 100 ألف ريال (50 دولارا) أو أكثر. نحن نعيش في حالة من القلق المستمر حول كيفية تأمين الماء لعائلاتنا”.
مواضيع مقترحة
- مقبنة تعز.. ثكنات الحرب تمنع إنقاذ حياة المرضى
- جبل البراشه في “مَقبنة”: الطريق تفقد النساء حَمْلهِن
- سكان ريف تعز: كفاح من أجل توفير الغذاء
معاناة يومية
أحمد سليمان، أحد سكان القرية، يشكو أيضا من هذه المعاناة، ويقول: “تضطر النساء في قريتنا إلى الذهاب يومياً لجلب الماء من العيون والآبار التي تبعد مسافات طويلة، يحملن على رؤوسهن جالون سعة 20 لترًا، وفي أيديهن جالونات صغيرة سعة خمس لترات”، لافتا إلى أن النساء يقفنّ بالصباح الباكر في طابور طويل لجلب المياه من الآبار البدائية بالطريقة التقليدية.
وتابع: “انقطاع المياه أدّى إلى ارتفاع نسبة الأمية بين النساء، ولا سيما الفتيات؛ إذ أصبحن مشغولات بجلب الماء عن الذهاب إلى المدرسة، كما أن كثيرا منهن يعانين من مشكلات في العمود الفقري، نتيجة للجهد البدني الكبير أثناء إحضار الماء”.
ويشكو كثير من أبناء عزلة حِمير الجبل حجم المعاناة التي يتلقونها للحصول على المياه لأسرهم، ووفق تقرير صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تعيش اليمن أزمة خانقة في توفير المياه؛ إذ لا تغطي شبكة أنابيب المياه إلا 30% من السكان، مبينا أن أكثر من 15 مليون شخص يلجؤون إلى طرق مكلِّفة ومستهلكة للوقت في سبيل الحصول على ما يكفيهم من المياه.
مفضل الحميري أيضا، يقول إن عزلة حِمْيَر تقع على قمة جبل صخري، وتضم أكثر من 15 قرية تحتوي على أكثر من 800 منزل، تعاني من أزمة حادة في مياه الشرب. وأوضح أن سكان المنطقة يعتمدون بشكل أساسي على تخزين مياه الأمطار، إلا أن شح الأمطار هذا العام زاد من تفاقم الأزمة.
وأضاف الحميري لمنصة ريف اليمن أن الأهالي يضطرون في أوقات الأزمات إلى الذهاب إلى مناطق بعيدة جدا لجلب المياه، مؤكدا أن منطقة حِميَر تعاني من الإهمال من قبل السلطة المحلية، فقد كان هناك مشروع مياه ارتوازية قبل 25 عامًا، لكن المشروع توقف بسبب خلافات، ولم يُستأنف حتى الآن.
وأشار إلى أن هناك أكثر من 120 أسرة معوزة في المنطقة لا تملك أي إمكانيات مثل خزانات المياه، وهذا يجعلها تذهب باليوم مرات عدة لجلب الماء لسد حاجتها، مما يستدعي إطلاق صرخة استغاثة للجهات المعنية من أجل تقديم المساعدة العاجلة لهذه الأسر المتضررة.
خطورة صحية ونداء استغاثة
وعن خطورة استخدام المياه المكشوفة، قال الدكتور هائل سعيد إن ذلك يشكل خطراً كبيراً على الصحة العامة، ويمكن أن تسهم في تفشي الأمراض، خصوصاً بين الأطفال وكبار السن.
ويتسبب استخدام المياه المكشوفة إلى انتشار كثير من الأمراض، مثل الكوليرا والإسهال المائي، بالإضافة إلى الأمراض الجلدية خصوصا بين الأطفال.
وتقول عائشة حزام، وهي أم لخمسة أطفال: “أخشى على صحة أطفالي، كلما مرض أحدهم، أجد نفسي مضطرة إلى إنفاق ما لدي على العلاج بدلاً من شراء الماء”.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، أطلق سكان حمير الجبل نداءات استغاثة إلى المنظمات الإنسانية والسلطات المحلية للتدخل وتوفير مشروع مياه للعزلة.
يقول الناشط والصحفي علي الكدهي أحد سكان العزلة: “نحن بحاجة ماسة إلى مشاريع مياه مستدامة، ويجب على الجهات المعنية التحرك بسرعة لتلبية احتياجاتنا الأساسية”.
ويؤكد الكدهي أن توفير مشروع المياه ليس مجرد ضرورة حياتية، بل هو حق إنساني يجب احترامه، مطالبًا السلطة المحلية بتقديم الحلول اللازمة لإنهاء هذه الأزمة.
وأشار إلى أن أبناء المنطقة يواجهون مشقة وتعبًا ومعاناة وهم يبحثون عن الماء، ويذهبون لجلب الماء مِن الآبار في القرى المجاورة، وربما لن يشعر أحد بمعاناة أبناء هذه العزلة إلا من زار المنطقة أو عاش فيها.
ووفق بيانات سابقة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف، هناك أكثر من 16 مليون شخص باليمن، بما في ذلك 8.47 ملايين طفل، يحتاجون بشكل عاجل إلى المساعدة للوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة العامة، وإلا فهم معرضون لخطر متزايد من سوء التغذية والظروف الأخرى التي تهدد حياتهم.