تمكّنت السيدة منال أمين (40 عاما) من افتتاح مشروعها الاستثماري بريف السَّيّاني جنوب إب وسط اليمن، بهدف تأمين الغذاء لأفراد عائلتها، على غرار كثير من المشاريع النسائية التي ظهرت مؤخراً بمختلف المحافظات اليمنية في سنوات الحرب.
عاشت منال مع أفراد عائلتها التسعة أوضاعا معيشية قاسية؛ إذ كان زوجها، المتوقف راتبه منذ سنوات، يذهب إلى حراج العُمال، لكنه يعود إلى منزله من دون الحصول على فرصة للعمل، مما ضاعف معاناتهم، وهو حال معظم الأسر اليمنية في بلد تشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
تقول منال لمنصة ريف اليمن: “كان أطفالي يتضوّرون جوعا، ويقضون معظم الأيام على وجبة وحدة، ووجدنا أنفسنا عاجزين عن توفير أبسط الاحتياجات الضرورية”.
وتضيف: “باع زوجي قطعة أرض. نفدت المدخرات كافة، ففكرت ببيع مجوهراتي لتوفير الغذاء، لكني تراجعت حينها، وبدأت التفكير بطريقة لاستثمارها، لا سيما بعدما سمعت عن قصص نساء يمنيات يعملن في مشاريع استثمارية تمكّن من خلالها من الوقوف أمام متطلبات الحياة اليومية وأسهمن في تأمين الغذاء وإعالة أفراد عوائلهن.
بداية مشروع امرأة ريفية
بدأت السيدة منال عام 2017 مشروعها الاستثماري بشراء ملابس نسائية وبيعها داخل منزلها كأول سيدة تعمل بهذا المجال في قريتها، ودفعها أكثر نحو العمل تعرضها للإهانة، إذ تقول: “ذات يوم كان أحد أطفالي يصرخ بصوت مرتفع ويطلب من والده مبلغا من المال لشراء حذاء بعد أن تمزقت الأولى، وذهبت للاقتراض من إحدى النساء، لكنها رفضت وقالت لي بسخرية: من أين لك المال؟ وهي تلمّح إلى عدم تمكني من تسديدها المبلغ”.
على مدى سنوات غيّرت الحرب دور المرأة الريفية في المجتمع، وتحمّلت المرأة العبء الأكبر بتوفير الغذاء لأفراد العائلة، من خلال فتح المشاريع الاستثمارية المتنوعة مثل المحلات التجارية، أو العمل بمجالات أخرى تؤمن متطلبات الحياة اليومية كالزراعة وتربية الثروة الحيوانية وغيرها من الأعمال.
ولا تزال أرقام مشاركة المرأة اليمنية في سوق العمل غير معروفة، لكنها تعتبر من أدنى المعدلات في العالم؛ إذ لا تزال الفجوة كبيرة بين مشاركة المرأة ومشاركة الرجل في سوق العمل وبيئة الأعمال.
تكمل منال: “بعد ذلك الموقف، بعتُ ما كان بحوزتي من مجوهرات، بلغت قيمتها نحو 700 ألف ريال يمني، أي ما يعادل نحو 1300 دولار أمريكي بسعر صرف الدولار في صنعاء، وبدأت العمل في المشروع الاستثماري الذي كلفني مبلغ 3 مليون ريال يمني، وبدأت بمساندة زوجي وأطفالي حتى عام 2019”.
صعوبات إقتصادية
تذكر منال أنها واجهت صعوبات كبيرة من أبرزها: الترويج للمشروع، وعدم معرفة النساء به، بالإضافة إلى الصعوبات والمعوقات الأخرى مثل بُعد المسافة بين القرية والمدينة، وذلك كان يكلفها أجورا باهظة أثناء نقل البضاعة، لكنها تغلبت على كل تلك العراقيل”.
منذ عام 2019، حققت منال أرباحا مالية كبيرة، وقامت بتوسعة المحل، وأصبح لديها قسم خاص ببيع ملابس الأطفال بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى توفير الموديلات النسائية كافة، وتأتي إليها النساء للشراء من مناطق خارج القرية.
ولتجاوز آثار الحرب، اضطر كثير من النساء اليمنيات إلى ابتكار مهن مختلفة وأغلبها داخل المنازل، كصناعة الطعام والحلويات والخياطة وغيرها، وبيعها للمواطنين وحتى للمحال التجارية.
عن تجربة منال، يقول رمزي أحمد (30 سنةً) وهو أحد سكان القرية: “إن المشروع نموذج للمرأة اليمنية المكافحة، فهي سابقاً كانت تعيش حياة صعبة والبؤس مع أفراد العائلة بفعل توقف راتب زوجها مصدر دخلهم الوحيد، أما اليوم فقد تمكنت من تحويل حياة أسرتها إلى الأفضل”.
أما نجود غانم (44 سنة) وهي أم لسبعة أولاد، فتقول: “وفّرت علينا السيدة منال مشقة السفر إلى المدينة التي تبعد مسافات طويلة وتكلفة مالية باهظة، فهي توفر أصنافا متنوعة راقية وأفضل من المحلات التي يديرها الرجال. أشتري الملابس في الأعياد والمناسبات لي وأطفالي من محلها بأسعار مناسبة”.
ابتهاج بالنجاح
بعد مرور أربعة أعوام من نجاح مشروعها الاستثماري، تشعر منال بالارتياح والسعادة حيث أصبحت تملك محلا لبيع الملابس النسائية وملابس الأطفال، وأصبحت التكلفة الإجمالية للمحل نحو 5 مليون ريال يمني، وأصبحت تحقق أرباحا مالية مرضية، ويعيش أفراد عائلتها حياة مستقرة، ويواصل أطفالها تعليمهم الدراسي ووضعهم المادي صار أفضل”.
وتسترجع منال اللحظات الأليمة فتقول لمنصة ريف اليمن: “يا لها من ساعات عصيبة وأنت تنظر إلى أطفالك وهم يعانون، بينما أنت تقف عاجزا عن تخفيف معاناتهم. أستطيع القول إن تلك الفترة كانت من أصعب أيام حياتنا. كان الله بعون الفقراء والكادحين الذين لا يجدون قُوت يومهم”.
وتؤكد أنه لا يأس مع الحياة مهما كانت الظروف، وتشرح قائلة: “أنا بدأت مشروع بمبلغ مالي صغير، واليوم أصبح رأس مالي يصل لأكثر من 5 مليون ريال يمني، وأتطلع إلى توسعة المشروع مستقبلاً”، داعية النساء اليمنيات إلى العمل وفتح مشاريع استثمارية فهي الوسيلة الوحيدة للوقف أمام أعباء الحياة في زمن الحرب.
ولا تزال النساء اليمنيات يواجهن التشرد والنزوح، ويتحملن مسؤولية إعالة أسرهن، خصوصا بعد فقدان أزواجهن وأقاربهن بسبب الحرب، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن هناك أكثر من مليوني يمنية في سن الإنجاب، منهن أكثر من ثلاث مئة ألف حامل يواجهن خطر التعرض للمضاعفات التي تشكل خطرا مباشرا على أرواحهن إذا لم يحصلن على الرعاية العاجلة والأدوية.