تعاني المواقع والمعالم الأثرية بمحافظة لحج من إهمال كبير، وتتعرض باستمرار لعمليات سلب ونهب وبسط، مما يهدّد باندثارها، في ظل صمت الجهات المختصة، وعدم قيامها بحماية تلك المعالم الفريدة.
وتعرضت كثير من المواقع الأثرية بالمحافظة الواقعة جنوبي اليمن، للنهب والبسط العشوائي نتيجة التوسع العمراني، في حين أن معظمها قد طُمست معالمها، وبعضها لم يعد منها سوى بقايا وأطلال، وأخرى في حالة متدهورة تتساقط يوما بعد آخر.
تزخر المحافظة بإرث معماري ومعالم تراثية فريدة، اكتسبت شهرة واسعة في الأرجاء؛ إذ تحوي المدينة خمسة وثلاثين موقعا أثريا، وهي بقايا لمبان وقصور وحصون قديمة ونقوش بالخط المسند معظمها تعود إلى عهد الحضارة اليمنية القديمة.
ويؤكد مدير مكتب الآثار بالمحافظة عارف عبد العزيز أن “المواقع الأثرية تعرضت للإهمال نتيجة الاوضاع التي تمر بها، في حين تعرضت بعض القطع الأثرية كالنصوص والأواني الأثرية للسرقة من قبل المواطنين خلال اندلاع الحرب”.
وعن دور المكتب في استعادة المسروقات، يقول عبد العزيز لـ”منصة ريف اليمن“: “تواصلنا مع الجهات الأمنية والمختصة بهدف إرجاع القطع الأثرية المسروقة لكن دون جدوى”، مشيراً بأنه “اضطر للقيام بشراء بعض القطع المسروقة بأكثر من عشرة مليون ريال يمني من ماله الخاص”.
أما عن تدمير الأماكن التاريخية والأثرية فأوضح أن “بعض النازحين اقتحموا القصور العبدلية للسكن فيها قبل الحرب نظرا لأسباب كثيرة منها تدهور المعيشة بالبلاد بشكل عام، والبعض الآخر جاء ليسكن فيها بعد الحرب نتيجة تدمير منازلهم”.
مكتب لحج بدون ميزانية
يشير عبد العزيز إلى أن توقف عملية الاهتمام بالآثار والمتاحف ناتج عن ضعف الميزانية المخصصة شهريا لمكتب الآثار، فقد كانت قبل الحرب مئة ألف ريال يمني شهريا، وخُفّضت إلى ثمانين ألف، ثم تم تثبيتها بمبلغ خمسين ألف ريال يمني شهريا، وهو مبلغ لا يفي بأقل الاحتياجات”.
وطالب مدير مكتب الآثار بلحج كلا من محافظ المحافظة ووزير الثقافة ورئيس هيئة الآثار والمتاحف، بإنشاء مكتب خاص للآثار لمزاولة مهامه الرسمية، وتوفير ميزانية تمكنه من الحفاظ على آثار المحافظة والقيام باستعادة القطع المسروقة التي لم نتمكن من استعادتها”.
الحقوقي أيمن السقاف أكد أن إهمال المعالم الأثرية والتاريخية بلحج ليس وليد اللحظة أو بفعل سنوات الحرب، بل هو أعمق وأكبر، فهي مشكلة تعود لعشرات السنين تعاقب عليها عشرات القيادات وصناع القرار في المحافظة.
ويقول لـ”منصة “ريف اليمن“: “إن القيادات المتلاحقة لم تفكر إعطاء تلك المعالم الأثرية والتاريخية حقها من الرعاية والاهتمام، بل تعمدت عن قصدٍ الإهمال وعدم الاكتراث بماضي المحافظة العريق”.
وأضاف السقاف أن الحديث عن إهمال المعالم الأثرية هو حديث عن المآسي وتنكر لحقبة تاريخية مهمة من حياة هذا الشعب، وبالفعل تصيب الإنسان اللحجي حالة من الدهشة والأسى حينما يشاهد الآثار والمعالم والشواهد التاريخية وهي بحالة يرثى لها، أصابها الإهمال وأخذ بها النسيان مأخذه، ومن منا لم تخنقه عبرته وهو يشاهد قصر السلطان في حوطة لحج، وهو يتحول الى مرتع للماشية والأغنام؟!”.
ويتابع متسائلا: “من منا لم يتأثر وهو يشاهد ما أصاب قصر الروضة والمزارع التابعة له وهي تتآكل وتتناقص مساحتها كل يوم؟!، ومن منا لا يصيبه الحنق وهو يقف موقف العاجز أمام أطلال مدرسة المحسنية أول مدرسة في شبه جزيرة العرب؟!، ومن منا لم يتحسر وهو يعيد تصور كيف كان شاعر لحج وأميرها أحمد فضل القُمندان ينظم أعذب قصائده في دار العرائس الذي أصبح اليوم اثرا بعد عين؟!”.
ويؤكد السقاف أن كل ذلك ليس وليد الصدفة بل هو ناتج عن إهمال وسوء إدارة امتد أثره منذ عشرات السنين حتى أتت الحرب وأكملت ما تبقى.
مأوى النازحين
“منصة ريف اليمن“ التقت أحد النازحين الذين حولوا تلك القصور الأثرية لمأوى لأخذ رأيهم. يقول المواطن خلدون صالح (33 عاما): “خلال الحرب تعرضت منازل المواطنين للقصف، ومنزلي من ضمنها، ولم أجد مكانا لأوي إليه، ووضعي المعيشي صعب لا يمكنني استئجار منزل، ولذلك اضطررت إلى اللجوء إلى أحد قصور السلاطين”.
ويضيف لـ”ريف اليمن“: “كنا نأمل أن يتم معالجة أوضاعنا وتعويضنا أو بناء بيوتنا المتضررة، لكن للأسف الشديد حتى اليوم لم يتم ذلك، لا من قبل سلطة المحافظة ولا الحكومة ولا المنظمات المانحة والداعمة”.
ويقول: “بكل صدق نحن نشعر بالأسف على اقتحام الأماكن التراثية التي تعبر عن تاريخ لحج وحضارته، ولكننا لا نمتلك مأوى نحن وعائلاتنا، كان الخيار الوحيد أمامنا وفي حال وجدت البدائل نحن مستعدون للخروج”.
وتسبب الإهمال وسرقة الآثار إلى تدهور السياحة بشكل غير مسبوق بمحافظة لحج؛ إذ يقول مدير عام السياحة بالمحافظة محمود محمد عوض: “إن المواقع الأثرية والأماكن التاريخية لها تأثير بالمجال السياحي، وإهمال هذه المواقع انعكس سلباً على القطاع السياحي”.
وأضاف عوض لمنصة ريف اليمن: “تعرضت كثير من المواقع الأثرية للعبث من قبل المواطنين نظرا لعدم اهتمام الجهات المعنية بهذه المواقع، ولدينا القصور العبدلية خير شاهد على الإهمال والعبث الحاصل، لا سيما أن هذه القصور تعبر عن حضارة أمة وشعب”.
وتابع مدير عام السياحة بالمحافظة قائلا: “يمكن القول إن ما تعرضت له الأماكن التاريخية أثر بشكل سلبي على الجانب السياحي، وعلى الجهات الرسمية الحفاظ والاهتمام بالمواقع الأثرية لانتعاش القطاع السياحي بالمحافظة، وكذا تكثيف التوعية للحفاظ على المعالم الأثرية والتاريخية”.