يعتمد المواطن محسن علي (50عامًا) في توفير المياه لأسرته على مياه الأمطار والعيون في فترة الصيف، فهو كالملايين من سكان ريف محافظة إب وسط اليمن، الذين يعيشون معاناة يومية تبدأ بشروق الشمس ولا تنتهي إلا مع الغروب، من أجل الحصول على الماء ، في ظل ارتفاع صهاريج المياه المتنقلة.
ويقول علي لـ”منصة ريف اليمن”، إن المعاناة اليومية مع المياه، وارتفاع صهاريج المياه جعلته يفكر في إنشاء خزان أرضي، والقيام بتعبئته من مياه الأمطار خلال الصيف ليبقى يستعمله خلال باقي أيام العام، كغيره من السكان في المدينة.
وأوضح أن الخزان الأرضي وفر عليه الكثير من التعب والتكاليف الباهظة، مشيرا إلى أن تخزين المياه في الصيف تكفيه وعائلته طوال العام ولم يعد بحاجة الى شراء الماء من الصهاريج” .
يختلف الحال بالنسبة لمحمد صالح الذي لا يعتمد على سطح منزله لتخزين المياه خلال فترة الصيف، كون سطح منزله من التراب وهو غير صالح لاستخدام المياه، ما يمنعه من تخزين الماء كغيره من المواطنين، إلا أنه عمل على إنشاء خزان أرضي وقام بتعبئته خلال الصيف من العيون والينابيع الجارية.
يقول صالح لـ”منصة ريف اليمن، أنه يعمل وأطفاله على نقل الماء من العيون الى خزانه الأرضي، مؤكدا ان المهمة شاقة لكنها توفر عليها الكثير من المبالغ وتخفف عنه معاناة انعدام الماء خلال الشتاء.
إرث قديم
وتعد عملية تخزين المياه هي إرث قديم لدى الإنسان اليمني لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ولا تزال موجودة حتى اليوم لدى سكان الأرياف، سواء للاستخدام الإنساني، أو لري المحاصيل الزراعية، أو لسقي الثروة الحيوانية.
ويقول عبدالقادر الخراز الخبير في البيئة “إن اليمن لديها إرث بالنسبة للزراعة واستخدام المياه وتخزينها لكن بسبب الحروب والوضع الاقتصادي التي تمر به اليمن، بدأت تلك الظاهرة بالانحدار، خاصة أن الكثير من العمالة الماهرة في هذه المهنة غادرت الأرياف للبحث عن مصادر رزق أفضل إما للمدن أو إلى خارج البلاد.
وأوضح أن مغادرة العمالة أثر على الكثير من الأراضي الزراعية في المناطق الريفية وخصوصا في المناطق الجبلية التي توجد فيها المدرجات والتي تحتاج إلى كثير من الايدي الماهرة في صيانة المدرجات والاستفادة من الموارد الطبيعية مثل مياه الأمطار ومياه العيون والسيول.
ويرى الخراز الكثير من المياه تهدر أثناء السقي التقليدي سواء من بالتبخر او التسرب داخل التربة وغيرها من الاختلالات، مشيرا إلى أن هناك أنشطة كثيرة ظهرت للحفاظ على الماء عبر مشاريع دولية لكنها لم تشمل إلا مناطق محددة.
إكتفاء ذاتي
ويشير الى أن “مياه الامطار ساهمت بشكل كبير في استمرار الزراعة عبر الزمن في هذه المناطق الجبلية مثل زراعة البن التي تعتمد علي مياه الامطار ويعتمد السكان عبر خبراتهم في تخزين هذه المياه للاستفادة منها في فترات الجفاف وساهمت بشكل كبير في اكتفاء الأسر الريفية.
ونتيجة للحرب الدائرة في البلاد، ارتفعت أسعار صهاريج المياه بشكل كبير، حيث بلغ سعر الصهريج المتوسط 30 ألف ريال ، ما يعادل خمسين دولار أمريكي، ونتيجة لذلك عجزت الكثير من الأسر عن شراء المياه، ولجأت للاعتماد على تخزين المياه في الصيف.
أروى أبراهيم” 54 عاما “، وهي ربة بيت، قالت لـ” منصة ريف اليمن”، انها تغلبت على غلاء صهاريج المياه حيث عملت على استغلال مياه الأمطار ومياه العيون خلال موسم الصيف، من خلال تعبئة الخزانات المصنوعة من الحديد وتخزين الماء الى فصل الشتاء.
وأوضحت أروى خلال حديثها لـ” منصة ريف اليمن”، أنها كذلك تقوم باستغلال مياه الامطار لتنظيف الأواني المنزلية وشقي الحيوانات، وحسب تقارير دولية، تصنف اليمن ضمن مؤشّرات البلدان الأكثر فقراً عالمياً في حصة الفرد من المياه، والمقدرة سنوياً بـ120 متراً مكعباً، مقارنة بـ7500 متر مكعب في دول العالم و1250 مترا مكعّبا لدول أفريقيا والشرق الأوسط.
وبحسب تقارير رسمية، يعد اليمن من أفقر دول العالم في الموارد المائية، ويقع في أسفل سلم الدول الواقعة تحت خط الفقر المائي، حيث يتراوح المتوسط السنوي لكمية الأمطار بين 250- 400 ملم والتي من المتوقع انخفاضها بنسبة كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وفقاً لتقدير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) فإن نحو 16 مليون يمني، لا يحصلون على المياه النظيفة، وتعاني البلاد من محدودية الوصول إلى المياه حتى قبل الأزمة التي تعيشها البلاد، إذ أن وصول السكان إلى المياه النظيفة بلغ 51 بالمائة، وهي النسبة التي انخفضت في ظل الحرب.