الإثنين, ديسمبر 1, 2025
.
منصة صحافية متخصصة بالريف في اليمن

هبشان يعقوب.. رسام ينحت حضوره من الخشب والرمال

في مدينة تريم بمحافظة حضرموت، برز خلال السنوات الأخيرة اسم الفنان يعقوب سالم هبشان(40عاما)؛ كأحد أبرز المواهب الفنية التي استطاعت أن تشق طريقها بإمكانات بسيطة وشغف كبير.

نشأ هبشان على حب الفن منذ سنواته الأولى، ووجد في الرسم ملاذه الأقرب ومساحة يعبر فيها عن رؤيته الخاصة للعالم، ورغم الظروف الصعبة التي يواجهها تمكن من الحفاظ على شغفه وتطوير مهارته.

بين جدران منزله يصنع عالما من الألوان والمجسمات والمنحوتات، محولا شغفه الطفولي إلى تجربة فنية متجددة تجعل منه وجها بارزا في الساحة الفنية الحضرمية.


مواضيع مقترحة


يقول هبشان لـ”منصة ريف اليمن” إنه يجيد عدة مدارس فنية بينها الرسم الزيتي، الرسم المائي، الرسم بالرمل، وفن النحت، موضحا أن هذا التنوع جعله قادراً على تقديم أعمال تلائم مختلف الأذواق والبيئات.

نجاح بجهود ذاتية

ويضيف أن رحلته الفنية كانت قائمة على جهوده الذاتية، وأن الدعم الذي تلقّاه كان من أسرته فقط، وهم الذين شكلوا له دافعاً كبيراً للاستمرار في هذا الطريق رغم صعوبته، فقد واجه الكثير من الانتقادات، لكنه لم يلتفت إليها، بل جعل منها حافزاً ليواصل عمله دون تردد”.

لم يسمح يعقوب هبشان للواقع الصعب أن يطفئ شغفه، بل اتخذ من منزله المتواضع محطة يومية لصناعة الجمال، يمضي معظم وقت فراغه في تشكيل أعمال فنية بين أدواته البسيطة، يعيد تشكيل الخشب، ويصنع المجسمات المتقنة، كأنها تحفة خرجت من ورشة محترف عالمي.

مع مرور الوقت، لم تعد الأماكن التي يمر بها مجرد مشاهد عابرة، بل تحولت إلى لوحات متخيّلة توثقها ريشته وتعيد صياغتها بروح مختلفة، فبقدر ما كان الطريق شاقاً، كان إصراره أكبر، ورغبته في إثبات موهبته أقوى، وبات اسمه من الأسماء التي يُشار إليها بالبنان في حضرموت.

يبرع هبشان في الرسم على الزجاج باستخدام الرمال الملونة، وهي مدرسة فنية نادرة في اليمن، تتطلب دقة وصبراً وانسجاماً بين اليد والعين، وبرغم صعوبة هذا النوع من الفن، استطاع أن يقدمه بأسلوب فريد جعله محط إعجاب الزوار.

ويصف كثير ممن زاروا منزله بأنه أشبه بمعرض صغير، تتوزع فيه أعماله المتنوعة خلال سنوات طويلة من الاجتهاد والتجارب، فكل زاوية تحكي قصة، وكل قطعة فيها تعكس رحلة من الشغف والمثابرة.

يظهر تميز هبشان في قدرته على الدمج بين الأساليب التقليدية والحديثة، إذ يستطيع الانتقال بسلاسة من لوحة زيتية كلاسيكية، إلى عمل نحتي من الخشب أو الصخر، مروراً برسومات الرمال الملونة التي تشكل جزءاً أصيلاً من حضوره الفني، وكل ذلك يضيف إلى رصيده خبرة وقدرة واسعة على الابتكار.

كما أكسبته ممارسة الفنون المتعددة فهماً أعمق للضوء والظل والأبعاد، وهو ما أثر بشكل مباشر على جودة أعماله ودقتها، وأصبح يمتلك اليوم أسلوباً خاصاً يميزه بين الفنانين الشباب في اليمن، ويجعله قادراً على تقديم أعمال تحمل هوية واضحة لا تخطئها العين.

يؤكد هبشان أنه يؤمن أن النجاح يبدأ من الإصرار الداخلي، لذلك لم يكن يهتم بكلام الناس، بل وضع لنفسه هدفاً واضحاً وسار خلفه بثبات، ومع كل خطوة ينجزها، كان يشعر بأنه يقترب أكثر من حلمه، وبأن الطريق يصبح أكثر وضوحاً.

حضور يتجاوز الحدود

اعتمد هبشان في معظم مشاركاته على جهوده الخاصة، فكان ينحت في الصخر، ويجهّز أدواته الفنية بنفسه، ويتكفل بمصاريف السفر والمشاركة في المعارض دون أي دعم رسمي، هذه المثابرة جعلته قادراً على تجاوز القيود وإثبات موهبته.

كما حوّل شغفه إلى مشروع مستمر، يسعى من خلاله إلى تحقيق أحلامه التي رسمها منذ الطفولة، مستنداً إلى قناعة راسخة بأن العمل الجاد هو الطريق الوحيد للوصول، واليوم بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها، بعدما باتت أعماله تجذب المهتمين وتلقى اهتماماً واسعاً.

يؤكد يعقوب هبشان لـ”منصة ريف اليمن” “أنه خلال الأعوام الماضية شارك في العديد من المعارض والفعاليات الفنية داخل اليمن وخارجها، ما منحه فرصة واسعة لعرض أعماله أمام جمهور متنوع، والتعرف على فنانين من مختلف الدول”.

ويلفت أنه “شارك محلياً في صنعاء وعدن وحضرموت بالمكلا وسيئون وشبام وتريم، مضيفاً أن هذه المشاركات كانت محطات مهمة في مسيرته، مكّنته من عرض أعماله واكتساب المزيد من الخبرات والآراء الفنية”.

أما خارجياً، فيقول إن “مشاركاته امتدت إلى السعودية وقطر وسلطنة عمان ومصر، وهناك وجد مساحات أكبر للعرض، وتلقى ردود فعل إيجابية أعطته دفعة معنوية كبيرة للمتابعة، وقد ساعدته هذه المشاركات على تطوير أسلوبه وتنويع تجربته”.

نحت الكؤوس

يوضح أن هذه الزيارات كانت فرصة للتعريف بالفن الحضرمي واليمني بشكل عام، إذ عمل هبشان على إبراز الهوية الثقافية التي يحملها، وجعلها جزءاً من رسالته الفنية، وبات يحظى باحترام كبير في الأوساط الفنية العربية، وأصبحت مشاركاته الدولية شهادة على قدرته في المنافسة، ليس كهاوٍ، بل كفنان له بصمة واضحة، يسعى لأن يرفع اسم حضرموت واليمن في المحافل الفنية.

يقول هبشان لـ”منصة ريف اليمن”، “إن من أبرز الأعمال التي تألقت فيها هو نحت عدة كؤوس لبطولات دولية من جذوع الأشجار، استخدمت فيها أدواتاً بسيطة كالقدوم والجلخ وغيرها، ورغم تواضع الإمكانيات، إلاّ أن النتائج كانت مبهرة، شكلت حالة إعجاب واسعة لدى المهتمين بالفن”.

ويضيف: “نحت كأس العالم يعد من أبرز أعمالي، حيث تمكنت من تقديمه بشكل متقن يعكس مهارتي ودقتي في التعامل مع الخشب، كما برعت مؤخراً في نحت كأس العرب 2025م الذي ستستضيفه دولة قطر في ديسمبر الجاري، وهو العمل الذي استغرق مني اثني عشر يوماً من الجهد المتواصل”.

إشادات واهتمام

حظي يعقوب هبشان بإشادات واسعة من المواطنين، ويقول المواطن سعيد مؤمن لـ”منصة ريف اليمن” “إن الفنان هبشان أبدع وتألق في أعماله المختلفة، واستطاع أن يفرض اسمه بجدارة في الساحة الفنية، ويرى مؤمن أن أعماله تحمل روحاً خاصة، وتظهر فيها مهارة عالية لا يمتلكها إلا أصحاب الموهبة الأصيلة”.

كما لاقت أعماله اهتماماً من السلطة المحلية في حضرموت، التي أثنت على ما قدمه من أعمال مميزة جذبت الأنظار، وقد تم تكريمه في أكثر من فعالية تقديراً لجهوده، ودعماً لموهبته التي أصبحت اليوم نموذجاً مشرفاً للفن الحضرمي، وساهمت هذه الإشادات في تعزيز حضوره، وتشجيعه على المضي قدماً في طريق الإبداع.

تمثل هذه الأعمال انعكاساً للحرفية العالية التي يمتلكها هبشان، وقدرته على تحويل الخشب الخام إلى تحف تعكس روح الحدث الرياضي وتفاصيله، وأصبحت هذه التحف مطلوبة وتلقى اهتماماً واسعاً في الداخل والخارج.

كما يجسد هذا النوع من الأعمال روح الإبداع في حضرموت، ويعكس مهارات نادرة تستحق الدعم والاهتمام، فالنحت على جذوع الأشجار يتطلب قوة ودقة وصبراً، وهي كلها صفات يتمتع بها هبشان بدرجة لافتة.

يطمح الفنان الشاب إلى خدمة بلاده عبر فنه، وتوسيع مشاركاته داخلياً وخارجياً، ليواصل مساراً بدأه منذ الطفولة. ويؤكد هبشان أنه يؤمن بأن العمل الجاد والإصرار هما الطريق الوحيد لتحقيق الحلم، وأن الفن سيبقى رفيقه الدائم في رحلته القادمة.

شارك الموضوع عبر: