الخميس, ديسمبر 4, 2025
.
منصة صحافية متخصصة بالريف في اليمن

نفوق السلطعونات.. كارثة بيئية تفترش سواحل البحر الأحمر

بالرغم من بشاعة الحدث، إلا أن “شاطئ الزهاري” في مديرية المخا غربي تعز بدا مكسوا بلون الحمرة، مطرزا بلون قرمزي على غير عادته؛ عشرات، بل مئات ولربما آلاف السلطعونات الحمراء النافقة على امتداد الشاطئ، وما زالت الأمواج تقذف بالمزيد.

مشهد جنائزي مهيب ينذر بوجود خلل بيئي، وخطر يهدد الأحياء البحرية على سواحل المخا وتهامة، والتي تعد من مناطق المد والجزر النشطة المتميزة بتنوع بيولوجي يجعلها من أهم مناطق الصيد.

تواجد السلطعونات بمختلف أنواعها في السواحل يدل علميا على صحة النظام البيئي البحري، حيث تلعب دورا مهمًا كمستهلك للمخلفات العضوية وتهوية التربة، كما أنها مصدر غذاء أساسي للنوارس وطائر المالك الحزين.


مواضيع مقترحة


مؤخرا لاقت السلطعونات اهتماما اقتصاديا في الأسواق المحلية لرواجه كطعام فاخر يقدم في مطاعم الأكلات البحرية، كما تفننت ربات البيوت في طهيه، وخسارته بهذه الطريقة قد تسبب أزمة بيئية في مجتمع يعتمد على الصيد وبيع الأحياء البحرية كمصدر رزق أساسي.

قلق واضطراب

تثير هذه الظاهرة قلق الكثير من السكان المحليين في قرية يختل وعزلة الزهاري، بينما يؤكد الصيادون حدوثها بشكل متكرر على مدى سنوات عديدة لكن بكميات أقل وبشكل لا يثير التساؤل، كما يؤكد أستاذ الأحياء البحرية وأخصائي الأسماك والمصائد في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) عبدالسلام الكوري.

ويقول الكوري لـ”منصة ريف اليمن”، :”لا توجد حالات مسجلة رسميا لنفوق السلطعونات بعد عام 2000م على سواحل البحر الأحمر في اليمن، وهذه الظاهرة تتطلب نزولا ميدانيا من هيئة أبحاث علوم البحار لدراسة الظاهرة وعمل تقرير علمي مفصل لتحديد سبب النفوق”.

 

الصياد سعيد مقري (51 عاما)، الذي يمارس الصيد منذ طفولته إلى جانب عمله كمعلم رياضيات، أوضح أن نفوق السلطعن الأحمر تكرر مؤخرا خصوصا في شهري نوفمبر وديسمبر على شواطئ المخا والزهاري ويختل، لكنه لم يكن بهذه الكثافة.

ويضيف:” السلطعون الأحمر يتواجد غالبا في العمق ولا يتواجد بكثرة على السواحل بعكس السلطعون الأزرق والسلطعونات الصغيرة (سرطان الكمان)، وهذا ما يزيد من غرابة الأمر. ويرجّح مقري عدة أسباب محتملة، بينها انخفاض درجة الحرارة أو التلوث الناتج عن مخلفات السفن وتسربات النفط.

التغيرات المناخية

علميا نفوق السلطعونات قد يحدث بسبب انخفاض درجة الحرارة لأقل من 10-12°م، رغم أن درجة حرارة البحر الأحمر في نوفمبر وديسمبر تتراوح بين 24 و28 درجة مئوية، وهي درجات طبيعية، إلا أن أستاذ الأحياء البحرية عبدالسلام الكوري يوضح أن التيارات البحرية قد تجلب كتلا مائية باردة أو ساخنة بشكل مفاجئ إلى مناطق تواجد السلطعونات، ما يسبب صدمة حرارية قاتلة لها.

ويوضح أن انخفاض درجة الحرارة أو ارتفاعها عن المعدل الطبيعي قد تسبب هذه المشكلة، وخاصة أن السلطعونات كائنات حساسة جدًا، ووصول هذه التيارات إلى تجمعات أحياء بحرية معينة تسبب لها صدمة بسبب التغير المفاجئ في درجة الحرارة.

الصياد أحمد علوة يؤكد بدوره أن الطقس تغير خلال السنوات الأخيرة، والرياح باتت أكثر حدة، وأن بعض الأسماك تظهر في غير مواسمها، ما يشير إلى تغيّر التيارات البحرية.


 

 


تشير دراسات مختصة إلى أن التغير المناخي الناتج عن الأنشطة الإنسانية غيّر أنماط الرياح والتيارات البحرية، ما يؤدي إلى موجات باردة مفاجئة أو ارتفاعات شديدة في الحرارة، وسجلت بالفعل حالات نفوق جماعي للأسماك في وسط البحر الأحمر.

أسباب محتملة

يوضح الكوري أسباب نفوق السلطعونات الطبيعية وغير الطبيعية، مثل نقص الأكسجين الذي يمكن تمييزه عن طريق قياس عدد من العوامل أهمها الأكسجين الذائب وتركيز الأملاح المغذية في مياه المحيط.

ويضيف:”يمكن ملاحظة حالة الأحياء النافقة هل خياشيمها متفتحة من أجل الحصول على أكبر تركيزٍ من الأكسجين أم لا؟ وإذا كان النفوق بسبب المد الأحمر فيجب قياس تركيز سمية المياه؛ لأن الطحالب التي تسبب ظاهرة المد الأحمر قد تسبب نفوقا جماعيا للأحياء البحرية، وإذا كان النفوق بسبب مواد نفطية فمن المحتمل ظهور بعض البقع على الخياشيم أو الفم أو زوائد السلطعون الأحمر.

تقرير سابق نُشر على موقع (Yemen Times) في عام 1998 بعنوان (نفوق بسبب التلوث)، حيث زار عالم الطيور الشهير ديفيد ستانتون شواطئ تهامة والمخا، وأكد رؤيته لامتداد يبلغ طوله حوالي خمسة كيلومترات من السرطانات النافقة وتُقدَّر بالملايين جرفتها الأمواج إلى الشاطئ ميتة، في المنطقة الواقعة بين المخا والخوخة في جنوب البحر الأحمر، وأوضح بأن هذه الظواهر تعزز الحجة القائلة بأن آثار تسربات النفط لا تختفي بين عشية وضحاها. 

تعاني المياه الإقليمية في اليمن من إهمال شبه متعمد، مما قد يفاقم من أي مشكلة، ومن الممكن أن يكون هذا النفوق مؤشرًا إلى مشاكل بيئية أكبر قادمة، وربما موجودة بالفعل لكنها لم تُكتشف بسبب عدم وجود برامج مراقبة لمياهنا الإقليمية، وعادةً يتم اكتشاف مثل هذه المشاكل بصورة متأخرة مما يجعل تداركها أشبه بالمستحيل.

تحذيرات

ويقول عبدالسلام الكوري أيضا إذا كان هذا النفوق مجرد حدث عابر ونادر بسبب موجة حرارة بحرية قصيرة أو بسبب نقص في تركيز الأكسجين فالتأثير سيكون محدودًا وسيتعافى النظام البيئي البحري تلقائيا؛ لكن إذا كان بسبب تدهور مستمر في نوعية المياه، أو تلوث عضوي أو نفطي فالحدث يمثل جرس إنذار.

ويحذر من إمكانية تأثير فعلي على النظام البيئي البحري في سواحل المخا على المدى البعيد، خاصة وأن السواحل القريبة من المخا تحوي العديد من البيئات الحساسة مثل الشعاب المرجانية التي تتأثر بشكل سريع عند التعرض لأي تلوث أو تغيرات في درجات الحرارة.

ويُوصي الكوري بضرورة توعية كل العاملين في البحر بالإبلاغ المباشر عن أي ظاهرة غريبة وغير مألوفة تُلاحظ في المياه الإقليمية أو السواحل، وأكد على ضرورة وجود قناة تواصل عبر الجهات المختصة مثل مكتب الثروة السمكية في المنطقة، وأيضا مكتب هيئة حماية البيئة ومكتب الثروة السمكية أو هيئة المصائد السمكية، داعيا إلى الالتفات لهذه الظواهر ودراستها ومراقبة المياه الإقليمية التي تشكّل مصدر دخل قومي وطريق عبور عالمي.

شارك الموضوع عبر: