الإثنين, ديسمبر 8, 2025
.
منصة صحافية متخصصة بالريف في اليمن

المزارعون اليمنيون بين هجر الأراضي وتحديات شح المياه

تعد الأراضي غير المزروعة إحدى الإشكاليات المعقدة التي تواجه المزارعون اليمنيون، إذ تتداخل عوامل شح المياه، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وضعف السياسات الداعمة للمزارعين، ما أدى إلى خروج مساحات واسعة من الخدمة الزراعية خلال السنوات الأخيرة.

المزارع أحمد علي المطري شاهد حي على هذه الإشكالية، فهو يمتلك أراضي زراعية في منطقتين مختلفتين تتبعان مديرية بني مطر شمال العاصمة صنعاء؛ إحداهما مزدهرة بالزراعة نتيجة قربها من مصادر المياه، في حين تقع الأخرى في منطقة بعيدة، مما يضطره لتركها لسنوات دون زراعة.

يقول المطري لـ”منصة ريف اليمن”: زراعة الأراضي القريبة من البئر ليست سهلة أيضا فغالبا ما تواجهنا عقبات، أبرزها ارتفاع أسعار الديزل المستخدم في تشغيل مضخات المياه، إلى جانب ارتفاع أسعار الشتلات والبذور، وبعد كل الجهد الذي نبذله في المزرعة، أحيانا لا يغطي عائد المحصول حجم النفقات.


مواضيع مقترحة


وشهدت السنوات الماضية تفاقما في ظاهرة هجر الأراضي الزراعية، إذ تركت مساحات شاسعة دون استغلال في مختلف المحافظات اليمنية؛ بسبب نضوب مصادر المياه، وعدم قدرة المزارعين على تحمل تكاليف إيصال المياه إلى أراضيهم البعيدة.

تحديات مركبة

المزارع الأربعيني أنور عكيش من أبناء محافظة لحج، جنوب اليمن، هو الآخر يؤكد أن شحة المياه وأحيانا عدم توفرها هو السبب الأهم الذي يدفع المزارع لترك ارضه بدون زراعة.

ويضيف: “أحيانا تكلف زراعة السلة الواحدة من محصول البطاط ما يقارب 8000 ريال يمني، نتيجة ارتفاع تكاليف توفير المياه، مثل الوقود وغيره.

ويوضح أن المزارعين يتجمعون بين ثلاثة إلى خمسة أفراد، ويلجئون إلى التشارك في تحمل تكاليف حفر بئر وشراء مضخة لرفع المياه، ويتم توزيع المياه على مزارعهم لاحقاً بحسب حصصهم في التكاليف الكلية للبئر.

لافتا أن هذا الخيار متاح فقط لمن يمتلكون قدرا من المال يمكنهم من تحمل جزء من التكاليف، بينما الغالبية ممن لا يستطيعون توفير المبلغ المطلوب يضطرون لترك أراضيهم مهدرة.

تواجه المزارعين عقبات عدة أبرزها ارتفاع أسعار الديزل إلى جانب ارتفاع أسعار الشتلات والبذور(ريف اليمن)

لا تقتصر التحديات على المياه والتكاليف فحسب فـعكيش ومعه مئات المزارعين في اليمن يواجهون صعوبات أخرى، أبرزها إيقاف التصدير إلى الأسواق الخارجية إذ، يضطر المزارعون إلى عرض منتجاتهم في الأسواق المحلية، مما يؤدي إلى تزايد العرض على الطلب، ويُجبرون على بيع محاصيلهم بأسعار متدنية، الأمر الذي يُعرضهم لخسائر مادية جسيمة.

ويرى عكيش أن هذا الأمر يعد أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت كثيرا من المزارعين إلى البحث عن مهن وأعمال أخرى، وعدم الاعتماد على الزراعة كمصدر دخل أساسي لمعيشتهم، وهجرة الأراضي الزراعية.

في ظل تفاقم ظاهرة هجر الأراضي الزراعية، يقول فهد الجنيد، المسؤول الإعلامي في وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، إن هناك نية للتوسع في الأراضي وزيادة المساحة الزراعية يأتي ضمن أولويات الوزارة.

ويضيف لـ”منصة ريف اليمن:”ليس هناك أراض مهدرة، والأراضي التي تتحدثون عنها مملوكة للمجتمع، وإذا لم تكن مزروعة فهي أراض رعوية وفقا للنظام والأعراف والتقاليد المجتمعية، كما أن هناك أراضي تزرع منها مساحات محدودة لأنها تعتمد على مياه الأمطار”.

لافتا أن مصطلح مساحات مهدرة يمكن إطلاقه على الأراضي غير المستغلة في تهامة أو الجوف، موضحا أن هناك آلية يجري التخطيط لها وتنفيذها من قبل المجتمع المحلي نفسه لاستغلال تلك المساحات، شريطة عدم الإضرار بالمناطق المخصصة لرعي الثروة الحيوانية.


تُقدر دراسة حديثة حجم الأراضي المتدهورة بنحو 5.6 ملايين هكتار، كما تعاني 97% من الأراضي من التصحر بدرجات متفاوتة.


ويؤكد خلال حديثه، وجود توجه واضح في هذا المجال يتم بالتعاون مع شركاء استراتيجيين، وهم: الجانب الرسمي، والمجتمعي، والقطاع الخاص، وكبار المزارعين المستثمرين”، غير أن تلك الخطط تصطدم بالواقع.

تحايل غير مجد

على الرغم من أن ما يقارب 90% من المياه العذبة المتاحة في اليمن يتم استهلاكها في القطاع الزراعي، بحسب تقارير منظمة( الفاو)، إلا أن عدم توفر المياه الكافية للري يدفع بعض المزارعين إلى التحايل على شبكات مياه الشرب واستخدامها في ري الأراضي.

في الوقت الحالي يكافح العديد من المزارعين من أجل الاستمرار في إحياء الأراضي الزراعية والاعتناء بها، مبتكرين طرقًا عديدة للتحايل على مشكلة الجفاف وشُح المياه.

يكشف صدام المعدني، مسؤول الشكاوى في فرع المياه والمشاريع بمنطقة متنة بني مطر بصنعاء أن: “بعض المزارعين يضطرون لاستخدام حيل تمكنهم من التلاعب بنظام توزيع مياه الشرب واستغلال هذه المياه في ري أراضيهم الزراعية.”

ويضيف المعدني لـ “منصة ريف اليمن” أن هذا التلاعب أدى إلى مشكلة حقيقية في توفير المياه الكافية للشرب، مُحذرًا: “لم تعد المياه كافية لا للشرب ولا للزراعة.”

إصلاحات وحلول

‎ويرى أستاذ علوم البيئة والتنمية المستدامة في كلية الزراعة بجامعة صنعاء، الدكتور يوسف المخرفي، أن من الضروري استغلال التنوع الكبير في التضاريس والمناخ الذي تتميز به اليمن لخدمة القطاع الزراعي.

ويقول المخرفي لـ”منصة ريف اليمن:”تشكل المناطق الزراعية ما نسبته 2.97% فقط من مساحة اليمن، موضحا أن اليمن تعد بيئة شبه مطيرة وشبه جافة، وتعتمد الزراعة فيها على الأمطار، إضافة إلى الري في القيعان عبر الآبار الارتوازية للمياه الجوفية، وسيول الوديان في سهل تهامة.

لمعالجة هذه الظاهرة، يرى المخرفي أن على الدولة سن قوانين تحد من ترك الأراضي دون زراعة، إلى جانب مساعدة المزارعين من خلال إجراءات عملية، مثل توطين الخامات الزراعية المحلية في الصناعات الغذائية الوطنية، بما يخفف خسائر المزارعين الناتجة عن زيادة العرض وقلة الطلب، ويشجعهم على الاستمرار في استغلال أراضيهم.

دعوات إلى مساعدة المزارعين وسن قوانين تحد من ترك الأراضي دون زراعة(ريف اليمن)

لا يزال المزارع أنور عكيش يتذكر الإصلاحات الزراعية التي شهدتها دلتا أبين جنوب اليمن في ثمانينيات القرن الماضي، وكيف ساهمت تلك المشاريع في زراعة مساحات واسعة واستصلاح أخرى.

ويقول:”المشاريع الزراعية في مجال الري منتصف الثمانينيات، مثل بناء سد باتيس، أسهمت بشكل كبير في انتعاش الزراعة، واستغلال الأراضي في زراعة أصناف متنوعة، كما وفرت فرص عمل لعدد كبير من الأيدي العاملة”.

وادي سردد شهد تجربة مشابهة، حيث جرى استثمار مبالغ كبيرة في إنشاء قنوات الري وتوفير المعدات ودعم البنية التحتية الزراعية ابتداء من عام 1970، ما أسهم في إيصال مياه الري إلى معظم الأراضي، واستغلالها في زراعة الفواكه والخضروات والحبوب، وفقًا لطبيعة الأرض والموقع الجغرافي.

ويستحضر عكيش تلك الحقبة، متشبثًا بالأمل في إمكانية تكرار مثل هذه المشاريع، واستغلال جميع الأراضي الزراعية بالشكل الذي يحقق الأمن الغذائي ويعيد للزراعة دورها المحوري في حياة اليمنيين.

تُقدر دراسة حديثة حجم الأراضي المتدهورة بنحو 5.6 ملايين هكتار نتيجة للتغيرات المناخية، بما في ذلك الانجرافات المائية والريحية والتدهور الكيميائي. كما تعاني 97% من أراضي اليمن من التصحر بدرجات متفاوتة.

شارك الموضوع عبر: