منذ طفولتها المبكرة تمارس السيدة “مريم محمود (47 عامًا)”، أعمالًا شاقة مثل الفلاحة ورعي الأغنام والأبقار، وتتحمل مشقة جلب المياه من مناطق بعيدة في قريتها الواقعة في عزلة بني منصور بمديرية كسمة التابعة لمحافظة ريمة.
تقول مريم: “لم أتعلم ولم أقرأ ولم أعش طفولتي كبقية الأطفال والبنات في الدراسة أو اللعب، لكن بحمد الله، ورثنا عن أجدادنا حب مهنة الزراعة، فهي ليست مجرد مهنة، بل مصدر عيش أساسي”.
مريم واحدة من بين مئات الآلاف من النساء الريفيات في اليمن اللواتي يتكبدنّ معاناة مضاعفة في العمل وتحمل أعباء الحياة اليومية في بلدٍ أنهكته الحرب منذ أكثر من عشر سنوات.
مواضيع مقترحة
-
نساء ريمة يواجهن الموت أثناء رعي الأغنام في الجبال
-
نساء ريمة.. مكافحات يتسيّدن قمم الجبال
-
المرأة الريفية: شريك أساسي في المبادرات المجتمعية
النساء وزراعة البُن
تؤكد مريم محمود لـ “منصة ريف اليمن” أن أبرز المحاصيل النقدية التي يزرعنها هو محصول البن، الذي يلقى رواجًا كبيرًا ونسبة شرائية مرتفعة مقارنةً بالمحاصيل الأخرى.
وأوضحت مريم: “كنا نجمع البن، ويأتي العديد من سكان القرية لشرائه منا مباشرةً، وما هي إلا فترة قصيرة حتى بدأنا نوزعه على التجار في عدد من الأسواق القريبة. الكل أعجب بجودة المحصول وزاد الطلب علينا، ولكن بسبب محدودية الإنتاج وقلة القوى العاملة؛ لم نتمكن من تلبية جميع الطلبيات”.
و تابعت: “لذلك، قررنا زيادة نسبة القوى العاملة بالاستعانة بالأهل والأقارب، وتوفير المياه، والتوسع في تهيئة الأراضي الزراعية، فكان فريق منا يهتم برعي الأغنام والأبقار وحلبها وتصنيع اللبن والسمن البلدي بطريقة نظيفة وصحية، وفريق يُعنى بالاهتمام بزراعة البن وتوسعتها”.
“خلال العامين الماضيين بدأت الاتصالات تأتينا من تجار في محافظات الحديدة وذمار وصنعاء لطلب محصول البن على وجه الخصوص، إضافةً إلى السمن البلدي، نظرًا لجودتهما وتزايد الطلب عليهما من قبل المواطنين”، تقول مريم.
تواجه مريم وفريقها صعوبات وتحديات أبرزها ارتفاع تكاليف النقل والمواصلات بالإضافة الى وعروة الطريق بمحافظة ريمة، لكونها منطقة جبلية مرتفعة وذات انحدارات خطيرة الأمر الذي يجعل سائقي المركبات يضاعفون أجور نقل البضائع.
حلويات من حبات الذرة
من منطقة عينة بمحافظة ريمة، كانت الانطلاقة الأولى لحلم “آمنة يعقوب (38 عامًا)”، الذي بدأ بحلم بسيط يتمثل في حصاد محصول الذرة بما يكفل لهم قوتهم المعيشي، وبيع ما يتبقى منه.
تقول آمنة: “قبل عشرة أعوام، سافرت إلى صنعاء لزيارة ابنة عمي وحملتُ معي بعض أصناف الذرة الحمراء والبيضاء والدُّخن، وكان بجانب ابنة عمي عدد من الزائرات، فأعطيتهن القليل من تلك الهدايا. وما إن عُدتُ إلى القرية، حتى تواصلن بي لطلب تلك الأصناف من الذرة مقابل مبلغ رمزي. بدأنا حينها بجمع محصول الذرة من مزرعتنا ومزارع عدد من أقاربنا، ونرسله مع أقرب مسافر إلى صنعاء لتوزيعه على الزبائن”.
وأردفت: “كان الربح رمزيًا وموسميًا، حتى جاءنا اتصال من زوج ابنة عمي يُخبرنا بقراره فتح معمل لصناعة الحلويات بأنواعها، وحاجته إلى دعم لكافة أصناف الحبوب التي ننتجها، سواء منا أو من مختلف المعارف. وقد أشار إلى أن هناك إقبالًا كبيرًا على الحلوى البلدية المصنوعة من الشعير والذرة والدخن، خاصة من قِبل ذوي الأمراض المزمنة أو ممن يتبعون نظامًا غذائيًا صحيًا”.
وأضافت قائلةً: “الحمد لله، قدمنا ما بوسعنا، وفتح الله علينا وبارك لنا في منتجاتنا ومحصولنا، حتى تمكَّنا من فتح معمل خاص بنا، واليوم نُقدم الدعم للمعامل الأخرى”.
ازدهار المشاريع النسائية
تشهد اليمن تزايدًا ملحوظًا في عدد المشاريع التي تنفذها النساء، لا سيما في القطاعات التجارية والزراعية والصناعية. ويأتي هذا التوسع على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها النساء بسبب العادات والتقاليد، والنقص في التعليم والتدريب، بالإضافة إلى الأعباء المنزلية.
في حديث خاص لـ “منصة ريف اليمن”، أوضحت الدكتورة “فدوى نعمان”، مدير عام المرأة بوزارة الاقتصاد، أن نسبة انخراط النساء في سوق العمل وصلت إلى 80% مشيرةً إلى أن هذا يُعد إنجازًا نوعيًا يعكس وعيًا مجتمعيًا متقدمًا، ويُمثل خطوة حقيقية نحو تحقيق التنمية المستدامة.
وبينت نعمان أن العمل والريادة بالنسبة للنساء لا يقتصران على زيادة الدخل وتحسين مستوى المعيشة للمرأة بشكل عام، أو الريفية على وجه الخصوص، بل يسهمان أيضًا في تنويع مصادر الاقتصاد، وخلق فرص عمل جديدة، وإثراء بيئة الابتكار.
وأكدت على أهمية دعم ريادة الأعمال النسائية في مختلف المجالات، وخاصة المجال الزراعي. ووصفت ذلك بقولها: “هذا يعني استثمارًا في نصف المجتمع، وتعزيزًا لدور المرأة كشريك فاعل في صياغة مستقبل أكثر ازدهارًا وتقدمًا”.
وأشارت إلى أن “المرأة الريفية انطلقت من أرضها الطيبة، من الزراعة والفلاحة، لتصل اليوم إلى عالم الاستثمار والترويج. هي بالفعل مثال حيّ على أن الإرادة تُحوِّل التحديات إلى فرص، وأن الجذور العميقة قادرة على إنبات مستقبل مُشرق. لتثبت بذلك أن المرأة ليست فقط عماد البيت، بل هي أيضًا عماد الاقتصاد والتنمية”.
دور مجتمعي ومؤسسي
تُمثل الفلاحة اليمنية أداة بناء وإنتاج تحمل العديد من الطموحات والآمال، غير أنها قد تنهار إذا فقدت الدعم والتمويل، وبالتالي يبرز الدور المجتمعي والمؤسسي لتنمية تلك المشاريع والترويج والتسويق لها، لما يعود بالخير الوفير على المجتمع والدولة معًا.
يقول المدير التنفيذي للمؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب صلاح المشرقي: “لا يمكن أن نغفل الدور الكبير الذي تقوم به المرأة الريفية كونها -كما هو معروف- تقوم بغالبية الأعمال الزراعية، وكل الأعمال المنزلية وهذه من عادات وتقاليد اليمنيين منذ القدم، فالمرأة تقوم بأعمال التعشيب وأعمال الحصاد وغيرها من الأعمال الزراعية”.
وأوضح المشرقي لـ “منصة ريف اليمن” أنه بناءً على ذلك، لم تُغفل المؤسسة هذا الجانب، وهي تقوم بتنفيذ برامج توعوية وإرشادية للمرأة الريفية، سواء في مجالات العمليات الزراعية الصحيحة لمحاصيل الحبوب، أو إلى جانب تقنيات الطحين المركب الذي لاقى تفاعلًا كبيرًا من قبل المجتمعات.
ويختم حديثه بالقول إنه تم مؤخراً البدء بتنفيذ برنامج تقنيات الطحين المركب في عدد من المناطق، وآخرها كان في مديرية همدان بمحافظة صنعاء، حيث شارك في البرنامج حوالي 100 امرأة، وسيتم تنفيذ برامج مشابهة في مديريات أخرى حسب الإمكانات المتاحة للمؤسسة.

