تُثير ظاهرة الموت الجماعي للنحل في العديد من دول العالم -بما فيها اليمن- تساؤلات كثيرة حول الأسباب الحقيقية وراء تصاعد هذه الظاهرة المقلقة، التي أثارت مخاوف واسعة النطاق من العواقب الوخيمة التي قد يجرها هذا التحدي الزراعي الخطير على الأمن الغذائي، والتوازن البيئي.
في اليمن، شكّلت التغيرات المناخية أزمة جديدة لمربيّ النحل، وأدت إلى نفوق مئات الآلاف من خلايا النحل؛ ممّا عرض النحّالين لخسائر فادحة جراء التقلبات الجوية، كما فقد الكثير من النحّالين مصدر دخلهم نتيجة الفيضانات المفاجئة التي جرفت آلاف الخلايا.
مواضيع ذات صلة
-
التغيرات المناخية تهدد مستقبل النحالين وإنتاج العسل
-
العسل اليمني.. الذهب السائل من أزهار السِدر
-
خسائر العسل اليمني خلال 5 سنوات
نفوق النحل
بحسب صحيفة نيويورك تايمز شهدت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً أكبر نفوق جماعي للنحل؛ إذ تُهدد الطفيليات، وفقدان الموائل، وتغير المناخ، والمبيدات الحشرية بالقضاء على ما يصل إلى 70% أو أكثر من مستعمرات نحل العسل، وهي خسارة قد تكون الأكثر تدميرًا التي شهدتها البلاد على الإطلاق.
ووفق تقرير الصحيفة الأمريكية، أطلق العلماء على هذه الظاهرة اسم اضطراب انهيار المستعمرات؛ إذ يختفي النحل ببساطة بعد انطلاقه بحثًا عن حبوب اللقاح والرحيق. يُعطّل المرض راداره، ويمنعه من إيجاد طريق العودة. أما الملكة وصغارها، إن نجوا، فيبقون بلا حماية.
وأرجعت بعض الأبحاث هذا النفوق جزئيًا إلى فيروس قاتل يمكن أن يقتل النحل، أو يضعف قدرته على العودة إلى الخلايا بعد البحث عن الطعام.
تُهدد الطفيليات، وفقدان الموائل، وتغير المناخ، والمبيدات الحشرية بالقضاء ما يصل إلى 70% أو أكثر من مستعمرات نحل العسل في الولايات المتحدة
ويمكن لفيروس تشوه الأجنحة، الذي ينتقل عن طريق طفيلي يُسمى عث الفاروا، أن يُصيب النحل طوال دورة حياته. تموت النحلات المصابة بشدة خلال أيام، أو تكون أجنحتها ضعيفة النمو؛ مما يُضعف قدرتها على الطيران والبحث عن الطعام.

كما أظهرت أبحاث سابقة أن الفيروس يُمكن أن يُضعف قدرة النحل على التعلم والذاكرة؛ مما قد يؤثر على قدرته على إيجاد مسكن بعد البحث عن الطعام. ومن المُرجح أن تموت النحلات المفقودة، وقد تنهار مستعمرتها في النهاية بسبب نقص الغذاء.
الحروب وأضواء الشوارع والبلاستيك
حذر باحثون من أن مناطق الحرب والجزيئات البلاستيكية الدقيقة وأضواء الشوارع باتت من بين التهديدات الناشئة التي تواجه أعداد النحل وفق تقرير حديث لصحيفة الغارديان البريطانية. ويحذر العلماء من أن تزايد الحروب والصراعات حول العالم يضر بالنحل، ويشمل ذلك الحرب في أوكرانيا، التي أجبرت الدول على زراعة أنواع أقل من المحاصيل؛ مما حرم الملقحات من غذاء متنوع طوال الموسم.
كما وجد الباحثون أن جزيئات البلاستيك الدقيقة تلوث خلايا النحل في جميع أنحاء أوروبا؛ حيث كشفت الاختبارات التي أُجريت على 315 مستعمرة نحل عسل عن وجود مواد صناعية مثل بلاستيك البولي إيثيلين تيريفثالات (PET) في معظم الخلايا. كما وُجد أن الإضاءة الاصطناعية المنبعثة من مصابيح الشوارع تقلل من زيارات الملقحات الليلية للأزهار بنسبة 62%، وأن تلوث الهواء يؤثر على بقائها وتكاثرها ونموها.
ودخلت المضادات الحيوية، المستخدمة في الزراعة، إلى خلايا النحل والعسل، كما وُجد أنها تؤثر على سلوك الملقحات، بما في ذلك تقليل بحثها عن الطعام وزيارتها للأزهار، وتلعب “مزيجات” المبيدات الحشرية دورًا هامًا وناشئًا؛ فرغم أن بعض المبيدات الحشرية تخضع الآن للوائح تنظيمية للحفاظ عليها دون الحدود “الآمنة” للنحل وغيره من الحيوانات البرية، فقد وجدت الأبحاث أنها قد تتفاعل مع مواد كيميائية أخرى وتُسبب آثارًا خطيرة.
حذر العلماء من أن النحل يواجه تهديدات جديدة من الحروب وأضواء الشوارع والبلاستيك الدقيق
اختلال التوازن البيئي
في اليمن أسهم اختلال التوازن البيئي -بفعل التغيرات الملحوظة في أنماط هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، إضافة للكوارث الطبيعية مثل السيول- بتدهور المراعي الطبيعية للنحل، وانقراض أنواع نادرة منه.
وأصبحت مستعمرات النحل أكثر عرضة للخطر بسبب تزايد الظروف الجوية القاسية، بما في ذلك الجفاف، وموجات الحر، والأعاصير العاتية، وحرائق الغابات والفيضانات التي ألحقت الضرر بالنحل والنباتات التي يلقّحها أو دمرتها، وإذا لم يكن ذلك كافيًا، فإن الطفيليات وغيرها من الكائنات التي يصفها الباحثون بالتهديدات “الحيوية” التي تتغذى على النحل تتكاثر عند حدوث ضرر للنظم البيئية.
يلعب النحل دوراً حيوياً في عملية التلقيح، والتي تساهم في إنتاج الغذاء، كما تحذر تقارير من أن تراجع إنتاج العسل اليمني -الذي يشتهر بجودته العالية- قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة، ويهدد مصادر دخل آلاف الأسر اليمنية التي تعتمد على تربية النحل مصدرا رئيسيا للعيش.
قال البروفيسور سيمون بوتس من جامعة ريدينغ، والمؤلف الرئيسي للتقرير إن “تحديد التهديدات الجديدة، وإيجاد سبل لحماية الملقحات مبكرًا أمرٌ أساسيٌّ لمنع المزيد من الانخفاضات الكبيرة في خلايا النحل”. ودعا المؤلفون إلى اتخاذ عدد من التدابير لحماية النحل، بما في ذلك قوانين أكثر صرامة تحد من تلوث المضادات الحيوية الذي يضر بصحة النحل، والانتقال إلى المركبات الكهربائية للحد من تلوث الهواء الذي يؤثر على الملقحات.
أكدت الدكتورة ديبا سيناباثي، المؤلفة المشاركة للتقرير، على أن “التصدي لهذه التهديدات يتطلب جهودًا من الجميع، علينا الحفاظ على موائلنا الطبيعية وإدارتها وتحسينها لخلق مساحات آمنة للملقحات، يمكن للإجراءات الفردية، مثل توفير الغذاء ومناطق التعشيش في حدائقنا الخلفية، أن تُسهم بشكل كبير”.
وأضافت: “يجب أن تتضافر التغييرات في السياسات والإجراءات الفردية حتى يصبح كل شيء، بدءا من الحدائق والمزارع إلى الأماكن العامة والمناظر الطبيعية الأوسع، موائل صديقة للملقحات”.