في ساحة تملؤها روائح البن والعسل والبهارات اليمنية، امتدت أجنحة مهرجان خيرات اليمن الثاني، لتحكي كل زاوية فيها قصة كفاح ونجاح وريادة، فهناك نساء يروجن منتجاتهن بابتسامات واثقة، وشباب يعرضون مشاريعهم الناشئة بحماس، وأطفال يركضون بين الأركان يكتشفون مذاقات اليمن المتنوعة من جديد.
المهرجان الذي انطلق في الرابع وحتى التاسع من أكتوبر الجاري في صنعاء، وشارك فيه 248 مشروعًا، تحول إلى مساحة تنبض بالحياة والآمال، حيث التقى المزارعون والمنتجون ليس فقط للبيع، بل لإبراز روح المجتمع اليمني وقدرته على الاعتماد على ذاته.
مواضيع مقترحة
-
العسل اليمني.. الذهب السائل من أزهار السِدر
-
الضالع.. مبادرة مجتمعية تُنقذ مدرسة بقعطبة من التوقف
-
مبادرات ريمة الإنسانية: تكافل مجتمعي ينقذ الأرواح
المرأة والريادة
في ركنٍ تعبق منه رائحة الورد والرمان والبخور، تقف حنين الحرازي، مؤسسة العلامة التجارية “رشة تكفيك”، لتروي تجربتها لـ”منصة ريف اليمن”، قائلة:” مشاركتي في مهرجان خيرات اليمن شكلت نقطة تحول في مسيرتي الريادية، ومنصة لإبراز قدرة المرأة اليمنية على الإبداع والمنافسة محليًا وعالميًا.”
وتؤكد الحرازي أن منتجاتها تُحضّر بنسبة 98% من مواد خام يمنية خالصة، مستوحاة من الطبيعة المحلية الغنية بروائح تهامة وصعدة وحضرموت وعدن، وتضيف: “منتجاتنا طبيعية بالكامل، نُصنّعها بعناية وجودة عالية، وهذا ما يمنحها تميزًا واستدامة.”
وترى أن المهرجان أتاح لها منصة للتعريف ببراندها وتسويق منتجها المحلي وفتح آفاقًا جديدة أمام النساء الرياديات لإثبات حضورهن كشريكات فاعلات في التنمية الاقتصادية، مشيرة إلى أن المنتج اليمني قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي والمنافسة الخارجية متى ما توفرت له الرعاية الكافية.
وشددت الحرازي على أن مشاركة المرأة في مثل هذه الفعاليات تبرهن على دورها القيادي والإبداعي في تحويل الموارد المحلية إلى قصص نجاح تعبّر عن هوية اليمن وتُعطر اسمه في الأسواق.
من فكرة إلى حركة إنتاجية
من جانبه، يقول أشرف الوادعي، صاحب متجر “سناكات”، إن المهرجان المهرجان يمثل فكرة رائدة جمعت المشاريع المنتجة في مكان واحد، ما أتاح للمشاركين فرصة مميزة لعرض منتجاتهم والتواصل المباشر مع الجمهور والمستهلكين، معتبرًا ذلك خطوة عملية نحو تنشيط الاقتصاد المحلي ودعم المشاريع الصغيرة والأصغر.
وأوضح الوادعي أن متجره يعمل في مجال الطب والحلويات، ويقوم بدور الوسيط بين الأسر المنتجة والعملاء من خلال تقديم خدمات التسويق وإدارة الصفحات الإلكترونية لتوسيع دائرة انتشار المنتجات المحلية وتعزيز حضورها في السوق،ويضيف:”نعمل كوسيط بين الأسر المنتجة والعملاء عبر التسويق وإدارة الصفحات الإلكترونية، بهدف توسيع انتشار المنتجات المحلية.”
مشيرًا إلى أن عدد المشاريع الصغيرة والأصغر المشاركة، والبالغ قرابة 50 مشروعًا، يشكل رافدًا اقتصاديًا واعدًا وانطلاقة جديدة نحو تمكين المنتجين المحليين، متمنيًا ألا تتعثر هذه المبادرات الواعدة وأن تحظى بالدعم والاستمرارية.
واتفقت الحرازي والوادعي على أن مهرجان خيرات اليمن أصبح اليوم منصة وطنية واقتصادية متكاملة تكرّس ثقافة الإنتاج المحلي والاكتفاء الذاتي، وتمنح الأسر المنتجة والمشاريع الصغيرة والرياديات اليمنيات مساحة واسعة للتعبير عن قدراتهن وإبداعهن في بناء اقتصاد وطني متنوع ومستدام.
خيرات محلية
تُعد اليمن سلة غذاء متنوعة، وذلك أنها تحتضن أصنافا متعددة من الفواكه والثمار الفريدة ذات المذاق المميز والقيمة الغذائية الكبيرة، نظرا لتفاوت الخصائص المناخية، واختلاف الظروف الطبوغرافية، مما أدى إلى اختلاف الأقاليم النباتية، وساعد على تنوع الإنتاج، بحسب المركز الوطني للمعلومات.
رئيسة جمعية الارتقاء للتنمية الاجتماعية هناء العلوي، بدورها قالت إن مشاركتها في مهرجان خيرات اليمن تأتي من خلال أحد مشاريع الجمعية الرائدة “اكتفاء”، الذي تصفه بأنه رافد اقتصادي مهم يسعى لتعزيز التصنيع المحلي وتحويل المنتجات الزراعية إلى سلع غذائية جاهزة تصل مباشرة إلى المستهلك.
وأوضحت العلوي لـ”منصة ريف اليمن”، أن مشروع اكتفاء يقوم على إنتاج عصائر طبيعية من الكركدية، المانجو، التفاح، البرتقال، الطماطم، والبسباس الذي يُستخدم في صناعة الشطة اليمنية، وجميعها منتجات طبيعية محلية، مشيرة إلى أن 80% من مدخلات الإنتاج تعتمد على المنتجات الزراعية اليمنية الخام.
وأضافت أن الهدف من إنشاء المشروع هو رفع الوعي المجتمعي بأهمية المشاريع الصغيرة وتشجيع الأفراد على تأسيس منشآت إنتاجية صغيرة قادرة على تحويل المحاصيل الزراعية إلى منتجات غذائية مصنّعة محليًا تُسهم في رفد الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل للشباب والنساء، بما يحد من مشكلة البطالة ويعزز الاعتماد على الذات بدلاً من المنتجات المستوردة.
وأكدت العلوي أن من بين أهداف المشروع أيضًا الحد من استهلاك المنتجات المستوردة والسعي لجعل اليمن بلدًا مصنّعًا ومكتفيًا ذاتيًا، مشيرة إلى أنها تطمح لأن يتحول السوق المحلي من مستهلكٍ ومستوردٍ إلى منتِجٍ ومصدّرٍ لمختلف المنتجات الزراعية اليمنية، لما تمتاز به من جودة عالية وتنوع فريد.
وتحدثت عن المخاطر المرتبطة بالمنتجات المستوردة، موضحة أن بعضها قد يكون تالفًا أو مخزنًا بطريقة غير صحيحة، مما يجعله غير صالح للاستهلاك عند وصوله إلى السوق المحلية، مؤكدة أن الاعتماد على المنتج المحلي أكثر أمانًا وجودة واستدامة.
وأضافت أن المهرجان هذا العام تميز أيضًا بمشاركة عدد من الشباب والمبادرات الشبابية، بينهم فنانون ورسّامون استعرضوا أعمالهم في أجنحة مخصصة لتعليم الفنون، ما أضفى على المهرجان طابعًا ثقافيًا وتنمويًا متكاملاً.
نحو اكتفاء زراعي
مدير مكتب إدارة المهرجان عبدالعظيم قحطان قال إن مهرجان خيرات اليمن في موسمه الثاني يشكل حدثًا اقتصاديًا وزراعيًا مهمًا يعكس ثراء الإنتاج المحلي وتنوعه، ويجسد رؤية عملية لتعزيز الاقتصاد الوطني عبر دعم المنتجين المحليين والمشاريع الصغيرة.
وحول مشاركتها في المهرجان، أوضحت العلوي أنها تشارك للمرة الثانية في مهرجان خيرات اليمن، الذي تعتبره حاضنة كبيرة للمشاريع الصغيرة والأصغر، ولكل المشاريع الصناعية والزراعية والجمعيات التنموية، نظرًا لدوره البارز في إبراز خيرات اليمن بمختلف أنواعها.
وأوضح قحطان خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أن المهرجان، الذي ينظمه مكتب الزراعة ووحدة تمويل المشاريع والمبادرات الزراعية والسمكية، شهد هذا العام مشاركة 248 مشروعًا توزعت بين 180 بوتًا لمشاريع متنوعة تشمل الفواكه، التمور، العسل، البن، والمشتقات الزراعية الأخرى، إلى جانب 45 بوتًا للمشاريع الصغيرة والأصغر، و23 بوتًا خصصت للأسر المنتجة التي تمثل ركيزة أساسية في الاقتصاد المجتمعي.
وأشار إلى أن هذا الزخم في المشاركة يعكس حيوية القطاع الزراعي اليمني رغم التحديات، ويؤكد قدرة المنتجين المحليين على المنافسة وتطوير سلاسل القيمة في السوق المحلية. كما اعتبر أن المهرجان منصة اقتصادية متكاملة تهدف إلى توسيع دائرة التسويق للمنتجات الوطنية، وتحفيز الاستثمار في القطاعات الزراعية والحرفية، إلى جانب خلق بيئة تفاعلية بين المنتجين والمستهلكين والمؤسسات التمويلية.
وأكد قحطان أن مثل هذه الفعاليات تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الريفي وتعزيز الثقة بالمنتج اليمني، داعيًا إلى استدامة مثل هذه المبادرات كونها تمثل خطوة فاعلة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي الوطني، بما يتماشى مع توجهات الدولة نحو اقتصاد إنتاجي مستدام ينهض بالقطاع الزراعي كأحد أهم ركائز التنمية في اليمن.