لم يكن المزارع “صالح الصبيحي (55 عاما)”، يتوقع يوما أن يضرب الجفاف أرضه ومصدر دخله الوحيد التي يملكها في منطقة الراحة بمحافظة لحج جنوبي اليمن، ويُفقِدها دورها الزراعي الإنتاجي التي ظلت تتميز به طيلة عقود، وتنتج محاصيل زراعية متنوعة.
رغم قسوة الواقع، لا يزال صالح متمسكا بأرضه البالغة مساحتها 12 فدانا، يحدوه الأمل بتحسن الأحوال الجوية، أو تدخل الجهات المختصة والمنظمات المتخصصة لدعم المزارعين ومساعدتهم في مواجهة هذه الأزمة.
يقول الصبيحي لمنصة ريف اليمن: “هذا العام كان الأسوأ على الإطلاق، الجفاف يضرب الراحة منذ عامين، لكن هذا الموسم كان الأشد جفافا؛ إذ تأخر هطول الأمطار عن موعده المعتاد”.
مواضيع مقترحة
-
ريمة.. نقص الأمطار يُربك الدورة الزراعية
-
عطش الأرض والإنسان: الجفاف يضاعف معاناة اليمنيين
-
تعز.. الجفاف يهدد محاصيل الذرة الرفيعة
ويضيف “حاولنا كمزارعين البحث عن حلول لإنقاذ أراضينا من التصحر والطمس فقمنا بحفر الآبار كحل مؤقت، لكننا فوجئنا بانخفاض شديد في منسوب المياه الجوفية، حتى أصبح بعضها مهددا بالنضوب الكامل، بسبب قلة الأمطار وغياب السيول التي كانت تغذي الخزانات الجوفية”.

وأشار الصبيحي إلى أن حفر الآبار العشوائي ساهم في تعقيد الأزمة، حيث جرى حفر أكثر من 10 آبار في نطاق لا تتجاوز 500 متر، ما ساهم في استنزاف المياه، لافتا إلى تحديات أخرى تواجه الزراعة، أبرزها القطع الجائر للأشجار، وزحف الرمال، وانتشار أشجار السيسبان الضارة وعجز المزارعين عن اقتلاعها.
70% من الأراضي تضررت
تقع الراحة في مديرية الملاح بمحافظة لحج، وتعرف بكونها منطقة زراعية، ومصدرا مهما لتربية المواشي والنحل والدواجن. وسُمّيت بهذا الاسم كونها كانت محطة استراحة للقوافل التجارية القادمة من ردفان إلى عدن، وتتألف من نحو 55 قرية مترامية الأطراف.
رغم الجفاف ما يزال “صالح” متمسكا بأرضه البالغة مساحتها 12 فدانا، يحدوه الأمل بتحسن الأحوال الجوية، أو تدخل الجهات المختصة لدعم المزارعين
قبل موجة الجفاف، كانت الراحة تُعد جنة زراعية تنتج أجود أنواع الحبوب والخضروات، مثل البيني، الصيف، الذرة الشامية، البصل، البامية، الفلفل، الطماطم، البطيخ، الشمام، والباذنجان، وهذه المحاصيل باتت نادرة، وبعضها اختفى من السوق تماما.
مدير مكتب الزراعة في مديرية الملاح “عبد الناصر عباد”، قال إن الجفاف في العامين الماضيين قضى على نحو 70% من الأراضي الزراعية في الراحة، مضيفا أن المزارعين غير قادرين على مواجهة الأزمة بسبب ارتفاع تكاليف الوقود ومستلزمات الري.

وأوضح عباد لـ”ريف اليمن” أن “ما يحتاجه المزارعون حاليا هو التحول إلى الطاقة الشمسية كبديل للديزل المكلف، بالإضافة إلى بناء جبيونات (حواجز ترابية حجرية) لحماية الأراضي من الانجراف، وخزانات لحصاد مياه الأمطار بصورة مستعجلة”.
كما أشار إلى وجود دراسة قديمة لدى الصندوق الاجتماعي للتنمية لإقامة حواجز مائية في مناطق، مثل عمارة ولصبة منذ أكثر من 18 عامًا، لكنها لم تُنفذ حتى الآن.
وقال إن مكتب الزراعة نفذ تقريرًا مسحيا لتحديد مواقع مناسبة لإنشاء خزانات وحواجز مائية ودفاعات لحماية الأراضي، داعيًا الجهات المختصة إلى سرعة التدخل لتنفيذ هذه المشاريع قبل فوات الأوان.
الخوف من التصحر
أم أحمد (40 عاما)، مزارعة من سكان الراحة، عبّرت عن معاناتها قائلة: “الوضع صعب للغاية، الأرض يابسة، والماشية تعاني مثلنا، حتى مياه الشرب أصبحت باهظة الثمن، فخزان سعة 1500 لتر يُباع بـ12 ألف ريال”.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، يعتمد نحو 61.5% من السكان غالبا على القطاع الزراعي، ورغم ذلك لا يوفر حاليا سوى 15 – 20% من الاحتياجات الغذائية، وذلك بسبب محدودية الأراضي الزراعية، وموارد المياه والممارسات الزراعية السيئة، وفقا للبنك الدولي.
من جانبه، أوضح المهندس الزراعي “محمود سعيد”، أن النشاط الاقتصادي الرئيسي لأبناء الراحة هو الزراعة، نتيجة لخصوبة تربتها، مشيرًا إلى أن ما نسبته 90% من أراضيها تُصنَّف كتربة طينية طمية، وهي أراضٍ خصبة صالحة للزراعة، وذات إنتاجية عالية، وتُزرع فيها معظم أنواع المحاصيل المتاحة، خصوصًا الذرة الرفيعة.
خلال العامين الماضيين قضى الجفاف على نحو 70% من الأراضي الزراعية، والمزارعون غير قادرين على مواجهة الأزمة بسبب ارتفاع تكاليف الوقود ومستلزمات الري
وقال إن نسبة الإنتاج الزراعي للمنطقة قبل ثلاثة أعوام كانت جيدة بسبب هطول الأمطار وجريان السيول، والتي قلت الآن بشكل كبير جدا إلى ما نسبته 40% تقريبا، لافتا إلى أن المنطقة باتت مهددة بفعل قلة الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، وتراجع منسوب المياه الجوفية.
وأرجع موجة الجفاف لأسباب أهمها التغيرات المناخية التي طالت اليمن في السنين الأخيرة وتأثرت بها منطقة الراحة، فارتفاع درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار أدى إلى جفاف التربة وتعريتها، وتملح التربة خصوصا تلك التي تُروى بالمياه الجوفية التي زادت نسبة ملوحتها مؤخرا بسبب انخفاض المنسوب الجوفي بشكل ملحوظ.

وأرجع سعيد أسباب موجة الجفاف إلى التغيرات المناخية التي طالت اليمن في السنوات الأخيرة، وتأثرت بها منطقة الراحة، مؤكدًا أن ارتفاع درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار أديا إلى جفاف التربة وتعريتها، إضافة إلى تملّح التربة، لا سيما في المناطق التي تُروى بالمياه الجوفية التي زادت ملوحتها مؤخرًا، نتيجة انخفاض منسوب المياه الجوفية بشكل ملحوظ.
ويقترح المزارع الصبيحي حلولًا عاجلة لمواجهة الجفاف، منها بناء سد في منطقة “النفش”، وهي منطقة مرتفعة بطول 150 إلى 200 متر لاحتجاز السيول، وزيادة مخزون المياه الجوفية، منوها أن “السيول تمر أمامه ولا نستطيع الاستفادة منها”.
ورغم ضعف الإمكانات، يبذل المزارعون جهودًا ذاتية لمواجهة الأزمة، ويؤكد الصبيحي أن الظروف الاقتصادية، وارتفاع تكاليف المعدات الزراعية وقفت عائقا أمام تنفيذ خطوات مهمة لمواجهة الجفاف، ورغم ذلك لم يخل الأمر من بعض المحاولات والجهود الذاتية للمزارعين؛ كإنشاء شبوك، ودفاعات، ومحاولات اجتثاث لأشجار “السيسبان”، لكنها تظل محدودة التأثير دون دعم مؤسسي.