مخلفات الأبقار: بديل قاسٍ للغاز المنزلي في الريف

بات روث الأبقار المجفف وسيلة الأسر لطهي الطعام في مناطق "صبر" في تعز

مخلفات الأبقار: بديل قاسٍ للغاز المنزلي في الريف

بات روث الأبقار المجفف وسيلة الأسر لطهي الطعام في مناطق "صبر" في تعز

في ظل الارتفاع الكبير في أسعار الغاز المنزلي، وصعوبة الحصول عليه، يعيش أبناء المناطق الريفية في محافظة تعز جنوب غربي اليمن أوضاعًا معيشية قاسية، ما اضطر الكثير منهم للبحث عن بدائل جديدة؛ إذ بات روث الأبقار المجفف واحدًا من هذه البدائل التي تمكِّن الأسر الريفية من طهي الطعام.

ورغم قسوة هذه البدائل، وتأثيرها السلبي على صحة المواطنين، إلا أنها تبقى الخيار الوحيد أمام الأسر الريفية بسبب غلاء المعيشة. وتعد مناطق جبل صبر، وتحديدًا منطقة الأقروض في مديرية المسراخ والشقب في مديرية صبر الموادم، نموذجًا حيًا لهذه المعاناة المستمرة، حيث يجد الأهالي أنفسهم عاجزين عن توفير الغاز المنزلي.

ويتم تجفيف مخلفات الأبقار في كثير من المناطق اليمنية منها ذمار (جنوب صنعاء) ويسمونه “ضُمج”، ويستخدم  لذات الأسباب في عدم قدرة السكان على الحصول على الغاز المنزلي بسبب سوء الاوضاع المعيشية، وينتشر استخدم مخلفات الأبقار بديلاً عن الحطب أيضا، في المناطق الذي يصعب على المواطنين توفير الحطب بسهولة.

بدائل قاسية للغاز

ويتحدث الناشط المجتمعي “محمد سعيد” عن معاناة سكان المنطقة قائلًا: “طوال فترة الحرب والحصار الجائر، خُلقت الكثير من المعاناة، وعانت مناطق الريف في تعز بشكل كبير، قرية الشقب، على سبيل المثال مثّلت نموذجًا للمعاناة منذ عشر سنوات، لم يعد فيها أي مصدر للاحتطاب، لأن وديانها الزراعية أصبحت في خط النار، مما زاد من حدة الفقر وغلاء المعيشة”.


      مواضيع مقترحة


وأشار إلى أن سعر أسطوانة الغاز في المنطقة المحاصرة بلغ 11 ألف ريال يمني، بسبب بُعد المنطقة والمناطق المجاورة عن المدينة، وقلة حصة الغاز الحكومي المخصصة لها. وأضاف سعيد: “هذا الارتفاع الكبير في الأسعار جعل الكثير من الأسر غير قادرة على توفير الغاز المنزلي؛ مما دفع النساء إلى اللجوء إلى روث الأبقار كمصدر بديل للطاقة”.

موضحا أن النساء يقمن بجمع مخلفات الأبقار وتشكيلها على شكل دوائر متوسطة الحجم، ثم يتركنها تحت أشعة الشمس لمدة أسبوع كامل حتى تجف تمامًا، قبل استخدامها كوقود في المواقد المنزلية لإعداد الخبز والطعام لأفراد الأسرة. ولتعزيز الاشتعال، يتم إضافة مواد بلاستيكية مثل العلب والشوالات والقراطيس.

ويشير سعيد إلى أن هذه العملية التي تلجأ إليها نساء الريف، وانتشرت بشكل فضيع خلال سنوات الحرب، خلّفت الكثير من الأمراض؛ حيث انتشر مرض سرطان الدم والرئتين وزيادة عدد أمراض الربو والجهاز التنفسي نتيجة للدخان المتصاعد من الموقد.

روث البقر المجفف.. بديل قاسٍ للغاز في ريف تعز
قطع من روث الأبقار معرضة للشمس لتجفيفه بهدف استخدامه كوقود بديل للغاز(ريف اليمن)

ووجه سعيد مناشدة للسلطة المحلية بالنظر إلى معاناة أبناء منطقة الشقب والمناطق المجاورة، والعمل على زيادة حصتها من الغاز المنزلي، وإلزام سائقي المركبات بعدم تجاوز السعر الرسمي للشركة؛ لتخفيف معاناة المواطنين في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة.

لا تختلف معاناة منطقة الأقروض كثيرًا عن تلك التي تشهدها الشقب؛ حيث تعيش الأسر الريفية هناك ظروفًا معيشية قاسية، حسبما أكدت الحجة “عالمة الحاج” في حديثها لمنصة ريف اليمن.

وتقول عالمة: “نحن نعيش في الريف بدخل محدود، ومزارعنا تقع على خطوط النار. الغاز المنزلي سعره مرتفع، وحتى لو وفرنا قيمته فإن وصوله يتأخر بسبب قلة الحصة المخصصة للمناطق الريفية”.


رغم قسوة هذه البدائل، وتأثيرها السلبي على صحة المواطنين، إلا أنها تبقى الخيار الوحيد أمام الأسر الريفية التي أنهكها غلاء المعيشة


وأوضحت أن الأهالي لجأوا للبحث عن بدائل متاحة، مثلما كانوا يفعلون في الماضي؛ حيث يقومون بجمع الحطب والمواد البلاستيكية، إضافة إلى روث المواشي، الذي يتم خلطه بالماء، ثم تشكيله إلى دوائر صغيرة، وترْكه ليجف أسبوعًا كاملًا قبل استخدامه كوقود للطهي.

وأضافت عالمة: “هذه الممارسة كانت موجودة قبل عقود، لكنها عادت بشكل كبير خلال الحرب، بعد أن أصبحنا غير قادرين على شراء الغاز”، مشيرة إلى أن “تحضير الروث كوقود متعب جدًا، ويحتاج إلى تهوية جيدة بسبب الدخان المتصاعد منه أثناء اللهب، خاصة في فصل الصيف، حيث نضطر لإشعال النار في المطابخ المغلقة أثناء هطول الأمطار”.

مخاطر صحية

رغم قدرة هذه البدائل على توفير مصدر للطاقة في ظل شح الغاز، إلا أنها تتسبب في مشكلات صحية خطيرة، كما يوضح الدكتور “عز الدين الشقب” لمنصة ريف اليمن، لافتا إلى أن “الوضع الذي يعيشه أبناء الريف مأساوي للغاية، وكأننا ما زلنا نعيش في القرون الوسطى ولسنا في عام 2025”.

ويشير الدكتور الشقب إلى أن العديد من النساء لجأن إلى تجفيف روث الأبقار واستخدامه كوقود، مما زاد من انتشار الأمراض الصدرية والتنفسية، لافتا إلى أن هذه الممارسة كانت شائعة في عهد الإمامة واستمرت في بعض المناطق الريفية حتى اليوم، خصوصًا في تحضير “اللحوح” الذي يحتاج إلى نار قوية، ومع استمرار الحرب، عادت هذه العادة بشكل كبير، وأصبح روث البقر المجفف يُباع في الأسواق كبديل للغاز.

روث البقر المجفف.. بديل قاسٍ للغاز في ريف تعز
تحضير الروث كوقود متعب جدًا ويحتاج إلى تهوية جيدة بسبب الدخان المتصاعد منه (ريف اليمن)

ويضيف أن مناطق الشقب والأقروض، التي تعيش تحت وطأة الحرب والحصار، لا تزال تعتمد بشكل كبير على مخلفات الحيوانات والمواد البلاستيكية كوقود للطهي، مما أدى إلى زيادة حالات أمراض الرئتين والسرطان بسبب انبعاثات المواد المحترقة.

ووفقًا لتقرير البنك الدولي عن الوصول إلى خدمات وقود الطهي في عام 2020. فإن العالم يتكبد خسائر قيمتها 2.4 تريليون دولار سنويًّا بسبب وقود الطهي غير النظيف، ويرتبط أكثر من نصف هذا المبلغ “1.4 تريليون دولار سنويًّا” بالآثار الصحية، كما يتكبد 0.2 تريليون دولار كآثار مناخية، و0.8 تريليون دولار كإنتاجية مفقودة من النساء.


اعتماد الأسر بشكل كبير على مخلفات الحيوانات والمواد البلاستيكية كوقود للطهي أدى إلى زيادة حالات أمراض الرئتين والسرطان بسبب انبعاثات المواد المحترقة


ويؤكد الدكتور عز الدين الشقب أن الوضع قبل الحرب لم يكن بهذا السوء، حيث كانت الأسر التي تستخدم هذه المواد محدودة، وكانت نسبة الأمراض المزمنة منخفضة، لكن بعد انتشار هذه الممارسة على نطاق واسع، خاصة بعد أن تحولت أماكن الاحتطاب لخط نار، ارتفع عدد الإصابات بأمراض الجهاز التنفسي والسرطان؛ بسبب غياب التهوية الكافية؛ ما يهدد بكارثة صحية ومجتمعية في هذه المناطق.

ودعا الشقب السلطات المحلية إلى توفير لجان توعوية لتعريف الناس بمخاطر استخدام المواد البلاستيكية والبدائل غير الصحية، وإرشاد المجتمع إلى طرق سليمة تقلل من المخاطر، مثل توفير تهوية جيدة، وإغلاق الأواني أثناء الطبخ كحد أدنى من الوقاية، موجها نداءً إلى السلطات في المحافظة بضرورة زيادة كميات الغاز المنزلي المخصصة للمناطق الريفية، وتخفيف أسعاره حتى يتمكن المواطنون من شرائه بسهولة.

وتُقدر منظمة الصحة العالمية عدد الوفيات حول العالم بسبب التعرض لتلوث الهواء الخارجي بـ 4.2 مليون، بالإضافة إلى 3.8 مليون شخص أثناء التعرض للدخان المنزلي الناتج عن المواقد وأنواع الوقود القذرة، أبرزها دخان الحطب.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: