على إحدى تلال قرية السُلعية بمديرية المعافر جنوب غرب محافظة تعز ، كان حلم “سونيا قحطان (30 عامًا)” ينمو مع كل تجمع عائلي، “حلمي أن أعمل في المجال الإنساني”، هكذا كانت تجيب صديقاتها.
رغم سنوات الحرب في اليمن، التي خلّفت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، تحولت الأمنية إلى حقيقة على أرض الواقع؛ حيث وجدت سونيا فرصتها في التطوع ومد يد العون للمتضررين والنازحين.
تكريمًا لأولئك الذين يبذلون جهدهم في مساعدة الآخرين، يحتفل العالم في 19 أغسطس من كل عام باليوم العالمي للعمل الإنساني، وسونيا هي واحدة من هؤلاء، وتقول لمنصة ريف اليمن: “منذ الطفولة، كان حلمي أن أكون متطوعة إنسانية مثل الذين كنت أشاهدهم على شاشة التلفاز”.
مواضيع مقترحة
-
الأطفال النازحون باليمن: معاناة وحرمان من التعليم
-
ريف تعز: مبادرة تنقل 500 طالبة من تحت الأشجار للفصول
-
المرأة الريفية: شريك أساسي في المبادرات المجتمعية

خطوة البداية
بدأت رحلة سونيا في العمل الإنساني عام 2017، وخلالها عملت مع العديد من المنظمات والمبادرات، وحصلت على خمسين شهادة في مجالات متنوعة، مثل الحماية، والمساحات الصديقة، والرصد، والإحالة، كما عملت كنقطة اتصال بين المنظمات والنازحين في عدة مخيمات.
وقبل نحو عام ونصف، عملت سونيا متطوعة مع إحدى المنظمات الإنسانية في أحد مخيمات النازحين المهمشين بقريتها لتقديم التعليم المسرّع لأطفال المخيم، بالتنسيق مع مكتب التربية والتعليم والوحدة التنفيذية للنازحين.
لكن المخيم الذي كان من المقرر أن يكون مشروع التعليم المسرّع فيه لم يكن مهيأً لتنفيذه، كما أن القائمين على المشروع لم يتمكنوا من إيجاد مكان بديل لتعليم الأطفال.
كرست “سونيا” جهودها لتعليم الأطفال النازحين في منزلها بمحافظة تعز لمدة 3 أشهر حيث قدمت لهم كافة المستلزمات التعليمية بجهود ذاتية
واجهت سونيا تحديًا كبيرًا عندما تعرقل مشروع لتعليم أطفال النازحين في قريتها. كان من المقرر إطلاق مشروع للتعليم المسرع، لكن المخيم لم يكن مُهيأً، ولم يتمكن القائمون على المشروع من إيجاد مكان بديل.
“شعرت بالحزن على هؤلاء الأطفال، فهم بحاجة إلى فرصة للتعلم”، تقول سونيا التي لم تستسلم، بل جاءتها فكرة بسيطة لكنها عظيمة الأثر: “تخصيص غرفة في منزلها لتعليمهم”.

تعليم ودعم نفسي
استمرت سونيا في تعليم الأطفال بمنزلها، وعملت على توفير دفاتر وأقلام بجهد شخصي، كما تجاوزت دور التعليم الأكاديمي، فشمل تعليمهم أنشطة تعليمية، وتقديم الدعم النفسي لهم.
خلال عملها في تعليم الاطفال، تجاوزت التعليم الأكاديمي ليشمل أنشطة تعليمية ودعمًا نفسيا، إذ يقول “بسام الحداد”، مسؤول الوحدة التنفيذية للنازحين في مديرية المعافر، إن سونيا “تحملت على عاتقها مسؤولية عدم تخلفهم عن مسار العملية التعليمية”.
وأوضح الحداد في حديث خاص لمنصة “ريف اليمن” أن سونيا بذلت جهدًا كبيرًا لتشجيعهم، وفتحت منزلها لهم، ووفرت المستلزمات المدرسية.
“جميلة سعد (33 عامًا)”، أم لثلاثة أطفال استفادوا من مبادرة سونيا، تروي تأثيرها الإيجابي فتقول لمنصة ريف اليمن: “كان أطفالي لا يستطيعون القراءة والكتابة، وكنا يائسين بسبب ظروف المخيم، لكن سونيا زرعت فينا الأمل، شعرنا بأننا لسنا وحدنا، وأن هناك من يهتم بنا ويساعدنا”.
بناء فصل دراسي وجهود الحماية
بعد ثلاثة أشهر متواصلة من التعليم، أُبلغت سونيا باستئناف مشروع التعليم المسرع للنازحين، عبر بناء فصل خشبي لاستكمال تعليم الأطفال، إلا أن مشكلة واجهتهم تمثلت في عدم وجود أرض لإقامة الفصل عليها.

لم تقف سونيا أمام هذه العقبة مكتوفة اليدين، فقد أقنعت أحد أصحاب الأراضي القريبة من المخيم بوضع الفصل الخشبي على أرضه، وهو ما تم بالفعل. بعدها، وُقِّعت اتفاقية مع الوحدة التنفيذية في المديرية ليتم تنفيذ المشروع.
يشير مسؤول الوحدة التنفيذية للنازحين بمديرية المعافر، بسام الحداد، إلى أن دور سونيا المحوري والإنساني ساهم في ضمان التحاق هؤلاء الأطفال بالعملية التعليمية ومن ثم إلحاقهم بالتعليم العام.
وعن جهودها التطوعية في مجال الحماية، يوضح الحداد أن مناطق المديرية كانت مكتظة بالنازحين، ونتيجة لهذا الازدحام لم تتمكن الوحدة التنفيذية ولا المنظمات من الوصول إلى الأسر التي تحتاج لتدخلات في قطاع الحماية، إلا أن سونيا عملت على متابعتهم.
ويضيف: “كانت سونيا هي الدليل للوصول إلى هذه الأسر، ومن خلال دورها كنا نجمع البيانات ونرفعها للشركاء في قطاع الحماية، حتى نتمكن من الحصول على مساعدات لهذه الأسر رغم التحديات”.
صعوبات
خلال مسيرتها العملية في العمل الإنساني واجهت سونيا العديد من التحديات والصعوبات منها النظرة المجتمعية، إذ تقول: “خلال عملي الميداني في الكثير من القرى الريفية كنت أتلقى تعليقات سلبية من قبل بعض الناس الذين كانوا يقولون لنا أنتم النساء شغلكم في المنزل”.

وأوضحت لمنصة ريف اليمن، أن ظروف العمل في بعض الأحيان كانت تجبرها على التأخر خارج المنزل، وهو ما يسبب ضغطاً أسرياً ومجتمعياً عليها نتيجة العادات التي تفرض الخروج والرجوع إلى المنزل في أوقات محددة.
تواجه النساء العاملات بالمجال الإنساني في اليمن تحديات كبيرة، لا سيما في ظل النظرة المجتمعية والعادات والتقاليد التي تُعيق عملهن
بالإضافة إلى تعرضها للضغط النفسي، تتعامل سونيا مع حالات حساسة خلال عملها الإنساني، فتقول: “نصادف خلال العمل الكثير من الحالات التي تفتقر للاحتياجات الأساسية، خاصة وأن القرى تعد مناطق أكثر احتياجًا، لكن نتيجة لقلة الموارد التي توفرها المشاريع يصعب علينا تغطية كل الحالات، وهذا يسبب لنا نوعاً من الإحباط”.
كما أن الاستماع إلى كثير من الحالات خلال عمليات الرصد الخاصة بالحماية وقضايا العنف ينعكس على صحتها النفسية بشكل سلبي، موضحة بالقول: “في البداية كان لدينا جهل في الأمور النفسية، فكنا لا نقوم بتفريغ المشاعر السلبية نتيجة الانشغال بالعمل والشغف به”.
لكن على الرغم من كل الصعوبات والتحديات، لا تزال سونيا حتى وقتنا الحالي رمزًا للعمل الإنساني والتضحية، مقدمةً الأمل لأجيال من الأطفال النازحين الذين أنقذتهم من الجهل في بلد تعصف به الحرب منذ سنوات.
وخلال سنوات الحرب في اليمن، برز دور المرأة كركيزة أساسية في دعم المجتمع؛ إذ ساهمت في دعم العديد من المبادرات المجتمعية في العديد من المحافظات اليمنية، وكان لها دور مهم في مختلف المجالات.