حذرت دراسات وأبحاث علمية، من أزمة التغير المناخي ستزيد من الصواعق الرعدية المسببة لحرائق الغابات وستكون أكثر تواتراً خلال العقود المقبلة في كثير من دول العالم، وسينعكس ذلك على السلامة العامة.
وفقاً لدراسة جديدة نُشرت في صحيفة الغارديان «The Guardian» البريطانية تميل حرائق الصواعق إلى الاشتعال في مناطق نائية، وبالتالي تتطور عادةً إلى حرائق أكبر حجمًا من الحرائق التي يسببها الإنسان، هذا يعني أن الاتجاه نحو اشتعال المزيد من حرائق الصواعق قد يزيد من فتك حرائق الغابات، إذ يُنتج المزيد من دخانها، ويُساهم في تفاقم مشاكل جودة الهواء.
مواضيع مقترحة
الصواعق في اليمن
مؤخراً، شهدت عدة محافظات يمنية أمطاراً مصحوبة بصواعق رعدية أسفرت عن وفيات ومصابين وأضرار مادية جراء الحرائق التي اندلعت في منازل المواطنين في المناطق الجبلية، وتوفي ما لا يقل عن 11 يمنيًا بينهم ستة أطفال وامرأة جراء صواعق رعدية خلال أسبوع في منتصف اغسطس 2025.
في أواخر يونيو الماضي أفاد سكان محليون أن عدة صواعق رعدية ضربت قمة جبل مَسمان في مديرية الأزارق بمحافظة الضالع ، مما تسبب في نشوب حرائق في الحشائش والأعشاب الطبيعية التي تغطي الجبل، ويعد تصاعد حوادث الصواعق الرعدية المميتة في اليمن بسبب التغيبرات المناخية.
وخلال العام الماضي أودت الصواعق الرعدية بحياة 160 شخصا، وفق إعلان مسؤول في سلطات صنعاء، في حين رصد تقرير -نشره مشروع عشة التابع لمنصة ريف اليمن- 187 حالة وفاة والعشرات من الإصابات غالبيتها بين يوليو وأكتوبر، بالإضافة إلى نفوق المئات من المواشي والأغنام وتضرر المنازل والممتلكات.
على مدى السنوات الأربعين الماضية، أصبحت العواصف الرعدية وغيرها من الظروف الجوية المؤدية إلى البرق تحدث بشكل متكرر في العديد البلدان منها الولايات المتحدة، وكان موسم الحرائق هذا العام الأسوأ في تاريخ أوروبا، ويعود ذلك جزئيًا إلى حرائق الغابات الناجمة عن الصواعق في إسبانيا وفي كندا، أتت حرائق هائلة هذا العام على أكثر من 200% من مساحة الغابات الطبيعية، وكانت الغالبية العظمى منها ناجمة عن الصواعق.
تحذيرات
ووجدت الدراسة أن بعض المناطق، مثل شمال غرب المحيط الهادئ الداخلي، ستشهد موجةً من البرق مع زيادة طفيفة نسبيًا في خطر الحرائق الإجمالي بسبب رطوبة البيئة. كما ستشهد مناطق أخرى، مثل الصحراء الجنوبية الغربية، زيادةً في خطر حرائق الغابات دون تغيير يُذكر في عدد أيام البرق، وذلك بسبب الاتجاه العام نحو جفافٍ أكثر انتشارًا.
على مدار خمسة عشر عامًا مضت، تسبب دخان حرائق الغابات في مقتل حوالي ألف شخص في الولايات المتحدة سنويًا، وقد يؤدي ارتفاع عدد الحرائق الناجمة عن الصواعق إلى وفاة أكثر من عشرين ألف شخص سنويًا بسبب وباء الدخان في أمريكا بحلول منتصف القرن.
بالإضافة إلى تزايد خطر حرائق الغابات، وجدت الدراسة الحديثة أن التأثير الأكبر للزيادة المتوقعة في العواصف الرعدية والبرق في بعض مناطق الغرب قد يتمثل في زيادة الفيضانات المفاجئة والانهيارات الطينية، وخاصة في المناطق التي احترقت الغابات فيها مؤخرًا. كما قد يُغطي دخان الحرائق الناجمة عن البرق الأنهار الجليدية في كندا وجرينلاند وأوروبا بجسيمات داكنة تُسرّع ذوبانها.
خلال السنوات الماضية تسببت الصواعق الرعدية بوفاة العشرات خصوصاً في المناطق الريفية اليمنية وفي العالم اندلعت حرائق هائلة في عدة دول
وتوقعت دراسة نشرت عام 2023 في مجلة “نايتشر كوميونيكيشنز” «Nature Communications» تزايد الصواعق نتيجة استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ولاحظت وجود زيادة في الصواعق “ذات التيار المستمر والطويل” على المستوى العالمي، بنسبة 41 في المئة.
ويمكن أن تزداد وتيرة ومضات البرق من نحو ثلاث لمعات في الثانية، إلى أربع، في جميع أنحاء العالم. وفق الدراسة التي أشارت “أن جميع أنواع الصواعق قد تزداد بنحو 30 في المئة بحلول نهاية القرن وتتركز في مناطق كثيرة بالعالم منها جنوب وشرق آسيا”، حيث تقع اليمن في جنوب قارة آسيا، وتحديدًا في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية.
حرائق الغابات
تشير أبحاث جديدة وفق نيويورك تايمز «New York Times» إلى أن سنوات حرائق الغابات الشديدة أصبحت أكثر شيوعًا بسبب تغير المناخ، الدراسة التي نُشرت في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في يوليو 2025، كانت مساحة الغطاء النباتي المفقود بسبب الحرائق خلال عامي 2023 و2024 أكبر بمرتين على الأقل من المتوسط السنوي لعقدين تقريبًا من الزمن.
على الصعيد العالمي، انخفضت مساحة الأراضي التي احترقت بفعل حرائق الغابات في العقود الأخيرة، ويعود ذلك في الغالب إلى تحويل البشر السافانا والمراعي إلى أراضٍ أقل قابلية للاشتعال، مع ذلك فقد زادت مساحة الغابات المحروقة.

ووجدت الدراسة أن الغابات الشمالية فقدت أكثر من ضعف مساحة مظلتها في عامي 2023 و2024 مقارنةً بالفترة بين عامي 2002 و2022. وشهدت الغابات الاستوائية خسارةً أكبر بثلاثة أضعاف، وخسرت غابات أمريكا الشمالية ما يقرب من أربعة أضعاف مساحة مظلتها، ويعود ذلك في الغالب إلى حرائق الغابات في كندا.
كما سُجِّلت خسائر فادحة في الغابات النائية، البعيدة عن الأنشطة البشرية، وصرح كالوم كانينغهام، عالم جغرافيا الحرائق في جامعة تسمانيا لصحيفة نيويورك تايمز “بأن هذه العزلة تُشير إلى تزايد الحرائق بشكل رئيسي بسبب تغير المناخ”، وأضاف “التغيرات المناخية المزمنة تجعل هذه الغابات أكثر ملاءمةً للحرائق”.
وبحسب خبراء، بصمة أزمة المناخ على حرائق الغابات وخاصةً النائية منها، واضحة ذلك لأن الحرائق محدودة إما بكمية الخشب المشتعل أو برطوبة أو جفاف الوقود، لذا عندما يلاحظ العلماء ازدياد الحرائق في الغابات النائية، بعيدًا عن المدن والبنية التحتية والأنشطة البشرية الأخرى، مثل قطع الأشجار، فإنهم يلجأون إلى المناخ كتفسير.
يشمل طقس الحرائق جميع الظروف اللازمة لاشتعال الحرائق، فموجات الطقس الحار والجاف المستمرة، بالإضافة إلى معدلات التبخر العالية، تؤدي إلى جفاف النباتات والتربة، كما يمكن أن تتغير أنماط الرياح المحلية، مما قد يشعل الحرائق عبر الأراضي الزراعية، وفوق التلال والطرق. كما أن فترات الطقس الحار والجاف الأطول تزيد من احتمالية اندلاع الحرائق.
حلول مستقبلية
يحذر الخبراء من أن انخفاض جهود مكافحة الحرائق يمكن أن يؤدي إلى حلقة مفرغة خطيرة حيث أن الحرائق الأكبر تعني انبعاثات أكثر، مما يؤدي إلى مزيد من طقس الحرائق ويزيد من احتمالية نشوب حرائق مستقبلية.
بحسب الدراسة، سيواجه الجميع تقريبًا خطر حرائق الغابات بشكل أكبر في المستقبل بحيث أن محدودية الموارد لمكافحة الحرائق تجعل من آثار حرائق الغابات الناجمة عن الصواعق مسألة مثيرة للقلق.
كما تشير الدراسة إلى أنه وبسبب طبيعتها النائية، تميل حرائق الغابات الناجمة عن الصواعق إلى استنزاف قدرة الاستجابة للطوارئ بعيدًا عن المناطق الحضرية.
للتعامل مع ذلك يقترح بعض الخبراء حلاً جزئيًا محتملًا، وهو تغيير الطريقة التي نبني بها المدن في المناطق المعرضة للحرائق، بالإضافة إرساء قواعد السلامة الأساسية للمباني من الحرائق، كما يوصي الخبراء بإنشاء حواجز زراعية تحيط بالمدن يمكنها أن تحمي المنازل والأشخاص بشكل فعال من الحرائق المتعدية.