فيضانات اليمن: كارثة سنوية تكشف هشاشة التكيف

أودت السيول بوفاة 65 شخصاً وتضرر أكثر من 300 فرد حتى نهاية أغسطس 2025

فيضانات اليمن: كارثة سنوية تكشف هشاشة التكيف

أودت السيول بوفاة 65 شخصاً وتضرر أكثر من 300 فرد حتى نهاية أغسطس 2025

تسببت السيول والفيضانات في اليمن خلال أغسطس الماضي بوفاة 62 شخصا وتضررت آلاف الأسر، غالبيتهم من النازحين في عدد من المحافظات، وتكشف الفيضانات التي تكرر سنوياً هشاشة البنية التحتية وغياب الاستعدادات المبكرة للكوارث ونظم الإنذار المبكر.

وشهدت نحو 17 محافظة يمنية هطول أمطار غزيرة تسببت بفيضانات واسعة النطاق وانهيارات أرضية وأضرار ناجمة عن العواصف القوية، في الوقت الذي يواجه السكان انعدام الأمن الغذائي، وتعاني الأسر من نقص حاد في الغذاء ومستويات عالية من سوء التغذية.

وكان النازحين والمهمشين من الفئات الأكثر تضررا من الفيضانات حيث دمرت مساكنهم وأصبح الكثير منهم بلا مأوى، بالإضافة إلا أن السيول تسببت بأضرار كبيرة في سبل العيش الزراعية من خلال جرف الأراضي أو نفوق الماشية.


      مواضيع ذات صلة

65 وفاة و300 ألف متضرر

وتوفي 65 شخصاً وأصيب 78 آخرين بالإضافة إلى أربعة مفقودين، وتضررت 47,050 أسرة (329,350 فردًا) بالفيضانات، بحسب تقارير جمعية الهلال الأحمر اليمني وشركائها، وهذه الإحصائيات رصدت حتى 24 أغسطس/ آب الماضي، وفق إحصائيات رصدها “ريف اليمن” من الهلال الأحمر اليمني والهيئة التنفيذية للنازحين.

وتسببت الفيضانات في أضرار جسيمة للمنازل والبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك الجسور والطرق والمستشفيات، بالإضافة إلى ملاجئ النازحين، والأراضي الزراعية، والخدمات العامة. وبحسب تقرير الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر «IFRC».

ولا تزال عدة مديريات غير قابلة للوصول بسبب الطرق المقطوعة، في حين تتزايد حالات النزوح في المناطق المنخفضة ومخيمات النازحين -وفق التقرير- الذي أشار إلى أنه تم الإبلاغ عن، عن آثار إنسانية كبيرة في 17 محافظة يمنية، وكانت محافظات حجة والحديدة غربي البلاد الأكثر تضرراً.

وشهدت المناطق الساحلية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن أعلى معدلات هطول الأمطار، كما تعرضت المناطق الجبلية لانهيارات طينية وتدمير للطرقات، مما أدى صعوبة الوصول إلى كثير من المناطق الجبلية.

وشملت البيانات التي أوردها التقرير كافة المحافظات المتضررة ماعدا مأرب رغم أنه ركز على النازحين، حيث أورد أن 27,332 أسرة نازحة تأثرت (191,324 فردا) من إجمالي المتضررين والذين يمثلون نحون 76 بالمئة مقارنة بالأفراد.

النازحون الأكثر تأثرا

وتشير الأرقام بأن النازحين هم من بين الفئات الأكثر تضررًا، وقد تأثرت المجتمعات النازحة بشكل خاص نظرًا للهشاشة التي تعيشها المخيمات ومحدودية وصولها إلى المأوى وخدمات الصرف الصحي، ويعيش أكبر تجمع للنازحين في مأرب.

ووفق الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، فإن 2,944 أسرة تضررت كلياً وتم تسجل 3 حالات وفاة وإصابة 5 أشخاص إضافة إلى نفوق 563 رأساً من المواشي، وخسائر مادية واسعة.

وبلغ إجمالي الأسر المتضررة كلياً 464 أسرة فقدت مساكنها وممتلكاتها بشكل كامل، وكانت مديرية مدينة مأرب كانت الأكثر تضرراً بواقع 1,634 أسرة، تلتها مديرية مأرب الوادي بـ 678 أسرة، ثم العبدية بـ 112 أسرة، بينما سجلت مديرية حريب تضرر 56 أسرة، وفق التقرير.

وقال المسؤول الإعلامي لإدارة مخيمات النازحين بمحافظة مأرب، أيمن عطا “أن الاستجابة الإنسانية محدودة جداً مقارنة بحجم الاحتياجات المتزايدة، ونحن بحاجة ماسة لتكثيف جهود الاستجابة العاجلة لتغطية الفجوة الكبيرة في الدعم”.

وأضاف في تصريح لمنصة “ريف اليمن”، “أبرز الاحتياجات الإنسانية العاجلة للمخيمات هي، توفير المأوى الطارئ ومواد الإيواء غير الغذائية، وتأمين مياه نظيفة وخدمات الصرف الصحي للحد من تفشي الأمراض، وتقديم المساعدات الغذائية للمتضررين، ودعم خدمات الصحة والحماية، خاصة للفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال والنساء”.

ودعا “عطا” كافة المنظمات الإنسانية في اليمن للعمل على توفير تدخلات مستدامة تحد من تكرار الأضرار سنويًا، وطالب السلطة المحلية في مأرب “توفير أراضٍ آمنة ومناسبة لنقل بعض المخيمات المعرضة للخطر”.

الحاجة لمساعدة المتضررين

ويحتاج المتضررين من السيول والفيضانات إلى مساعدات إنسانية وإيواء في المحافظات المتضررة. ووفق منظمة الهجرة الدولية “أن مجموعة مراكز تنسيق وإدارة المخيمات في اليمن تحتاج 22 مليون دولار لتلبية احتياجات النازحين داخلياً المتضررين من هذه الفيضانات”.

أثرت الأمطار الغزيرة والفيضانات مواقع النازحين في محافظات عدن والحديدة ولحج ومأرب وإب، تشير التقديرات إلى أن 46 ألف أسرة تأثرت في أكثر من 190 موقعًا لاستضافة النازحين، وتشير التقييمات الأولية أن حوالي 41,000 أسرة بحاجة إلى مساعدات غير غذائية، بينما تحتاج 28,000 أسرة أخرى إلى دعم في مجال المأوي، وفق بيانات الاستجابة للفيضانات ومجموعة المأوي في اليمن.


أيمن عطا: على كافة المنظمات الإنسانية في اليمن العمل على توفير تدخلات مستدامة تحد من تكرار الأضرار سنويًا


قال عبد الستار إيسوييف، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في اليمن: “تُعدّ الفيضانات في اليمن ضربةً قاضيةً أخرى للأسر التي فقدت الكثير وأصبحوا بلا منازل، وبلا ممتلكات، وبلا شعور بالأمن”، وأضاف “إنهم بحاجة إلى الحماية، وبحاجة إلى المساعدة، وقبل كل شيء، يحتاجون إلى وقوف المجتمع الدولي إلى جانبهم”.

كان التأثير كارثيًا على العائلات التي عانت لسنوات بسبب الصراع والفقر ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية، -وفق الهجرة الدولية- التي قالت “تُرك مئات الأشخاص دون مأوى أو طعام أو مياه نظيفة أو رعاية طبية، ودمرت الفيضانات والعواصف منازل وطرقًا وبنية تحتية عامة”.

وخسرت بعض الأسر كل ممتلكاتها القليلة وسبل عيشها في غضون ساعات بسبب الفيضانات وخاصة أولئك الذي يعتمدون على تربية الماشية والزراعة من أجل العيش، أو النازحين التي غرقت خيامهم وتلف كل ما فيها.

فيضانات اليمن: كارثة سنوية تكشف هشاشة التكيف
النازحون هم الأكثر تضرر من الفيضانات في اليمن خلال السنوات الماضية

أضرار كبيرة للفيضانات

ومن المجتمعات الأكثر تضررا هي الأسر التي تعيلها نساء، وأيضاً الأطفال، كبار السن، وذوو الإعاقة، وأيضا المجتمعات الريفية، كما فاقمت الفيضانات من مخاطر الصحة العامة بانتشار حالات الكوليرا الأمراض الناجمة عن سوء جودة المياه تتزايد.

وفي المناطق المتضررة، انهارت أنظمة الصرف الصحي، وأصبحت مصادر إمدادات المياه ملوثة، ومع انهيار مرافق الصرف الصحي، تواجه المجتمعات المحلية مخاطر متزايدة لتفشي الأمراض وتقييد الوصول إلى الرعاية الصحية، وفق منظمة الهجرة الدولية.

وتعد محافظات إب وصنعاء ومأرب والحديدة وتعز من بين الأكثر تضررًا، حيث ألحقت الفيضانات أضرارًا بالمنازل والأراضي الزراعية والبنية التحتية العامة، وفي عدن تحولت بعض الأحياء إلى “بحيرات مغلقة” وتوقفت إمدادات المياه عن آلاف السكان.

ورصدت منصة “ريف اليمن” الأضرار التي خلفتها الفيضانات في عدة مناطق، ففي مديرية شرعب الرونة – تعز، طُمرت أكثر من 30 بئراً سطحية، وأضرار بثلاثة مشاريع مياه، وسبع طرق رئيسية، إلى جانب عشرات الطرق الفرعية داخل القرى، وفق السلطة المحلية.

وفي محافظ الحديدة خلفت السيول أضرار وانهيارات صخرية في محمية بُرع وعزلة الخزاعي، ومناطق أخرى، انهارت مدرجات مزارع البُن والحواجز المائية، إلى جانب تضرر بعض الطرقات وخسائر مادية أخرى.


في مديرية شرعب الرونة – تعز طُمرت أكثر من 30 بئراً سطحية بسبب الفيضانات وخلفت أضرار بثلاثة مشاريع مياه وسبع طرق رئيسية


ووفق تقرير مركز «SARI Global» الدولي “يجمع اليمن بين التعرض الشديد للعواصف وانخفاض القدرة على التكيف. وتُغمر شبكات الأودية، التي عادةً ما تحمل جريانًا موسميًا، مرارًا وتكرارًا، وأدى الصراع إلى تآكل الطرق والقنوات وشبكات المياه والصرف الصحي والمرافق الصحية”.

وكل هذه الظروف تزيد من احتمالية أن تؤدي عاصفة واحدة إلى قطع الوصول وتلويث مصادر المياه وزعزعة استقرار المساكن، وأدى التوسع غير المخطط له في السهول الفيضية وعلى المنحدرات الشديدة إلى توسيع نطاق التعرض.

التقلبات المناخية تؤثر سلبًا على إنتاج المحاصيل الزراعية حيث يتوقع الغلة هذا العام تكون أقل (محمد علي)

التأثير على الزراعة والأمن الغذائي

وشهدت اليمن في هذا الموسم الزراعي جفاف كبير في غالبية المحافظات اليمينة، ومازال مهدداً للأمن الغذائي، ورغم هطول أمطار غزيرة في أغسطس الماضي، تشير التوقعات بأن يكون إجمالي الهطول المطري أقل من المعدلات المعتادة سنوياً.

ووفق شبكة «FEWS» “شهد اليمن موسم أمطار أول جاف بشكل غير مسبوق بين شهري مارس ومايو، تبعه تأخر واضح في بداية موسم الأمطار الثاني الذي يمتد من يوليو حتى أكتوبر، ورغم هذا التأخر، سجل شهر أغسطس معدلات أمطار تفوق المتوسط، ما تسبب في حدوث فيضانات مفاجئة”.

هذه التقلبات المناخية من المتوقع أن تؤثر سلبًا على إنتاج المحاصيل الزراعية، حيث تشير التقديرات انخفاض الغلة وأن مخزون الحبوب يُتوقع أن ينتهي قبل موعده بشهر، مقارنة بالسنوات السابقة، تحديداً في يناير بالمناطق الجبلية، وفي مارس بالمناطق السهلية. بحسب تقرير الشبكة الدولية المهتمة بالأمن الغذائي.

ومع انتهاء موسم الحصاد، ستواجه الأسر اليمنية نقصًا حادًا في الإنتاج المحلي وهذا يزيد من تفاقم الأزمة الغذائية، وهناك ثمان محافظات أكثر تضرراً، وهي: إب، لحج، تعز، الضالع، ذمار، مأرب، حضرموت، وعمران.

في يوليو 2025، ظلّ الحصول على الغذاء الكافي بعيدًا عن متناول 70% من الأسر التي شملها الاستطلاع في اليمن، مما وضع البلاد بين أكثر دول العالم معاناةً من انعدام الأمن الغذائي، في ظل توقعات أن تظهر فئات من السكان في المرحلة الخامسة، من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.

وفي ظل هذه التحديات التي تواجهها اليمن هناك تحذيرات من حالة استثنائية محتملة خلال فصل الخريف والشتاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتشمل غرب اليمن، نتيجة عودة قوية ومفاجئة لظاهرة اللانينيا.

وهذه الظاهرة مدعومة بظروف مناخية أخرى مثل الاحترار الكبير للبحر الأبيض المتوسط وانخفاض النشاط الشمسي، ومن أبرز تأثيراتها وفق “المركز العربي للمناخ” زيادة في حالات عدم الاستقرار الجوي وارتفاع فرص الفيضانات وموجات برد قاسية وقد تبدأ في سبتمبر الجاري.

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: